الاتباع للشرع المطهر

بسم الله الرحمن الرحيم

الاتباع للشرع المطهر

الحمد لله رب العالمين ، أمر بما يستطاع ، ووعد بالأجر الجزيل لمن أطاع ، الحمد لله لم يكلف النفس إلا وسعها ، وذلل طرق وأسباب العبادة كلها ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، إمام المتبعين المطبقين لشرع رب العالمين ، صلى الله ..أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله ، واتبعوا شرعه بتطبيق أوامره ، والبعد عن نواهيه ، وادخلوا في السلم كافة ، لعلكم تفلحون

عباد الله : إن الإنسان في هذه الحياة خلق لغاية عظيمة ،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ وجعل في درجة رفيعة ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ..﴾ فحقيقة الإنسان أنه عبد مملوك لله عز وجل ، خلقه وأسكنه أرضه ، وأغدق عليه نعمه ، وكلفه بتطبيق شرعه ، ثم جعل عليه كراماً كاتبين ، فمن وفى بما أمره الله كان من المفلحين ، وبقدر التفريط يقترب العبد من عقوبة رب العالمين . وكل ما حوله من أسباب إنما هي وسائل تعين العبد على العبادة ، فإذا كانت صادة له عن العبادة وجب تركها .

فعلى العبد إذا أراد السعادة في الدارين أن يتبع أوامر ربه وخالقه فإنه أعلم بمصالح عبيده من أنفسهم. عباد الله :

لقد تكاثرت النصوص الشرعية والآثار السلفية الآمرة بالاتباع الكامل للشريعة المطهرة قال جل ذكره ﴿ قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ﴾ ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ وإن الناظر في أحوال الناس ، يرى التباين الكبير في مسألة الاتباع ، فمستقل ومستكثر ، والصاد لهم عن الاتباع المطلق أحد أمرين : الشهوة أو الشبهة .

فمن الناس من صدته شهوته عن اتباع شرع الله تعالى ،أو عن اتباع بعض الشرع ، ولقد ذم الله الذين يتبعون أهواءهم ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ﴾ ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ 

واستنكر الله على الآخذين ببعض الشرع والتاركين لبعض ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ .

عباد الله : إن الواجب على المكلف أن يقدم أمر الله وأمر رسوله على كل غال ونفيس ، حتى على نفسه التي بين جنبيه ، كما أن الواجب على العبد أن يستجيب لأمر الله وأمر رسوله مباشرة من غير تردد أو اتخاذ الأعذار أو البحث عن الرخص ، ذكر الذهبي في السير في ترجمة عبد الله بن رواحة أنه أتى النبي وهو يخطب فسمعه وهو يقول : « اجلسوا » فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من خطبته ، فبلغ ذلك النبي فقال : « زادك الله حرصاً على طواعية الله ورسوله » .

نعم عباد الله هكذا فلتكن الطاعة المطلقة بلا تردد ولا أعذار .

كما يجب على العبد أن يكون وقافاً على نصوص الشرع وأن لا تأخذه العزة بالإثم . دخل رجل على عمر بن الخطاب مجلسه فقال : يا ابن الخطاب ، والله ما تعطينا الجزل ، وما تحكم بيننا بالعدل . فغضب عمر حتى هم بأن يقع به . فقال الحر بن قيس : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ وإن هذا من الجاهلين ، قال الراوي : فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافاً عند كتاب الله .

ولقد خرج هارون الرشيد يوما من قصره ومعه حشمه وخدمه ، فاستقبله رجل من الرعية فقال له : اتق الله يا هارون . فنزل هارون من موكبه وسجد على الأرض وقال : أخشى أن أكون ممن قال الله فيهم ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ ﴾ .

عباد الله : ليرب كل منا نفسه على الطاعة المطلقة ، والاتباع الخالص ، من غير تردد ولا تقديم للشهوة على مراد الله . قال الأوزاعي : ندور مع السنة حيث دارت .

وقال ابن القيم : كان عمر بن الخطاب يهُم بالأمر ويعزم عليه ، فإذا قيل له : لم يفعله رسول الله ، انتهى

وقال أبو الزناد : إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي ، فما يجد المسلمون بداً من اتباعها .

وقال أبو عثمان الحيري : من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً ، نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة ، قال تعالى ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 

الحمد لله وحده

أما بعد :

فإن المسلم إذا كان الصاد له عن الانقياد والتسليم للشرع المطهر هو هواه ، فهو عبد عاص لربه عالم بذلك ، يوشك أن يراجع ربه ويتوب . أما إذا كان الصاد له عن الانقياد والتسليم هو الشبهة ، وتقديم العقل ، فهذا على خطر عظيم إن لم يتداركه ربه برحمة منه وفضل .

عباد الله : يرد الأمر على بعض الخلق ، فيقيس بعقله ، ويرد النصوص بمجرد الشكوك والأوهام ، وبالزعم الباطل أن العقل لا يقبل ذلك . وتلك مصيبة عظيمة حذر منها السلف الصالح رحمهم الله ، فإذا تعارض الدليل مع عقلك فاتهم عقلك ، وما أتي أكثر الخلق إلا من عدم اتهام آرائهم ، أخرج ( خ ، م ) من حديث معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها فقالت : ما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت عائشة : أحرورية أنت ؟! فقالت : لست بحرورية ، ولكني أسأل ؟ فقالت عائشة : كان يصيبنا ذلك – يعني في زمن النبوة – فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة .

فانظر يا رعاك الله كيف أجابت على سؤالها بالتسليم والانقياد المجرد حيث خفيت الحكمة .

وأخرج وغيره عن علي بن أبي طالب قال : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ! زاد أبوداود : وقد رأيت رسول الله يمسح على ظاهر خفيه .

فقد أوضح علي رضي الله عنه ، أن الدين ليس بالرأي وإنما هو التسليم والانقياد ، ولو خالف العقل في الظاهر ، كما أوضح ذلك عمر بن الخطاب عملياً حيث أخرج ( خ،م ) أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله وقال : والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك .

هذه عباد الله قمة الانقياد والتسليم ولو كان الأمر عرياً عن الحكمة الظاهرة ، بل لو خالف عقلك ؛ لأن عقول الناس تختلف والله فضل بعضهم على بعض .

عباد الله : لقد توفي نبينا وما من شيء لنا فيه خير إلا ودلنا عليه ولا شر إلا وحذرنا منه ، فجعلنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .

أخرج الطبراني في معجمه من حديث عمر بن الخطاب قال : اتهموا الرأي في الدين ، فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله برأيي إجتهاداً ، فوالله ما آلوا عليه الحق ، وذلك يوم أبي جندل – يعني يوم صلح الحديبية – حتى قال رسول :« تراني أرضى وتأبى »

وأخرج الدارمي في سننه عن الشعبي أن رجلا جاء إلى شريح فقال : يا أبا أمية : مادية الأصابع ؟ قال : عشر عشر . قال الرجل : سبحان الله ! أسواء هاتان ؟ وجمع بين الخنصر والإبهام . فقال شريح : سبحان الله : أسواء أذنك ويدك ؟ في كل واحدة نصف الدية ، ويحك ! إن السنة سبقت قياسكم ، فاتبع ولا تبتدع ؛ فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر.

عباد الله : إن مما حداني إلى هذا الموضوع جرأة بعض الناس على نصوص الكتاب والسنة ، فما وافق عقله أخذه وما لم يوافقه رده ، بل إن ذلك ليطرد إلى فتاوى أهل العلم ، فكل يأخذ ما وافق هواه ويرد غير ذلك .

فلنتق الله عباد الله : وما بان لنا من الحكمة في أمر الله حمدنا الله عليه ، وما لم يتضح لنا حكمته سلمنا به وفوضنا أمره إلى الله .