دفاع عن الهيئات

بسم الله الرحمن الرحيم

دفاع عن الهيئات

إنَّ المحافظةَ على حُرمةِ الإسلام، وصونَ المجتمَع من أن تُخَلخِله البدع والخرافاتُ، والمعاصي والمخالفاتُ، وحمايتَه من أمواج الشرِّ الهائجةِ، وآثار الفِتن المائجة، وتحذيرَه مزالقَ السقوط، ودركات الهبوط، أصلٌ عظيم من أصولِ الشريعة، وركنٌ مَشيد من أركانها المنيعة، يتمثَّلُ في ولاية الحِسبة، وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تلك المهمَّة العظمى، والأمانة الكُبرى، التي هي حِفاظ المجتمعاتِ، وسِياج الآداب والكمالات، بها صلاحُ أمرِها، واستِتباب أمنِها، وقوَّة مِساكِها ومِلاكها، ما فُقِدت في قومٍ إلاّ زاغت عقائدُهم، وفسَدت أوضاعُهم، وتغيَّرت طِباعُهم، وما ضعُفت في مجتمعٍ إلا بدَت فيه مظاهر الانحلال، وفشت فيه بوادر الاختلال.

والأمّة حين تكون سائرةً على الجادَّة ، محكِّمةً شريعةَ الله، في التحقيق والتّطبيق، يكون من أوّل مهامِّها، إقامةُ ولايةِ الحِسبة، ورفعُ لوائِها، وإعلاء بنائها، وإعزاز أهلِها؛ يقول تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ .

أيّها المسلمون: إنّ المعاصيَ والمنكراتِ، هي الداءُ العُضال، والوباء القتَّال، الذي به خرابُ المجتمعات وهلاكُها، وإنّ التفريطَ في تغيير المنكرات ومكافحتها، من أعظمِ أسباب حلولِ العقاب، ونزول العذاب، فعن أمّ المؤمنين أمِّ الحكم زينبَ بنتِ جحش رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزِعًا وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويلٌ للعرَب من شرٍّ قد اقترَب، فُتِح اليومَ من رَدمِ يأجوجَ ومأجوجَ مثلُ هذه»، وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، فقلتُ: يا رسولَ الله، أنهلَك وفيها الصالحون؟! قال: «نعم، إذا كثُر الخبَث» متفق عليه ويقول عليه أفضل الصلاة وأزكى السّلام: «ما مِن قومٍ يُعمَل فيهم بالمعاصِي ثم يقدِرون على أن يُغيِّروا ثم لا يغيِّروا إلاّ ويوشك الله أن يعُمَّهم بعقاب» أخرجه أبو داود وغيره .

وكتَب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى بعض عُمّاله: "أمّا بعد: فإنّه لم يظهرِ المنكَر في قومٍ قطّ ثم لم يَنههم أهلُ الصّلاح بينهم إلاّ أصابهم الله بعذابٍ من عِنده أو بأيدي مَن يشاء من عباده، ولا يزال الناسُ معصومين من العقوبات والنّقمات ما قُمِع أهلُ الباطل واستُخفِيَ فيهم بالمحارم" .

عباد الله، إنّ المداهنة في الدين، وعدمَ التناهي بين المسلمين، من أعظمِ أسبابِ الطَّرد والإبعاد عن رحمةِ أرحمِ الراحمين، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ أوّلَ ما دخل النقصُ على بني إسرائيل كان الرجلَ يلقى الرجلَ فيقول: يا هذا اتّق الله ودَعْ ما تصنَع فإنّه لا يحلُّ لك، ثم يلقاه من الغدِ وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكونَ أكيلَه وشريبه وقعيده، فلمّا فعلوا ذلك ضربَ اللهُ قلوبَ بعضهم ببعض»، ثم قال: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ثم قال صلوات الله وسلامه عليه: «والله، لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر ولتأخذنَّ على يدِ الظالم ولتأطرُنَّه على الحقِّ أطرًا ولتقصُرنَّه على الحقِّ قصرًا أو ليضربنَّ الله بقلوبِ بعضكم على بعض، ثم ليلعننَّكم كما لعنهم» أخرجه أبو داود والترمذي

عباد الله: إنّ الطامَّةَ الكبرى، والمصيبةَ العظمى، أن تتوالى الفِتنُ على القلوبِ، ويزولَ خطَر المعاصي في النفوس، فيواقعُ الناسُ حدودَ الله، وينتهكون أوامرَه، ويصبحُ المعروفُ منكرًا والمنكرُ معروفًا، سئل حذيفةُ بن اليمان رضي الله عنه: من ميِّتُ الأحياء؟ فقال: "الذي لا ينكِر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه" .

أيها المسلمون: إنّ القيامَ بشعيرةِ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مهمَّة جسيمة ذاتُ أعباء، لا يقدر عليها إلا من اصطفاهم الله واختارهم، وهي مهمَّة الأنبياءِ والرسُلُ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، مهمَّةٌ تصطدِم بشهواتِ الناس ونزواتِهم وغرورهم وكبريائهم ، ولا بدَّ أن ينالَ القائمين بها شيءٌ من الاعتداء والأذى، فصبرًا صبرًا يا أهلَ الحِسبة، فقد أوذِي إمامُكم وقائدكم خاتَم الأنبياء وإمامُ الحفناء .

أيّها المسلمون: إنَّ إيذاءَ المصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو الاعتداءَ عليهم أو الطعنَ فيهم أو تضخيمَ أخطائهم وبَثَّ الإشاعات الكاذبة عنهم جُرمٌ عظيم وذَنب كبير، تصيبُ المرءَ مغبَّتُه ومعرّتُه ولو بَعد حين، يقول جلّ وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب» أخرجه للبخاري

أيّها المسلمون: مازال أعداءُ الدّين، يشنّون على أمّة الإسلام، حملاتٍ متلاحقةً، عبرَ وسائل ورسائل، لا يخفى مستواها، ولا يُجهَل فحواها ومحتواها، غرَضها زعزعةُ عقيدةِ الأمّة، وتدمير أخلاقياتها، وطمس هويَّتها، وتغييبُها عن رسالتها، فاحذَروا الانخداعَ بمقالات الجاهلين أو الانسياقَ وراءَ أكاذيبِ الحاقدين وما يدور على ألسنةِ المغرضين.

الخطبة الثانية :

عباد الله، ألا وإن من نعم الله علينا في بلادنا أن هيأ لنا حماة لسفينة البلاد، يدرؤون عنها العقاب بجهدهم وتفانيهم، إنهم ـ يا عباد الله ـ رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أولئك القوم الذين يسهرون ونحن نائمون ، يجاهدون للحفاظ على محارمنا وأعراضنا، ويصدون الباطل ويقاومون الفساد ويمنعون وقوع المنكرات، كم من جريمةٍ ضبطوها! وكم من مصانع للخمور أزالوها! كم من شقق للخنا والدعارة أغلقوها! كم من منحرف دلوه! وكم من عاص ستروه،! كم من فتاة أنقذوها! وكم من طفل استرجعوه إلى والديه!

عباد الله، وحتى تتضح مكانة هذه الطائفة ويُعلم فضلها وجهودها الجبارة في المحافظة على أمن المجتمع وسلامة أعراض الناس وأديانهم إليكم بعض الأرقام وهي لعام واحد فقط: أكثرُ من مائتين وثمانية وثلاثين ألف قضية تتعلق بالتخلف عن صلاة الجماعة والمتأخرين في إغلاق المحلات بعد الآذان وقضايا القمار والإفطار في نهار رمضان، أما القضايا الأخلاقية من معاكسات وخلوة واختطاف ونحوها فقد بلغ ما تم ضبطه من قبل رجال الهيئة أكثر من أحدى وأربعين ألف حالة خلال عام واحد فقط.

أيها المسلمون: عشرات المقالات تكدست للنيل من هذا الجهاز العظيم ولقد أجمع الضُّلال على حربها ، إنها حملة من الإفك جائرة، وطغمة من المقالات حائرة، جاءت بها عصبة من عشاق الفساد، ومتبعي الشهوات، وتولى كبرها أناس لا يضيرهم أن يمتطوا الكذب مركبا ما دام طريقا لتحقيق شهواتهم .

عباد الله: أرأيتم لو سألنا مدمنا للمخدرات عن رأيه في جهاز مكافحة المخدرات أتراه يثني عليه أم يكيل التهم جزافا وما ذاك إلا لأنه يحول بينه وبين ما يشتهي من سموم أرأيتم لو سألنا لصا له في السرقة سابقة عن جهاز الشرطة فبم سيجيب ؟ أتراه يمدح أم أن صوته سيبح من التشكي من ظلم رجال الشرطة وكبتهم لحريته الشخصية !أرأيتم لو سألنا مفحطا عن جهاز المرور، ما ظنكم بجوابه ! فهل يسأل أهل الشهوات ، وأهل المعاكسات والخلوات، وأصحاب الخمور وأهل الفجور، عن رجال الهيئات.

إن أعضاء الهيئة بشر كالبشر يصيبون ويخطؤون ووالله لإصلاحهم أجل وأسمى وما خطؤهم إلا كسيئة في محيط من الحسنات أو كشعرة سوداء في ظهر جواد أبيض ،ومن الغبن الظاهر أن نجعل النادر من الوقائع أصلا نبني عليه ونغيب الحقائق الباهرة والإنجازات الظاهرة لأولئك الرجال .