نظرات في المظاهرات

نظرات في المظاهرات

لقد أمرنا الله جل وعلا بالاجتماع، ونهانا عن الفرقة والنزاع، قال تعالى ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ عباد الله :إن إقامة السلطان وولي الأمر من الواجبات الدينية ، ومما لا تتم مصالح الناس الدينية والدنيوية إلا به، فعن عمر رضي الله عنه : إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة، فمن سوده قومه على الفقه والدين، كان حياةً له ولهم، ومن سوده قومه على غير ذلك، كان هلاكاً له ولهم ،. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لا بد للناس من أمير ؛ بَرٍّ أو فاجر ،يعمل فيه المؤمن ، ويستمتع فيه الكافر ، ويبلغ الله فيها الأجل" رواه البيهقي ، قال شيخ الإسلام : ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم ، وإقامة الحدود ، لا تتم إلا بالقوة والإمارة ، ولهذا روى أن السلطان ظل الله في الأرض ، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان ، وقال رحمه الله: فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع إلى أميرٍ يسوسهم، وقائدٍ يقودهم، وإذا كان ذلك واجباً في أقل الاجتماعات وأقصرها، فكيف بأمر المسلمين، وفي الحديث: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» ، قال الحسن البصري: "والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا ، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون".

 أيها المسلمون : من المعلوم أن الطاعة للولاة في طاعة الله ، فإن جاروا وظلموا فإن الله قد أكمل لنا الدين ،وأتم علينا النعمة ،وعلمنا كيف نتعامل في حال الفتن، فعن سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألون حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيسٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم» رواه مسلم ، قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إياكم ولعن الولاة ، فإنَّ لعنهم الحالقة ، وبغضهم العاقرة" قيل: يا أبا الدرداء ، فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟ قال: "اصبروا ، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت"

عباد الله : في أثناء الفتن العظيمة، تحار العقول، وتطيش الأحلام ،وتعظم المصيبة، وينطق الرويبضة، ويتسلق المتطفلون على هامات العلماء ، وفي هذه الأيام التي تتوالى فيها النكبات على أمة الإسلام، يخرج الناس في مظاهرات صاخبة، غاضبة منددة، بما يجري هنا وهناك ، مطالبة بما نهب منها من الحقوق ، شاكية ظلم الولاة، وجور السلطان، فهل لهذا الأمر أصل في الشرع ؟

فيقال : أول من قام بهذه المظاهرات هم الخوارج يوم أن خرجوا على عثمان رضي الله عنه ، وهي سنة الكفار اليوم وأدعياء الديمقراطية، وقد أغنانا الله عنهم بالإسلام الذي هو خير كله ، فلسنا في حاجة إلى ديمقراطية الغرب ولا إلى اشتراكية الشرق ، ولسنا بحاجة في إنكار المنكر إلى سلوك سبيلهم في تلك المظاهرات،والمطالع لتاريخ العلماء يجد أنهم كانوا ينصحون الحكام ويتكلمون بالحق لا يخافون في الله لومة لائم دون أن يحدثوا فتنة أو مظاهرة ، ولا يثبت أن أحدهم قاد مظاهرة مطالباً بحق من الحقوق ، وقد قال تعالى ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ ولقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل المظاهرات والاعتصامات من الجهاد ؟ فأجاب: لا ، هذا غلط ، هذا غلط ، هذه فتنة ، وهذا شر ما يصلح ، وسئل هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة ؟ فأجاب: لا أرى المظاهرات الرجالية والنسائية من العلاج ، ولكن أرى أنها من أسباب الفتن، ومن أسباب الشرور، ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق ، وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نظهر المبارزة والاحتجاجات علناً، فهذا خلاف منهج هدي السلف ، وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: هل من وسائل الدعوة؛ القيام بالمظاهرات لحل مشاكل ومآسي الأمة الإسلامية ؟فأجاب: ديننا ليس دين فوضى ، ديننا دين انضباط، دين نظام، ودين سكينة ، والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين ، وما كان المسلمون يعرفونها ، ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة ، لا فوضى فيه ولا تشويش ولا إثارة فتن ، هذا هو دين الإسلام ، والحقوق يتوصل إليها دون هذه الطريقة بالمطالبة الشرعية ، والطرق الشرعية ، هذه المظاهرات تحدث فتناً ، وتحدث سفك دماء ، وتحدث تخريب أموال ، فلا تجوز هذه الأمور.

فاللهم .........................................................

الخطبة الثانية

الحمد لله

فإن المتأمل فيما يحدث اليوم في مصر حفظها الله وحفظ بلاد المسلمين من كل سوء ، يلاحظ أن هذه الأحداث قد نحي فيها شرع الله فلم يلتمس المنهج الشرعي في التعامل مع هذه الأحداث، ولم يطالب المتظاهرون ألا القلة بتطبيق شرع الله ، إنما هي مطالب دنيوية ديمقراطية، ولم يتهم أحد فيها الشعب بالتقصير في جنب الله ، وأن ما أصابهم إنما هو بسبب ذنوبهم ، وكما قيل كما تكونوا يول عليكم وخير من ذلك قول الله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ وقد قال عليه الصلاة والسلام «وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم» وهذه المظاهرات يقودها صغار الأسنان ، حدثاء التجربة ، مع صلاح نية بعضهم ، وقد نهى الشرع عن ذلك؛ فعن أبى أمية الجمحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر». وقال ابن مسعود رضي الله عنه حيث "ولا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكبارهم وعن أمنائهم وعلمائهم ، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا" وهذه المظاهرات قد تسببت في إزهاق الأرواح فالقتلى والجرحى بالمئات، اختل الأمن وانقطعت السبل ، وقل الزاد والدواء، وارتفعت الأسعار ، سلبت البنوك ، وهتكت الأعراض، وعاث المجرمون في الأرض فسادا.

عباد الله : إن على المسلم في مثل هذه الفتن ، أن يصبر على جور السلطان ففي البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم»، أي: ولو مُنِعْنَا حُقُوقُنَا فالواجبُ الصَّبرُ ، والواجب اعتزال الفتنة ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ اَلْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلْمَاشِي فيها, وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلسَّاعِي إِلَيْهَا. أَلا إِذَا نَزَلَتْ , أَوْ وَقَعَتْ, فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ, فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ, وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ, وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ, فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِه. فَقَالَ رَجُل:ٌ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ, وَلا غَنَمٌ, وَلا أَرْضٌ؟ قَالَ: يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حده بِحَجَرٍ, ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اِسْتَطَاعَ اَلنَّجَاةَ. اَللَّهُمَّ هل بَلَّغْتُ, اَللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ, اَللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت !! فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّه، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَق بِي إِلَى أَحَدِ اَلصَّفَّيْنِ, أَوْ إِحْدَى اَلْفِئَتَيْنِ, فَضَربَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ, أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ, وَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّارِ» وعلى المسلم في حال الفتن لزوم البيوت ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : «إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : كونوا أحلاس بيوتكم» وعلى المسلم أن يكثر من الاستغفار فقد قال الله تعالى ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ .