فضل الإسلام والغربة

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل الإسلام

عبادَ الله، إنَّ للمسلمين شدّةً في دينهم، وقوّةً في إيمانهم، يباهون بهما من عداهم من أهلِ المِلَل، وإنّ في عقيدتهم، ونصوصِ الوحيين عندهم، أوثقَ العُرى لتسليمهم لربهم، وإيمانهم بأن دينهم الحق، وشريعتهم هي الربانية، ورسولهم هو الخاتم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذاقَ طعم الإيمان، من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً» رواه مسلم

ولذا فإنّ الواجبَ على الجميع أن يكونوا حماةً لجناب الشريعة، وأن يتصدّوا لكلِّ غارةٍ على حِماها، وأن يقِفوا في وجوهِ العابثين بها، وبأحكامها وثوابِتها، وبيان الحقّ لهم ودعوتهم إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلتهم بالتي هي أحسَن.

عباد الله: لقد جمعت العقيدةُ الإسلامية، خلاصةَ الشرائع السماوية، وجملةَ الرسالات الإلهية ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ وحوت في أصولها ومبادئها، ما يتواءَم وحاجةَ الإنسانية، ويتواكب ومصلحةَ البشرية، في كلّ زمان ومكان، وما يحقِّق مصالحَ العباد في المعاش والمعاد. جاءت بالإيمان بجميع رسلِ الله عليهم صلوات الله وسلامه ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ وجمعت الرسالاتِ كلَّها في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أخرج الشيخان من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنةَ على ما كان من العمل» .

فأيُّ عقيدةٍ أحقُّ وأحكم، وأرحب وأقوم، من هذه العقيدة التي تسلِّم الإنسانيةَ كلَّها، إلى مصير واحد، وإله واحد، ورسالة خاتمة؟! ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً

دين الله كامل لا نقص فيه، قال تعالى ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾ وقال ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل إعطاء ؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئا ؟ قالوا لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء» هذا الحديث دال على فضل الإسلام، باعتبار أن الله عز وجل فضل أهل الإسلام على غيرهم، بما ضاعف لهم من الأجور، وأن الأجر لو كان على العمل فاليهود عملت أكثر والنصارى عملت أكثر، ولكن جاء الفضل باعتبار الوصف الذي قام بهم، وهو وصف الإسلام، فلما تحقق فيهم الإسلام ، كان أجرهم مضاعفا، وإنما كانوا أفضل من غيرهم لما تلبسوا به من حقيقة الإسلام. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة» . وفيه؛ تعليقا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة»

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول الله عز وجل: إنك على خير ، بك اليوم آخذ وبك أعطي؛ قال الله عز وجل في كتابه: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾» رواه أحمد.

عباد الله : مبنى الأعمال على الإسلام ، فكل عمل لا يؤجر صاحبه ولا يصح ولا يقبل منه إلا إذا حقق الإسلام، والمراد به تحقيق توحيد الله عز وجل؛ فمن من لم يحقق التوحيد فلا يقبل منه عمل، ومن حقق التوحيد والإسلام فإن الله عز وجل يقبل منه عمله؛ وقد ذكر الله عز وجل انتفاء قبول العمل عن أهل الكفر : ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً﴾ . وقال تعالى في اشتراطه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾  

الخطبة الثانية :

عباد الله: نحن في زمن ادلهمت فيه الخطوب ، وعظمت فيه الكروب، كثر المشككون في دين الله، والمدافعون عن أعداء الله، نطقت الرويبضة، همش العلماء، وتطاول عليهم السفهاء.

أيها المسلمون: علم أعداء الإسلام وأذنابهم، أنه لايمكن الطعن في الإسلام إلا بالطعن في علمائه، وإزالة مكانتهم من نفوس العامة، وإنقاص قدرهم، والتهوين من منزلتهم الرفيعة ، التي شرفهم الله بها، وأحلهم إياها ، فشنوا عليهم الغارات، سلوا أقلامهم في الجرائد، وسلطوا ألسنتهم في القنوات، سلقوهم بألسنة حداد. وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن ببلاء قد ادلهم ظلامه، إنك لتعجب أشد العجب عندما ترى من ينتسب للإسلام، ويطعن في علمائه، وقد سلم منه اليهود والنصارى، لكننا في زمان كثرت متغيراته، وتسلط فيه سفهاؤه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء» رواه مسلم ، قيل «ومن الغرباء؟ قال: نزاع من القبائل» وفي رواية: «الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس». وللترمذي من حديث كثير بن عبد الله «طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي» فأول ما بدأ الإسلام لم يؤمن مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليل ، ثم بعد ذلك فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فدخل الناس في دين الله أفواجا؛ ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيعود غريبا كما بدأ يعني يبقى في قلة من الناس؛ ثم بين صلى الله عليه وسلم أجر الغرباء فقال: «فطوبى للغرباء» وهم الغرباء الأولون والغرباء المتأخرون، فكلا الطرفين يشملهم قوله: «فطوبى للغرباء» وطوبى فسر بأنه الجنة وفسر بأنه شجرة في الجنة وفسر بأن هذا دعاء لهم بأن يجعلهم الله عز وجل في أكمل حال وأحسنها وأن يسبغ عليهم فضله وأن يفرحوا بهذا الفضل.

عباد الله : إن على المسلم أن لا يلحقه شك في دينه إذا رأى قلة المستمسكين به، وكذلك لا تدل غربة الإسلام على أن المستمسك بالإسلام وقت الغربة في شر وإنما هو في خير لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فطوبى للغرباء» فهو من أسعد الناس

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم «إن من بعدكم أياما الصابر فيها المتمسك بمثل ما أنتم عليه اليوم، له أجر خمسين منكم، قيل يا رسول الله: منهم، قال: بل منكم» .

فالله الله عباد الله بالتمسك بهذا الدين، والاعتزاز بما انتم عليه، ولا يتطرق إليك شك، ولا يهتز فيك يقين، فإنك على الحق المبين، ودين الله ظاهر ولو كره المشركون.