جريمة قتل الفرنسيين المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

جريمة قتل الفرنسيين المسلمين

فاتقوا الله عباد الله: فإنَّ تقواه أقوى عدّةٍ عند البلاء، وأمضَى مكيدةٍ عند البأساءَ والضرَّاء، واعلموا أنّ الدهرَ مشحونٌ بطوارقِ الغِيَر، مشوبٌ صَفوُ أيامِه بالكدَر، ولا محيصَ عن القدر المقدور، ولا رادَّ للأمر المسطور، ولا مانعَ للكتاب المزبور.

عباد الله: خرج (ت) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم : «من أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة». وفي (خ م) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : «قال لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار». وفيهما أيضا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض».

فإذا كان هذا في مجرد الإشارة بالسلاح، ومن تسبب في قتل هرة!!! فكيف بمن يقتل أنفساً معصومة؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عباد الله: لا تزال الأمور المفزعةُ، والفظائع المفجِعة، والجرائمُ المروِّعة، تمارَسُ باسم الدين، وترتكب باسم الجهاد ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ ولا شك أن هذا الإجرام يهتز له قلب كل مسلم، وهو من أشد الأمور مضاضة على النفوس، أن نرى مثل هذه الأعمال المشينة، على بلاد التوحيد، بلاد الخير والصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الأمور حصادها مر، وثمارها علقم، إن هذه الأعمال، تصد الأرواح، وتجتث الأنفس، وتورث الحسرة، وتوجب الندامة، وترهق الأمة، وتبدد المكاسب، وإنها من أشد العقبات في طريق الخير، والتقدم والدعوة والرقي، إن سنواتها عجافٌ شداد، يأكلن ما قدمه المسلمون من أعمال الخير، وما جمعوه من مكاسب الدعوة. فالإصلاح لا يكون بالإفساد أبدا، والبناء لا يكون بالهدم، وما أكبر الفرق، بين من يبني ومن يهدم، ومن ينفع ومن يضر، ومن يعمّر ومن يفجر، ومن يبشّر ومن ينفر، وما أكبر الفرق، بين من يصلح ومن يفسد، ومن يسعف ومن يتلف، ومن يسعد ومن يشقي.

عباد الله: إن قتل النفس المعصومة معظم في جميع الشرائع السابقة قال تعالى ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ وقال ﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً﴾ .

وقد حرم الله تعالى قتل النفس بغير حق فقال سبحانه ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ ، وعد صلى الله عليه وسلم قتل النفس التي حرم الله من السبع الموبقات.

وأما قتل المسلم فقد توعد عليه بأليم العقاب، وسوء المآب ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾. وعند (م) قال صلى الله عليه وسلم : «ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه».

وفي (خ م) عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا».

ومما يبين عظم شأن إراقة الدماء، أنها من أول ما يحاسب عليه العباد،وقال صلى الله عليه وسلم كما في (خ م): «أول ما يقضى بين الناس في الدماء» وقال صلى الله عليه وسلم كما في (خ): «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما» قال ابن عمر راوي الحديث: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله".

واستمع إلى ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم في قتل المعاهد كما في (خ) من حديث عبد الله بن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً».

قال ابن حجر: "والمراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم" أ. هـ

عباد الله: إنّ هذه البلادَ المباركة، هي موئلُ العقيدةِ، ومأرِزُ الإيمان، وجزيرةُ الإسلام، ومحَطُّ أنظار المسلمين، في جميع الأمصار والأقطار، ومهوَى أفئدةِ الحجَّاجَ والعُمَّار والزُّوار، وستظلُّ بحولِ الله بلدًا آمنًا مطمئنًّا، ساكنًا مستقرًا، متلاحمًا متراحمًا. وإن رغمت أنوف.

فاتقوا الله في أنفسكم لا تكونوا فريسة للشيطان، يجمع لكم بين خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واتقوا الله في الدماء المعصومة والأموال المحترمة، أفيقوا من سباتكم، وانتبهوا من غفلتكم، ولا تكونوا مطية للإفساد في الأرض.

أسأل الله تعالى أن يزيدنا اجتماعا وائتلافا وقوة، وأن يرفع للحق منارا، وأن يخمد للباطل نارا، إنه جواد كريم.

الخطبة الثانية:

عباد الله: إنه لا مخرج من تلك البلايا العظيمة، والدواهي الجسيمة، التي أحاطت بالأمة من كل جانب، إلا برجوع صادق إلى الكتاب والسنة، على فهم سلف الأمة، من أهل القرون المفضلة، فسبيلهم أقوم سبيل، فهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن، وهم خير من قام بالإسلام، فهماً وتعليما وتطبيقاً، وحسبهم أن زكاهم الله ورسوله، فلنمض في الطريق الذي مضوا فيه، وإن طالت الأزمان. تطبيق للتعاليم، وتنفيذ للأحكام،﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ ليس من الرعية فحسب، بل من الراعي والرعية، فإذا كان يجب على الراعي العدل في القضية، والقسمة بالسوية، فكذلك على الرعية، بذل السمع والطاعة في غير معصية، وعدم مفارقة للجماعة. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (خ،م) ابن مسعود «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ، قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم».

وخرج (م) من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، فميتته جاهلية، ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، فليس مني ولست منه».

وفيه أيضاً عن حذيفة مرفوعاً: «تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، وسيكون فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال: تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع».

قال عمرو بن العاص لابنه "يا بني احفظ عني ما أوصيك به: إمام عادل خير من مطر وابل، وأسد خطوم خير من إمام ظلوم، و إمام ظلوم خير من فتنة تدوم" .

وعن سماك بن الوليد الحنفي أنه لقي ابن عباس بالمدينة فقال ما تقول في سلاطين علينا، يظلموننا ويشتموننا، ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم ؟ قال ابن عباس: لا أعطهم يا حنفي ! يا حنفي الجماعة الجماعة إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها.

وسمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج، فقال: لا تفعل – رحمك الله – إنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات، أن تليكم القردة والخنازير. وقارنوا رحمكم الله: هذا بما حصل في العراق.

عباد الله: تباً لعبد لم يرض من الدين ما رضيه مولاه، وما أخسر صفقته يوم يقف بين يديه معرضاً عن هداه، ساء مثلاً القوم الذين تنكبوا الوسائل الشرعية، والطريق النبوية.

وإن سلوك الطرق المنحرفة، من أعظم وسائل إضعاف الأمة، وإنهاك قوتها، وإبادة جهودها، وذريعة للمتربصين بالدعوة لوئدها، والإجهاز عليها، وإلصاق التهم بها، فقد طعنوا في الهيئات، واتهموا المقررات، وقذفوا الصالحين بالموبقات. نسأل الله أن يكشف الغمة، ويزيل الكربة، ويهدي ضال المسلمين، وأن يصلح حالنا، ويثبت أمننا، ويكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن يرحمنا برحمته، ويتم علينا نعمة الأمن والإيمان.

ونسأل الله أن يعثرهم، ويسلط عليهم، ويمكن منهم، ونسأل الله أن يخيبهم، ويخيب أنصارهم، ونسأل الله أن يوفق ولاة الأمر للعثور عليهم، والانتقام منهم ومجازاتهم، على هذا الحدث الخبيث، وهذا الإجرام العظيم.

اللهم إنا نسألك أن تكشف الغمة، وتزيل الكربة، وتهدي ضال المسلمين، وأن تصلح حالنا، وتثبت أمننا، وتكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن ترحمنا برحمتك، وتتم علينا نعمة الأمن والإيمان.