التقليد المذموم

بسم الله الرحمن الرحيم

التقليد المذموم

إن الله سبحانه قد أغنى المسلمين، وأنعم عليهم بشريعة كاملة شاملة لكل مصالح الدنيا والدين. وعلق السعادة في الدنيا والآخرة على العمل بها والتمسك بهديها. قال تعالى ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى﴾ وهذه الشريعة هي الصراط المستقيم الذي هو طريق المنعَم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وما خالفها فهو طريق المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى والمشركين .

وأنت أيها المسلم في كل ركعة من صلاتك تدعو ربك أن يهديك الصراط المستقيم، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين.

وإنه يعني مخالفة الكفار فيما هو من خصائصهم، في العبادات والمعاملات، وفي الآداب والأخلاق؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يورث محبتهم في الباطن. ولهذا تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على الأمر بمخالفتهم، والنهي عن التشبه بهم إبعادًا للمسلم عما فيه مضرته؛ لأن أعمال الكفار باطلة، ومساعيهم ضالة، ونهايتهم إلى الهلاك ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ .

أيها المسلمون: ومع أن الله قد حذرنا سبيلهم فقضاؤه نافذ بما أخبر به رسوله مما سبق في علمه تعالى حيث قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» أي: من القوم إلا هؤلاء؟ وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرًا بشبر وذراعًا بذراع فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك؟» وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء، وليس إخباره عن وقوع التشبه في الأمة للكفار إخبارًا عن جميع الأمة، بل قد تواتر عنه أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة» وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة. وأن الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم فيه بطاعته. فعلم بخبره الصادق أنه لابد أن يكون في الأمة قوم يتمسكون بهديه الذي هو دين الإسلام محضًا، وقوم ينحرفون إلى شعبة من شعب دين اليهود، أو إلى شعبة من شعب دين النصارى. وهذا الانحراف يزينه الشيطان. فلذلك أمر العبد بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية أصلاً .

والحكمة في النهي عن التشبه بهم والأمر بمخالفتهم ظاهرة؛ ذلك أن المشابهة لهم في الظاهر تورث تشبهًا بهم في الباطن يقود إلى موافقتهم في الأخلاق والأعمال. والمخالفة لهم في الظاهر توجب مخالفتهم في الباطن، مما يوجب مفارقتهم مفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف إلى أمة الهدى والرضوان .

عباد الله: لقد قطع الإسلام مادة المشابهة للكفار من أصلها، في الصحيحين: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى» وفي (م) قال صلى الله عليه وسلم «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه كما عند (م) كانت اليهود إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ﴾ ، فقال صلى الله عليه وسلم : «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه. ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأن اليهود تصوم يوم عاشوراء أمر بصوم يوم قبله أو بعده إمعانًا في مخالفتهم. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصّر في الصلاة، وهو أن يجعل المصلي يده في خاصرته؛ لأن اليهود تفعله. و أمر النبي صلى الله عليه وسلم باللحد في عمل القبور وقال: «اللحد لنا، والشق لغيرنا» وكان صلى الله عليه وسلم مهتمًا كيف ينادي للصلاة وينبه الناس لدخول الوقت، فذُكر له البوق فقال: «هو من أمر اليهود»، وذكر له الناقوس فقال: «هو من أمر النصارى». حتى شرع الله الأذان.

 أيها المسلمون : أيهاإنكم أهدى الناس طريقًا، وأقومهم سبيلاً، وأرشدهم سلوكًا،وقد أقامكم الله تعالى مقام الشهادة على الأمم كلها ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ فكيف يتناسب مع ذلك أن يكون المسلمون أتباعًا لغيرهم من كل ناعق، يقلدونهم في عاداتهم، ويحاكونهم في أعيادهم وتقاليدهم؟! ولقد كثر اليوم في المسلمين التشبه بالكفار في كلامهم ولباسهم وهيئتهم بين الرجال والنساء .

الخطبة الثانية:

فالمسلم الواثق بنفسه إنما هو كالطَّوْد العظيم ، أمام الفتن والمتغيّرات ، لا تعصف به ريح، ولا يَحطمه موج ، يرتقي من ثبات إلى ثبات، ويزداد تعلّقه بربه وبدينه كلما ازدادت الفتن، وادْلَهَمَّت الخُطُوب، لا يستهويه الشيطان، ولا يلهث وراء كل ناعِق، حادِيه في ذلك سلوك طريق الهدى وإن قلّ سالكوه، والنَّأي عن طريق الضلال وإن كثر متبعوه.

ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على استقلالية المسلم، وتفرده عن غيره ، فقال كما عند الترمذي «لا تكونوا إمَّعَة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» .

ولقد أشار ابن مسعود رضي الله عنه إلى صنف من الناس إمعة، فقال: "كنا في الجاهلية نعد الإمَّعَة الذي يتبع الناس إلى الطعام من غير أن يُدعى، وإن الإمَّعَة فيكم اليوم المُحْقِبُ الناسَ دينَه"، أي: الذي يقلّد دينه لكل أحد، وقال أيضًا: "ألا لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلاً؛ إن آمن آمن، وإن كفر كفر؛ فإنه لا أسوة في الشرّ".

عباد الله: لقد انتشرت في صفوف الشباب والفتيات، ألوان من الضعف والخور، وصور من التبعية، وأشكال من الانبهار بالغرب وتقليعاته، تمثل ذلك في أصناف من اللباس لم يعهدها المسلمون من قبل، ألبسة يجمعها الغرابة، تجد الملابس التي عليها صور ذوات الأرواح، وربما كانت صورة يهودي أو نصراني، وربما كتبت عليها عبارات تدعو للرذيلة. وأشكال من اللباس أغرب، فهذا مشقوق وهذا متسخ وذاك مرقع.

ألأنها من الغرب صارت أفضل؟ ولأنها الموضة فهي الأجمل؟ لكن لو كانت لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، إذن فهو التخلف والرجعية، والتزمت والهمجية، وتصديقا لذلك ، انظروا إلى لباس هذه الأيام ، ما يسمى بالبرمودة وهو بنطلون قصير إلى نصف الساق، واللبس إلى نصف الساق أمر به صلى الله عليه وسلم فقال «إزرة الرجل إلى نصف ساقيه» فليت شبابنا عملوها امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان في ذلك خير الدنيا والدين، لكنهم لبسوها لأنها موضة ستيفان وكوهين، لأنهم لا يفعلون ذلك في ثيابهم.

ومن التشبه المذموم تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. ولقد رأينا وللأسف شبابا يلبسون القلائد على النحور، والأقراط في الآذان، والأسورة على المعاصم.

عباد الله: إن رجوعنا إلى شِرْعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم أسباب عزتنا «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» .