رمضان والقرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان والقرآن

يا عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله تعالى قد أكرمكم بإنزال القرآن ، وجعله نورا وبيان ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ كتاب الله : إنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو شفاء لما في الصدور، والحكم العدل عند مشتبهات الأمور، وهو الكلام الجزْل، وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد سناؤه، وبحر لا يُدرك غورُه.

 بهر ببديعُ إشاراته، وعجيب انتقالاته، من قصص باهرة، إلى مواعظ زاجرة، وأمثال سائرة، وحكم زاهرة، وأدلة على التوحيد ظاهرة، وأمثال بالتنزيه والتحميد سائرة، ومواقع تعجب واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجية ًبسط، وإن كان تخويفا قبض، وإن كان وعدا أبهج، وإن كان وعيدا أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجراً أرعب، وإن كان موعظة أقلق، وإن كان ترغيباً شوق.

فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنى وأعذب أسلوب، فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره، واصطفاه للتذكير به وتذكره، فهو يرتع منه في رياض، ويكرع منه في حياض.

عباد الله: إن هذا القرآن أنزل ليكون منهج حياة هي خير حياة وأسعدُها، ومرشداً إلى سبيلٍ هو أقوم سبيل وأنجحُه، يهذبُ النفوس ويزكيها، ويقوِّم الأخلاق ويعليها، يقودُ من اتبعه إلى سعادة الدارين، وينجيه من شقاوة الحياتين

أيها المسلمون: كتاب ربنا بين أيدينا، نزهه ربنا عن الخطأ والزلل، وجعله فصلا في كل زمان ومكان ﴿لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ اتضح به سلوك المنهج القويم، والصراط المستقيم، بما فصل فيه من الأحكام، وفرق بين الحلال والحرام، فهو الضياء والنور، وبه النجاة من الغرور، وفيه شفاء لما في الصدور، من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فقد فاز.

أنزله الله على أفضل الخلق،في أعظمِ شهر في أعظم ليلة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ وإنما أراد الله بإنزال كتابه أن يأتمر العباد بأمره، وينتهوا عن نهيه، ويصدِّقوا أخباره، ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ ولما كان سلفنا الصالح يعملون بالقرآن ويقومون به علما وعملا، يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويقولون ءامنا به كل من عند ربنا أضحوا سادة العالم، ومنار الهداية للحيارى، فقادوا الناس به إلى ربهم وجنته.

عباد الله : من أراد مضاعفة الأجور فعليه بالقرآن قال صلى الله عليه وسلم : «من قرأ حرفا من كتاب الله كان له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».

ومن أراد الشفاعة فليلزم القرآن قال صلى الله عليه وسلم : «يأتي القرآن شفيعا لأصحابه، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما». ومن أراد الشفاء ففي القرآن قال سبحانه ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ و من أراد الخير كله ففي التمسك والعمل بالقرآن ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى﴾ .

أيها المسلمون: أحيوا بالقرآن ليلكم، استعذبوا ألفاظه، وتأملوا إتقانه، قوموا به مع القائمين، اصبروا أنفسكم على صلاة التراويح والقيام ففي البخاري ومسلم «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» .

عباد الله، إن أمامكم فرصة العمر فاغتنموها، وإياكم والغرور بالدنيا فإنكم تاركوها، واحرصوا على تعليم من ولاكم الله أمرهم، فعلموهم القرآن .

اللهم .............................................

الخطبة الثانية :

عباد الله : القرآن يخاطب النفس فتخشع، والقلب فيخضع، والروح فتقنع، والأُذُن فتسمع، والعين فتدمع، ولو نزل على صخر لتصدّع. له حلاوة وعليه طلاوة، لا يشبع منه العلماء، ولا يروى منه الحكماء، قوة برهان، وإشراق بيان، ووضوح حجة، واستقامة محجّة. مصاحبته تُذهب كل داء، وتطرد كل بلاء، وتبيد كل شقاء، وتدفع كل ضرّاء، وتُزيل كل بأساء، قارئُه ينتظر الرحمات، ويرتقب البركات، وكل حرف بعشر حسنات، يبهر العقل، ويرفع الجهل، وهو فصل ليس بالهزل.

 القرآن مالُ من لا مال له، وعشيرُة من لا عشيرة له، وذخر من لا ذخر له، وكنز من لا كنز له، هو السّلوة في الغربة، والأنيس في الوحشة، تدبّره رحمات، والعمل به نجاة، والتحاكم إليه فلاح، والرضا به سعادة، والاستغناء به ثروة، ومصاحبته غنيمة، شافع مشفّع، هدىً لا ضلالة بعده، ونور لا ظلمة فيه، وشفاء لا سقم عنده، يُؤنسك في القبر، يحفظك في الحَشر، يُنجيك على الصِّراط، يُوصلك الجنة، يبعدك عن النار، يحميك من غضب الجَبّار، يُذهِب همّك، يجلو غمّك، يُزيل تعبك، يطرد نَصَبك، يشرح صدرك، يرفع ذِكرك، يُعلِي قدرك، هو قُرَّة العيون، وسَلوة القلوب، وبهجة النفوس، وحلية الأولياء، ومأدبة العلماء، يعصم من الغي، يحمي من الضلالة، يحصن من الجهالة، يمنع من الغواية.

 فيه قصة الإنسان، ومسيرة الخلق، وتوحيد الخالق، وصفات الرُّسُل، وخبر الملائكة، ونعيم الجنة، وعذاب النار، صدق في الخبر، عدل في الحُكم، وسط في الطريقة ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ فيه خبر القرون، وقصة فرعون و هامان و قارون ، وحديث ثمود وعاد، وإرم ذات العماد، وفيه ذكِر الأنبياء، وصفات الأولياء، وخاتمة الشهداء، ونعيم السعداء، وعذاب الأشقياء، ومصير الأبرار، ونهاية الفُجّار، وعد ووعيد، وبشارة وتهديد، وجنة ونار، وفوز وبوار، تحدّى بالذُّباب، وضرب المثل بالبعوضة، وشبّه بالعنكبوت، وتحدّث عن النّملة، وأعجز بالنحلة، وأهلَكَ بالناقة، فيه الفاتحة الكافية الشّافية ، وفيه البقرة الحافلة بالأحكام، والحلال والحرام، فيه سورة الإخلاص التي فيها صفة الرحمن، ومدح الدَّيَّان، والثَّناء على ذيِ العزّة والسلطان.

فطُوبى لمن صاحبَ القرآن، ورافقه وأحبّه وتلاه وتدبّره وأنِسَ به، واسترشد بوعظه، واهتدى بهُداه، وعكف عليه، وتغنّى به، وأحيا به ليله، وأجرى به دمعه.

اللهم .............................................