الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إن الحمد لله

أما بعد:

فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هو حصن الدين الحصين ، ودرعه المتين ، أمر جلاه القرآن ووضحته السنة ، هو وظيفة الأنبياء لأن دعوتهم تنبني على الأمر بالتوحيد ، والنهي عن الشرك ، وهل التوحيد إلا رأس المعروف ، والشرك رأس المنكر .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو طريق الصالحين ﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ وهو سبيل المفلحين ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وهو طريق الصابرين كما عند البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعل أثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم . وهو طريق المؤمنين كما عند مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي ، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب ، يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف ، يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون مالا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل » الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ، فهل ترى اليوم بأنه فرض كفاية ؟ هل ترى القائمين به يكفون لإزالة ما شاع من المنكرات ؟ وهو فرض عين إذا لم يوجد غيرك في مكان فيه منكر. بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تظهر في الأمة الفضائل ، وتختفي الرذائل ، به يتعلم الجاهل ، ويرشد الضال ، وبه تقام الحدود ، وبه تتميز السنة ، وتختفي البدعة ، ويعرف الحلال من الحرام ، والواجب والمسنون ، والمباح والمكروه ، وبه يرتفع أهل الحق والصلاح ، ويندحر أهل الشر والباطل ، ويؤطر على الحق السفيه . به النصر والتمكين ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ به ينجو المصلحون ﴿ وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ ، ثم انظر إلى عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ . إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حلت لعنة الله ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ وإذا ترك كثرت الكوارث والشرور ، وظهرت البدعة ، وتفرقت

ولم نؤذ من فوقنا ؛ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ، ونجوا جميعاً أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن زينب رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول : « لاإله إلاالله ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه – وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها – فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث »

فاتقوا الله عباد الله وراقبوه ، وقوموا بأمره كما أراد ، وفقني الله وإياكم للاستعداد ليوم المعاد ، أقول ما تسمعون …………

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأصلي وأسلم على نبي الهدى والرحمة ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :

فحقاً أيها المسلمون : إذا عطلت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ودك هذا الحصن ، وحطم هذا السياج ، فعلى معالم الإسلام السلام ، وويل يومئذٍ للفضيلة من الرذيلة ، وويل للصالحين من المبطلين ، وويل لأهل الحق من السفهاء ومن تطاول الفاسقين ، بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضعف المجتمع ، وتضيع الأمة ، يعيش الناس كما يشتهون ، لحدود الله يتجاوزون ، وبالأخلاق يعبثون ، وفي الأعراض يقعون . بتركه

يختل أمن البلاد ، وتضعف الغيرة على الأعراض ، ويفشو التبرج والسفور ، وتعظم المصيبة بالاختلاط . ولم يستجيب الله الدعاء فقد روى الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « والذي نفسي بيده ؛ لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم » وعند أبي داود عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس : إنكم تقرؤون هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، ثم يقدرون أن يغيروا ثم لا يغيروا ؛ إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب » .فاتقوا الله أيها المسلمون وقوموا بهذا الركن حسب الإستطاعة فقد كلفتم بذلك كما عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » فاجتهدوا في إزالة منكرات بيوتكم بأيديكم ، وتفقدوا جيرانكم بالنصيحة والتوجيه ، وما عجزتم عنه بعد ذلك فأنكروه بقلوبكم ببغضه ، ومفارقة مكانه ، ولا تضعف أو تتوانى بدعوى أنك مقصر بل يجب عليك السعي في إصلاح حالك ، مع استمرارك على الأمر والنهي بالعلم والحكمة والموعظة الحسنة .

ويا من أوتيت بياناً ، وقلماً سيالاً ، وتأثيراً في الناس ، إنزل إلى الميدان وباشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال التأليف ، والمناصحة المباشرة أو المهاتفة ، ويا معاشر المربين إتقوا الله في أبناء المسلمين وخذوا على يد السفيه وأطروه على الحق أطراً ، ويا رجال الحسبة ، يا إخوة بذلوا أنفسهم وأوقاتهم ،اصبروا على أذى المنافقين ، وتثبيط القاعدين ، ولوم الجاهلين ، فهذا طريق الأنبياء والصالحين ، سدد الله الخطا ، ونفع بالجهود .