كان خلقه عظيما

بسم الله الرحمن الرحيم

كان خلقه عظيما

عباد الله: إن الله سبحانه بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالهدى والنور، فاطمأنت له القلوب، وانشرحت به الصدور، بعثه رحمة للعالمين، وقدوة للصالحين، أرسله ليتمم من الأخلاق مكارمها، فكان صلى الله عليه وسلم إمامها وهاديها. أقسم له ربه أنه قد حاز من المكارم أفضلها ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ كان خُلُقُه عظيمًا، حينما كان أكمل الناس أدبًا مع الله، وأشدهم خشية لله وخوفًا منه قال صلى الله عليه وسلم : «إني أخشاكم لله وأتقاكم له» قام في جوف الليل حتى تورمت قدماه، وصام من النهار فما مل ولا سَئم، كَمُلَ أدبُهُ مع ذي العزة، فزينه وكمله بأفضل الشمائل والخصال، كان إمامًا في الأخلاق، كان دائم البِشْر، طليق الوجه. قال جرير بن عبد الله: "ما لقيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي" كان يرحم الصغير والكبير، ويعطف على الجليل والحقير، قال أنس بن مالك: "ما لمست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ما قال لي يومًا قط: أف ".

كان خلقه عظيمًا: حين كان جوادًا كريمًا، أجود بالخير من الريح المرسلة. قال جابر بن عبد الله: "ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فقال: لا ". كان يبذل الدنيا، وهي في يديه حقيرة صغيرة، كان يُعطي الشاة والبعير، وما في بيته صاع من شعير.

كان خُلُقُه عظيمًا: حين كان برًا بالعباد رحيمًا، كان رحيمًا في دعوته، رحيمًا في توجيهه، رحيمًا بالأمة في إمامته، كان يدخل إلى الصلاة يريد أن يُطولها، فإذا سمع بكاء الأطفال، أشفق على الأمهات فخففها، وكان يقول صلى الله عليه وسلم : «إذا أمّ أحدكم بالناس فليخفف؛ فإن وراءه الضعيف والسقيم، والشيخ الكبير وذا الحاجة، وإذا صلى لوحده فليُطول ما شاء» كان صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر بالستين إلى المائة آية، فلما دخل ذات يوم يريد أن يطول، فسمع بكاء صبي فقرأ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ﴾ فلما انفتل من صلاته قال: «إني سمعت بكاء صبي فأشفقت على أمه».

كان خُلُقُه عظيمًا: حين كان على منبره يُفصَّلُ الشريعة والأحكام، ويأخذ بمجامع القلوب إلى طريق السلام، ما كان يجرح الناس ولا يعنفهم، ولا يُشهِّرُ بهم، كان يقول عليه الصلاة والسلام: «ما بال أقوام»

كان خُلُقُه عظيمًا: يجلس بين أصحابه، لو دخل الغريب لا يستطيع أن يعرفه من بين الصحابة، وكان السائل يقول: أيكم محمد؟ ما كان جبارًا ولا لعانًا، ولكن كان رحمة للعالمين.

كان رحيمًا بالأحياء والأموات، كان إذا جن عليه الليل، خرج إلى بقيع الغرقد ـ كما في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة ـ فوقف على قبور المؤمنين والمؤمنات، وسأل ربه بصالح الدعوات، أن يُسبغ عليهم شآبيب الرحمات، توفيت امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجد، فقام على قبرها وصلى عليها ودعا لها، ثم قال: «إن هذه القبور، مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم».

كان خُلُقُه عظيمًا: إذا دخل إلى بيته، كان خير الأزواج، وأبرهم بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم حتى كان إذا دخل إلى بيته ملك قلوب أزواجه، بالعطف والإحسان، وبالرحمة والحنان، ما عاب طعامًا قط وضع بين يديه، ولا سب امرأة ولا ضربها ولا أهانها، يكرم ولا يهين، يُعزُّ ولا يُذلُّ، كانت زوجته إذا جاءت بالشراب، أقسم عليها أن تشرب قبله، فإذا شربت من الإناء وضع فمه حيث وضعت فمها، صلى الله عليه وسلم ما أكرمه وما أحلمه وما أرحمه.

كان خُلُقُه عظيمًا: دخل أعرابي المسجد وهو جالس مع أصحابه، فرفع ثوبه فبال في المسجد، فقام الصحابة ينهرونه ويزجرونه، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: «لا تزرموه» رحمه وأشفق عليه، تركه حتى قضى بوله، ثم أمر بذنوب من ماء فصب على بوله، ثم دعاه فوجهه وأرشده, فقال الأعرابي: «اللهم ارحمني وارحم محمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا».

كان خُلُقُه عظيمًا: صلى بأصحابه فعطس رجل من القوم، فقال معاوية بن الحكم السلمي: يرحمك الله، فرماه القوم بأبصارهم، فقال: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إليَّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رآهم يصمتونه سكت، يقول معاوية وهو يصلي: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، إنما قال: إن هذه الصلاة، لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.

الخطبة الثانية :

عباد الله: هذا قليل من كثير، من سيرة البشير النذير، فما أحوجنا أن نملأ بمحبته قلوبنا، ما أحوجنا أن نربي على هذه السنة والأخلاق الكريمة، صغارنا وكبارنا، ما أحوجنا أن نتربى عليها صغارًا وكبارًا، ونعتقد فضلها سرًا وجهارًا، وتظهر آثارها علينا ليلاً ونهارًا.

عباد الله : إن الله تعالى عظّم الأخلاق، ورفع مقامها، فأولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظهم لحقها، وأدومهم للعمل بمكارمها، سُئل صلى الله عليه وسلم عن أقرب الناس منه مجلسًا يوم القيامة فقال: «ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقًا»، ولما سُئل عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة يوم القيامة قال: «تقوى الله وحسن الخلق»، ولا يزال الإنسان بحُسن الخلق حتى يضع الله به طيب الذكر في الأرض والسماء.

ما أحوجنا إلى حسن الخلق فيما بيننا وبين الله تعالى، فنستحي منه حق الحياء، ونخافه كما ينبغي أن يُخاف، ونستحي من عظيم نعمته وجليل منته، ونعظمه حق تعظيمه، ونقدره حق قدره، ومن رزق خوف الله في قلبه، فإن الله يفتح عليه في أخلاقه وأقواله وأعماله، فابدءوا بإصلاح ما بينكم وبين الله.

واعلموا ـ عباد الله ـ أن حسن الخلق لا يكون إلا إذا نقيت السريرة، وصلحت السيرة، لا تكون حَسَنَ الأخلاق إلا إذا كان قلبُك مليئًا بالصفاء، مليئًا بالمحبة للمسلمين والمودة والإخاء، فلا تكون الأخلاق لمن كان في قلبه الشحناء والبغضاء، كان صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسًا مع أصحابه، فجاءه رجل فأخبره عن رجل بشيء سيء ـ فقال صلى الله عليه وسلم : «دعوا لي أصحابي، دعوا لي أصحابي، إني أريد أن أخرج نقي الصدر لهم».

فإذا فسدت القلوب فسدت القوالب، وإذا أصبحنا نتهم الناس ونسيء الظن بهم، وندخل إلى النيات، فسدت أقوالنا وأفعالنا، فأحسنوا الظن ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً.

فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ارزقنا محبة نبينا صلى الله عليه وسلم واتباعه، اللهم إنا نسألك التمسك بسنته، اللهم لا تخالف بنا عن طريقته، اللهم احشرنا يوم القيامة تحت لواءه وفي زمرته، اللهم أوردنا حوضه،واسقنا منه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.