الاختبارات

الاختبارات

إن الحمد لله .

بسم الله نبدأ ، وعلى بركة الله نسير ، وجاءت الاختبارات ،ذلك الهم الذي يغشى بعض البيوت ، وذلك الهاجس المقلق الذي يعلو بعض الوجوه ، زرع فيه أبناؤنا موسماً كاملاً ، وهم يتأهبون غداً للحصاد . كان كل منهم يخرج كل يوم إلى المدرسة صباحاً ، ويعود إلى البيت ظهراً ، يحصل علماً ، ويجمع أدباً ، ويتلقى تربيه يحمل دروسه ، ويحمل معها أمل أمته ، يحمل دفاتره ويحمل معها رجاء والديه . أمة تؤمل فيه عضواً نافعاً ، ونبراساً شامخاً ، وفتىً مقداماً ، رجلاً يحمل همها ، ويدافع عن قضاياها ، تؤمل فيه أن يكون عالماً جليلاً ، أو بطلاً نحريراً ، أو آمراً حكيماً ، أو عضواً في ميادين الحياة نافعاً . يتردد على مدرسته ، ترقبه عينا والديه ، تكلؤه بالرعاية ، وتتعاهده بالحماية ، كل يوم ينمو ، يكبر معه الأمل . يتطلعان إلى أن يحقق آمالها ، ويرفع رأسيهما ، ويفتخران به في كل مناسبة ، ويؤملان أن يقوم برعايتهما حال كبرهما ﴿ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ .

يحوطانه في الليل برعاية حانية ، تلاحظه عين أم رؤوم ، تفرح بنموه وتتمنى نجاحه ، وأب يكد ويكدح من أجل توفير لقمة سائغة ، تغنيه عن التطلع إلى ما في أيدي الناس ، يبذلان ما يستطيعان في سبيل راحته ، يجودان بما يجدان في سبيل رفعته ، يتمنيان أن يريانه رجلاً ، قد اشتد عوده ، وانفتل ساعداه ، قد ارتفع عن الدنايا ، ولا يرضى إلا بالقمم ، يكبر وتكبر محبته في قلبيهما ، إذا أقبلت الاختبارات جدا في تذليل الصعاب ، وتوفير المطالب لا يصدران له أمراً ، ولا يعكران عليه صفواً ، قلبيهما يخفقان ، ويديهما بالدعاء مرفوعتان ، وضع البيت قد تغير ، لا تزعجوا فلان ، ويتساءلان هل تريد أستاذاً يساعدك ، أو صديقاً يلائمك ، والابن لا يقيم لذلك وزناً ، بل قد يقابل ذلك بالجحود ، ويكافئ وصلهما بالصدود ، ويتساءل عن سبب متابعتهما ، وشديد حرصهما عليه ، وما علم أنها رحمة وضعها الله في قلبي الوالدين ، ومحبه غرسها في صميم فؤادهما ﴿ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ . ويدخل الاختبار ، بثبات قلب ، ورباطة جأش ، لا تخيفه كثرة الأوراق ، ولا تهزه تنقلات المراقب ، فقد كان محسناً في التلقي ، وسيسدد بإذن الله في الجواب ، وقد كان جاداً في الطلب ، فهان عليه اليوم تحصيل المطلوب ، وسهل الوصول للمأمول . وإن كان من الصنف الآخر ، دخل الاختبار ترتعد فرائصه خوفاً على مستقبله ، لأنه لم يعد للأمر عدته، ولم يحسب للأمر حسابه ، فقد كان مفرطاً ، ولدروسه مضيعاً ، وعلى ملاهيه عاكفاً ، فأنى له النجاح ، ومثل هذا بعيد عن الفلاح . وبعد نهاية الاختبار ، يدخل بيته وبيده ورقة رسوبه ، منكس الرأس ، خائب الأمل ، وما إن يراه أباه ، حتى يفقد اتزانه ، ويكيل له السب والشتم ، ولا يتوقف عن هذا الحد ، بل يوجعه ضرباً ، أعماه الغضب ، وسيطرت عليه العصبية ، كيف ينجح أخوك وترسب ، أما رأيت ابن الجيران ، ألا تكون مثل فلان ، والمسكين لا يجيبه إلا بدمع واكف يتصبب ، ويتألم من داخله ، ويتمنى زوال المدرسة والدراسة ، ويحمل الحقد على أخيه ، والكراهية لجاره ، وربما تسبب الوالد في إعاقته ، أو كسر عضو من أعضائه ، أو ارتجاج في دماغه ، أو فقأً لعينه ، وقد حدث مثل هذا والله . وما هكذا تورد يا سعد الإبل ، لا يهان الابن من أجل رسوب ، ولا تجرح كرامته من أجل إكمال ، ولكن لوم لطيف ، من غير إيذاء ولا تعنيف ، وفتح صفحة جديدة للتعويض واستدراك ما فات ، وأن بالإمكان اللحاق بالركب ، وتجديد العزيمة ، فهناك دور ثان ، وإلا فعام آخر ، يجب أن يحيى الأمل في قلبه ، ويعطى فرصة لإثبات الوجود طالما تمسك بدينه ، وبكريم الأخلاق ، ونبيل الصفات ، ورفيع السجايا . أكل هذا الألم حرصاً منك على دنياه ، فهلا جعلت مثل ذلك لدينه ، هلا صرفت جزءاً من وقتك ، وقليلاً من اهتمامك لإصلاح دينه ، هل أمرته بالصلاة ، وغضبت حين فرط في المحافظة عليها ، هل علمته كيف يبرك ، هل تلقى منك كيف يصل رحمه ، هل ربيته على كريم الأخلاق ، وطيب الطباع ، . كسوته لدنياه فهلا أضفت إليه لباس التقوى ذلك خير . وفرت له ما طاب من المشارب في الدنيا ، فهلا التفت إلى الكوثر والسلسبيل في الآخرة ، أطلقت عينيه للنظر إلى الحرام ، فهلا علقت قلبه بحور مقصورات في الخيام ، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، كأنهن الياقوت والمرجان ، تركته يصاحب من يشاء ، فهل نسيت ﴿ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ علمته القراءة والكتابة ، فهلا ألزمته معها بحفظ كتاب الله ، رسخت في ذهنه الحرص على الدراسة لتأمين المستقبل ، لكنك نسيت« إنما الأعمال بالنيات »

أعددته لاختبار الدنيا فهلا تذكرت ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ حرصت على نومه مبكراً لأداء الاختبار ، لكنك نسيت : الصلاة خير من النوم

تفرح لنجاحه ، أفلا تتذكر ﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ وتحزن لرسوبه أنسيت ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ﴾ ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى

الخطبة الثانية

الحمد لله .

ومما ينبغي التنبيه عليه - في هذه المقام - بعض الأمور التي يقع فيها بعض الآباء - بحسن نيه - وسلامة مقصد - وممارسة خاطئة .

فمن ذلك :

أن بعض الآباء تجده طوال العام مشغولاً عن بيته وأسرته فإذا جاءت الاختبارات أقام الدنيا وماأقعدها - فيأمر هذا ويضرب ذلك ويلاحق الثالث - أتظن أنك في يوم واحد تستطيع أن تقوم بجهد غيرك في أشهر . فهلا كان ذلك الحرص والمتابعة بأسلوب لطيف ومن بداية العام . ومن ذلك أيضاً ، أن بعض الآباء ، جعل النجاح في الدراسة أو الرسوب فيها ، هي علامة نجاح الابن في حياته أو فشله ، فإذا نجح كال له أنواع المدح والثناء ، وإذا رسب صب عليه مختلف التأنيب والإهانة ، وربما يكون الناجح لا يصلي ومع ذلك لا يلام ، والراسب ممن من الله عليه بالصلاح والاستقامة فصار المقياس ، هو الدنيا والتسابق عليها .

ومن ذلك عدم ربط الأبناء بالتوكل على الله مع فعل الأسباب - « وأعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء فلن يضروك إلى بشيء قد كتبه الله عليك » فليذاكر وليجتهد وليعلم أن الموفق والمسدد هو الله - ثم ليربط بعد ذلك بشكر الله على النجاح لأنه من عنده سبحانه - ويحمده على الرسوب وليتهم نفسه بالتقصير

ومما ينبغي التنبيه عليه أيضاً أن بعض الطلاب ، يبالغ في السهر بدعوى المذاكرة ، بل يواصل الليل فلا ينام إلا بعد خروجه من المدرسة ، وفي ذلك من الإرهاق الجسدي والعقلي الشيء الكثير ، فربما تسبب السهر الطويل في عدم القدرة على التركيز ، ويزداد الأمر سوءاً ، إذا كان الابن ممن ابتلي بتناول بعض المنبهات في أيام الاختبارات ظناً منه أنها تعينه على السهر وحسن المذاكرة ، مع أنها نوع من المخدرات ، وكثرة تعاطيها قد يكون سبباً في حدوث أمر لا تحمد عقباه، فليتنبه لذلك الآباء . ومن الأمور الخطيرة التي تحدث في أيام الاختبارات خاصة ، خروج الطلاب من المدارس مبكرين ، فالوالد في عمله ، والأم في منزلها ، و تظن أن ولدها في المدرسة ، تأمل ما يحدث في تلك الأيام من التفحيط ، والخطف ، وجرائم اللواط ، والتجمعات المشبوهة ، فربما كان ابنك ضحية أحد هؤلاء المتهورين ، أو دمية في أيدي العابثين ، لذا فإنني أهيب بجميع الاخوة الآباء ، الحرص والاتصال بالمدرسة في اليوم الأول لأخذ الوقت المتوقع لخروج الطلاب من المدرسة يومياً ، أو بالمها تفه ، ومن ثم متابعة الابن أولاً بأول ، وقد قامت بعض المدارس مشكورة ، بتوزيع وقت خروج الطلاب من المدرسة يومياً مع جدول الاختبارات فليعط هذا الأمر الغاية من الأهمية ، والكثير من الاهتمام وليس الخبر كالمعاينة .