أشراط الساعة (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان (1)

الحمد الله الذي وفق العاملين لطاعته ، فوجدوا سعيهم مشكورا ، وحقق آمال الآملين برحمته ، فمنحهم عطاء موفورا ، وبسط بساط كرمه على التائبين فأصبح وزرهم مغفورا . وأسبل من نعمه على الطالبين وابلا غزيرا ، ولم تزل أبواب جوده للراغبين مفتوحة ، الواحد الذي من قصد غيره ضل ، العزيز الذي من اعتز بغيره ذل ، الكبير الذي من نازعه في كبريائه قصم وذل ، العظيم الذي تفرد بصفات الكمال وتعالى وجل ، الكريم الذي يعطي الفضل الجزيل على العمل القليل ، ويغطي بفضله الذنب الوبيل ، بالستر الجميل ، ويغفر الوزر الثقيل ، فيقبل ويقيل ، ويرى الخاضع الذليل ، في الليل الطويل ، ويسمع أنين المذنبين بالقلوب الحزينة ، وإذا وقف المتهجدون في جنح الظلام ، وتلذذوا بأطيب الكلام ، غفر لهم الآثام . واطلع على جرائمنا ، فلم يقطع فضله عنا ، وجاد ببره وكرمه على ما كان منا .

سبحانه من كريم أضحت رحالنا بباب كرمه مطروحة ، الذي عم جميع بريته برحمته وعطائه ، دعاهم فأجابوا ، ومكنهم فأنابوا ، ووعدهم فما ارتابوا .

فسبحان من وفق أقواما لخدمته ، و أفاض عليهم من كرامته ، فهجروا لذيذ المنام ، وأداموا لربهم الصيام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، فلو رأيتهم وقد سارت قوافلهم في حندس الظلام ، واحد يسأل العفو عن زلته ، وآخر يسأله التوفيق لطاعته ، وثالث يستعيذ به من عقوبته ، ورابع يرجو منه جميل مثوبته ، وهذا يشكوا إليه ما يجد من لوعته .

اللهم أغفر لنا كل قبيح سلف وكان . وأعتقنا في رمضان من لفحات الجحيم والنيران ، وأعنا على الخير يا من إذا استعين أعان .

أيها المسلمون : لقد أظلنا شهر كريم ، وموسم عظيم ، يعظم الله فيه الأجر ويجزل المواهب ، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب ، شهر الخيرات والبركات ، شهر المنح والهبات ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار .

قال عبد العزيز بن مروان : « كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر ، فسلمه لنا وسلمنا له ، وارزقنا صيامه وقيامه ، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط ، وأعذنا فيه من الفتن ».

وقال معلى بن الفضل : كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم . وقال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم « اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا »

• شهر رمضان : اشتهرت بفضله الأخبار ، وتواترت فيه الآثار :

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين » .

وإنما تفتح أبواب الجنة في هذا الشهر الكريم ، لكثرة الأعمال الصالحة وترغيبا للعاملين ، وتغلق أبواب النار لقلة المعاصي من أهل الإيمان وتصفد الشياطين فتغل فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره .

روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهم أمة من الأمم قبلها : خلوف فم الصائم أطيب عن الله من ريح المسك ، وتستغفر له الملائكة حتى يفطروا ، ويزين الله كل يوم جنته ويقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك ، وتصفد فيه مردة الشياطين ، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ، ويغفر لهم في آخر ليلة . قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر ، قال لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله »

بلوغ رمضان نعمة كبيرة على من بلغه ، وقام بحقه ، بالرجوع إلى ربه ، من معصيته إلى طاعته ، ومن الغفلة عنه إلى ذكره ، ومن البعد عنه إلى الإنابة إليه

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان

لقد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضا شهر عصيان

وتل القرآن وسبح فيه مجتهدا فإنه شهر تسبيح وقرآن

كم كنت تعرف ممن صام في سلف من بين أهل وجيران وإخوان

أفناهم الموت واستبقاك بعدهمو حيا فما أقرب القاصي من الداني

• ومن فضائل الصوم : أن الله كتبه على جميع الأمم وفرضه عليهم .

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ . ولولا أنه عبادة عظيمة لا غنى للخلق عن التعبد بها لله ، وعما يترتب عليها من ثواب ، ما فرضه الله على جميع الأمم .

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، 000000000

• ومن فضائل الصوم في رمضان : أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات .

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » .

يعني : إيمانا بالله ورضا بفريضة الصوم عليه واحتساب ثوابه وأجره ، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه . فيا من أسرف على نفسه بالذنوب ، هلم إلى رحمة علام الغيوب ، ويا من قصر في الطاعات ، تعرض إلى تلك النفحات ، يا من أثقلت كاهله الأوزار ، اغتنم الفرصة والبدار البدرا ، فربما لا تدرك غير هذا الشهر ، ولا تتكرر لك مثل هذه المناسبات .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، و رمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر »

• ومن فضائل الصوم : أن ثوابه لا يتقيد بعدد معين بل يعطي الصائم أجره بغير حساب . ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال الله تعالى : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخوف فم لصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه » .

• ومن فضائل الصوم : أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة . فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال : فيشفعان » .

فضائل الصوم لا تدرك حتى يقوم الصائم بآدابه فاجتهدوا في إتقان صيامكم وحفظ حدوده ، وتوبوا إلى ربكم من تقصيركم في ذلك . واغتنموا هذه المواسم بالطاعات ، فأبواب الخير كثيرة ، فصلاة التراويح ، والتهليل والتسبيح ، وقراءة القرآن ، والبذل و الإحسان ، والدعوة والبر ، وكف الأذى ودفع الشر ، طاعات وقربات ، وغيرها كثير ، فاجتهد يا رعاك الله ، وجاهد نفسك ، وسترى من الله ما يسرك .