ثلاثة الأصول

بسم الله الرحمن الرحيم

ثلاثة الأصول

الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأكمل لنا الدين، وأتم علينا به النعمة من بين العالمين، وقال وهو أصدق القائلين ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأراضين، أمركم أن تعبدوه مخلصين له الدين، وحذركم أن تكونوا من المشركين ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، النبي المصطفى، والرسول المجتبى، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والأئمة المهديين .. أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله ربكم، في سركم وجهركم، وخلوتكم واجتماعكم، وفي جميع أموركم وسائر أحوالكم، وارضوا بما رضيه الله لكم، تفوزوا بمثوبته وجنته ورضاه، وتجنبوا ما توعد به من أعرض عن ذكره ولم يتبع هداه، فإنه سبحانه قد رضي لكم الإسلام دينا، واختصكم بأن بعث لكم عبده محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا، فأمركم بتحقيق توحيده وترك ما ضده، واختصكم بأكمل شرائع دينه، وبعث لكم أفضل رسله.

عباد الله: ثلاثة أصول يجب علينا أن نعرفها بأدلتها، وأن نعمل بها لله ربنا عن بينة، وأن نجتهد في تحقيقها وتكميلها، وأن نحذر مما ينقصها ويقدح فيها، وأن نجتنب كل ما يبطلها ويفسدها وينافيها.

فأصل تلك الأصول معرفة ربنا تبارك وتعالى، خالقنا ورازقنا، ومتوفينا ومجازينا، فإنه الله ربنا الذي ربانا وربى جميع العالمين بنعمه، وعم الجميع بألوان جوده وكرمه، وهو معبودنا، فليس لنا معبود بحق سواه ﴿أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ .

فالواجب عليكم أن توحدوه بأفعاله، من الخلق والرَزق، والملك والتدبير، وأن تثبتوا له ما ثبت في الكتاب والسنة، من أسمائه وصفات كماله، ونعوت جلاله، فإنه سبحانه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ فلا شريك له في ربوبيته، ولا ند له في إلا هيته، ولا سمي له ولا كفو في أسمائه وصفاته، ولا يكون في هذا الملك العظيم في علوه وسفليه، حركة ولا سكون، إلا وقد أحاط بها علمه، ونفذ فيها حكمه، فوُجِدت بعلمه ومشيئته، وحدثت بإحداثه، لكمال قدرته وحكمته.

ومن هذا شأنه فهو المستحق لأن يوحد بأفعال عباده، بأن يعبدوه بما شرع وكما شرع، فينقادوا له مختارين مستسلمين، خاضعين محبيين، معظمين مجلين، ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾.

عباد الله: وحّدوا الله بأقوالكم، وأخلصوا له نياتكم، وانقادوا له بجوارحكم، فإن المتفرد بالخلق والإبداع، وبتمام الملك وتدبيره على ما هو عليه من العظمة والاتساع، هو المستحق لأن يعبد وحده ويطاع، ذو الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، فيا ويح الملحدين من الكافرين، والمشركين وأهل الابتداع ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾.

عباد الله: وأما الأصل الثاني من تلك الأصول العظام، فهو معرفة دين الإسلام، الذي شرعه الله وكمله، وأتم به النعمة ورضيه، وقال في حق من أعرض عنه ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ فالواجب معرفة هذا الدين، بالحجة والبرهان، والاستقامة عليه طلبا لرضا الديان، وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.

وأما الأصل الثالث، فهو معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بأنه نبي الله حقا، ورسوله صدقا، وخاتم النبيين، ورسول الله إلى الثقلين إلى يوم الدين، وتحقيق ذلك بأن يطاع فيما أمر، ويصدق فيما أخبر، ويجتنب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، فمن نقص من ذلك أو زاد عليه، فقد جفا وابتدع.

فيا أيها المغتبطون ببعثة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، الراجون أن تحشروا تحت لوائه، وأن تسعدوا بشفاعته، وأن تدخلوا الجنة في زمرته، اثبتوا على ملته، واستمسكوا بسنته، واهتدوا بهداه، واحذروا من تلبيس من أعرض عن السنة واتبع هواه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: هذه الأصول هي تحقيق مدلول الشهادتين، والاستقامة على دين رب العالمين، فمن حققها علما وعملا واعتقادا، فقد ذاق حلاوة الإيمان، وثبته الله في قبره حين يسأله الملكان، وغفر له ذنبه، ووجبت له دار التكريم والرضوان، ففي (م) من حديث الْعَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ، من رضي بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا».

وفي (خ م) عن أَنَسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: من كان الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ الله منه، كما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ».

وعند (م) عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «من قال حين يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، غُفِرَ له ذَنْبُهُ».

فاتقوا الله عباد الله: وأخلصوا له أعمالكم، وطهروها من إرادة غير الله، ولا يغب عنكم أن الله عالم بالخفيات، مطلع على السرائر والنيات، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماوات ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ فأخلصوا له النية فيما أوجب عليكم من طاعة، وما ندبكم إليه من بر، تفوزوا برضاه، ويصرف عنكم السوء والفحشاء، وتكونوا من عباده المخلصين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾.

اللهم إنا نسألك الإخلاص في عبادتك، والتحقيق لتوحيدك وطاعتك، والعمل بكتابك وسنة نبيك، وأن تجعلنا من أهل التقوى والخشية بمنك وكرمك.

اللهم إنا نسألك الإيمان، والعفو عن ما سلف وكان من الذنوب والعصيان.