كلمة التوحيد (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة التوحيد (2)

عباد الله: اتقوا الله تعالى واشكروه على جميع نعمه، واسألوه المزيد من فضله وكرمه، واحذروا معصيته ومخالفته، فإنها سبب لمقته وشديد نقمته، واذكروا نعمة الله عليكم إذ هداكم للإسلام، وجعلكم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الناس كانوا قبل بعثته في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، مشركين بربهم، متوجهين بالعبادة وطلب النفع ودفع الضر إلى من لا يضرهم ولا ينفعهم، من الأموات والجمادات، والأرواح الغافلات، وغير ذلك من أنواع المخلوقات، فصنف منهم معرضون عن رب الأرض والسماوات، يتبرك بنوع من الشجر، والآخر ينادي ميتا في قبر، وثالث يشكو إلى حجر، ورابع يسجد للشمس والقمر والنجوم، والكل معرض عن ذكر الحي القيوم.

وكانوا في أمورهم العامة في أسوأ حال، وأضيق عيش، وأشد كرب، يسفكون الدماء عند أتفه الأسباب، ويغتصبون الأموال ويعدونه أشرف الأكساب، ويتحاكمون إلى الطواغيت، ويستجيرون بالشياطين والعفاريت ، وكانت تحكم العالم آنذاك دولتان غاشمتان ظالمتان: دولة الروم النصرانية الضالة، ودولة الفرس المجوسية الظالمة المتجبرة، وكان العالم يعيش في ظلام دامس، وجهل خانق، وخرافة متحكمة، وبلبلة وفتنة مستحكمة، حتى أذن الله تعالى – وله الفضل والمنة – ببعثة خاتم النبيين، وإمام المرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، فأنقذ به – وله الحمد والشكر – من الجهالة، وهدى به من الضلالة، وبصّر به من العمى، وعصم به من الردى، وأعز به من الذلة، وأغنى به من الفقر، وأخرج به من الظلمات إلى النور، ويسر به الأمور، ولم يزل صلوات الله وسلامه عليه مجتهداً في تبليغ الدين، وهداية العالمين، وجهاد الكفار والمنافقين، حتى أشرقت الأرض بنور ربها ابتهاجا، ودخل الناس في دين الله أفواجا، ورجع الكفر خاسئا حسيرا أدراجا، وتحققت منّة الله على المؤمنين ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ .

محمد رسول الله: حق على كل مؤمن بالله واليوم الآخر، ومؤمن بالعرض على الله يوم تبلى السرائر، أن يشكر الله على بعثة هذا النبي الكريم، والرسول العظيم، وأن يحب الله لما أجزل من نعمه التي لا تُحصى ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ وعلامة حب الرحمن: اتباع النبي الكريم المرسل إلى جميع الإنس والجان، فإن ذلك هو الامتحان، المنصوص عليه في القرآن ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ .

 ولهذا أمر الله المؤمنين باتباعه وطاعته، وحذرهم من مخالفته ومشاقته، وشرع لهم تعزيره وتوقيره، وتعظيمه وتكريمه، ورفع له ذكره، وشرح له صدره، وجعل الذلة والصغار، والخيبة والخسار، على من خالف أمره، وأوجب عليهم محبته أعظم من محبة أنفسهم ووالديهم وأولادهم والناس أجمعين، وجعل ذلك من أعظم القرب إليه، وأسباب الزلفى لديه.

محمد رسول الله: لقد رحم الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم باتباعه رحمة عظيمة، فما جعل الله عليها في دينه حرجا، بل جعل لها فيه عند كل هم فرجا، وعند كل ضائقة مخرجا، ويسّر لها الأحكام، ونوع أسباب تكفير الآثام، وضاعف لها على الأعمال الصالحة القليلة الأجور، ولطف بها عند وقوع المقدور، وأعطى نبيها لها أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليها عدوا من سوى أنفسها، ما لم يختلفوا في الدين، ويأخذورا بسنن المغضوب عليهم والضالين، فحينئذ تحدث الطامة وتقع الفتنة، التي تصيب الخاصة والعامة.

عباد الله: محمد رسول الله: أدوا حقوقه تحظوا بشفاعته، وتنالوا من الله كرامته، فمن حقوقه عليكم: أن تكثروا عليه من الصلاة والسلام، وهي من أعظم أسباب استجابة الدعاء، ورفعة الدرجات وتكفير الآثام، ومن حقوقه أن تسألوا الله له الوسيلة والفضيلة، والمقام المحمود بعد كل أذان، فإن جزاء ذلك أن تحل عليكم الشفاعة، فبشراكم يا أهل الإيمان.

محمد رسول الله: من حقوقه علينا أن نتمسك بسنته، لنأمن من الضلالة، وننجوا من الفتنة، وأن نبلغ دينه، لنفوز بنضارة الوجه يوم القيامة، وأن نطيعه في الصغير والكبير، قولا ونية وعملا ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ﴾ ، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً (68) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً﴾ .

الخطبة الثانية:

الحمد لله يهدي من يشاء بفضله إلى صراط مستقيم، ويضل من يشاء بعدله عن النهج القويم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به، وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون. ... أما بعد:

عباد الله: محمد رسول الله، اذكروا ما عهد إليكم، ووصّى إذ يقول: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» .

فإياكم والابتداع في الدين، فإنه من عمل المغضوب عليهم والضالين، وقال صلى الله عليه وسلم كما في (خ م): «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وعند (م) : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».

فالابتداع في الدين مخالفة لنهج النبي الأمين، وأخذ بمسلك المغضوب عليهم والضالين، وموجب لرد العمل وغضب رب العالمين، واعلموا أن من أخطر المبتدعات، ما أحدثه بعض المنحرفين، من أهل الخرافة والمتصوفة، من الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإطرائه في هذه الاحتفالات، حتى يرفعوه من مرتبة العبودية إلى الألوهية، حيث ينسبون إليه شيئاً من خصائص رب الأرض والسماوات، ويضرعون إليه بخالص الدعوات، ويصرفون له شيئاً من أنواع العبادات، ويصفونه بأوصاف لا تتفق مع الوحي المنزل، وليس فيها توقير للنبي المرسل، عليه أكمل الصلاة والتسليم من الله عز وجل. وقد قال صلى الله عليه وسلم : «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله».

عباد الله: فهؤلاء الضُّلال، جمعوا بين الضلالتين، كما تسمعون منهم هذه الأيام، في القنوات والإذاعات، والصحف والمجلات، وفتنوا المسلمين في الدين، وذلك من أعظم الآثام، وأشد أنواع الإجرام، وأخذوا بمناهج اليهود والنصارى، باحتفالاتهم بأعياد أنبيائهم وعظمائهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم، فصدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم : «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!».

فاحذروا عباد الله البدع وأهلها، فإنهم أعداء السنة، ودعاة الجاهلية، وهم عبّاد الهوى، الصادون عن الهدى، وإياكم وما هم عليه من الضلالات، وأنواع المبتدعات ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾