أهمية صلاة الفجر

بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية صلاة الفجر

فإنَّ الصلاةَ من أظهرِ معالمِ الإسلام ، وأعظمِ شعائره، وأنفع ذخائره، ثانيةَ أركان الإسلام، ودعائمه العظام. هي بعد الشهادتين، آكَدُ مفروض، وأعظم معرُوض، وأجلُّ طاعةٍ، وأرجى بضاعة، من حفِظها حفِظ دينَه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيَع، هي عمودُ الدّيانة ورأسُ الأمانة، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة» .

هي أحسنُ ما قصده المرءُ في كلّ مهِمّ، وأولى ما قام به عند كلِّ خطبٍ مدلهِمّ، خضوعٌ وخشوع، وافتقار واضطرار، ودعاءٌ وثناء، وتحميد وتمجيد، وتذلُّل لله العليِّ الحميد، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم «إنَّ أحدَكم إذا كان في الصلاة فإنّه يناجي ربّه» متفق عليه

أيها المسلمون: الصلاةُ هي أكبرُ وسائل حِفظِ الأمن والقضاء على الجريمة، وأنجعُ وسائل التربية، على العِفّة والفضيلة ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ .

هي سرُّ النجاح، وأصلُ الفلاح، وأوّلُ ما يحاسب به العبدُ يومَ القيامة، نفحاتٌ ورحمات، وهِبات وبركات، بها تَكفَّر السيئات، وترفَع الدرجات، وتضاعَف الحسنات، يقول صلى الله عليه وسلم «أرأيتم لو أنَّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كلَّ يوم خمسَ مرّات، هل يبقى من درنه شيء؟! قالوا: لا يبقى من درنه، قال: فذلك مَثَل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهنّ الخطايا» متفق عليه

الصلاة عبادةٌ تشرِق بالأملِ في لُجّة الظلُمات، وتنقذ المتردّي في دَرب الضلالات، وتأخذ بيد البائِس من قَعر بؤسه، واليائس من دَرك يأسِه، إلى طريق النجاة والحياة ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ .

أيّها المسلمون: إنّ ممّا يندَى له الجبين، ويجعل القلبَ مكدَّرا حزينًا، ما فشا بين كثيرٍ من المسلمين، من سوءِ صنيع، وتفريطٍ وتضييع، لهذه الصلاةِ العظيمة، فمنهم التاركُ لها بالكلّيّة، ومنهم من يصلّي بعضًا ويترك البقيّة. لقد خفّ في هذا الزمانِ ميزانها، وعظُم هُجرانها، وقلّ أهلُها، وكثُر مهمِلُها، يقول الزهري رحمه الله تعالى: دخلتُ على أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه بدمشقَ وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرفُ شيئًا مما أدركتُ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاةُ قد ضُيِّعت. أخرجه البخاري.

عباد الله: إنَّ من أكبر الكبائر، وأبين الجرائر، تركَ الصلاة تعمُّدًا، وإخراجَها عن وقتها كسَلاً وتهاوُنًا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقَد كفر» أخرجه أحمد، ويقول عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل والكفر ـ أو الشرك ـ تركُ الصلاة» أخرجه مسلم.

إنّ التفريطَ في أمر الصلاة من أعظم أسبابِ البلاء والشقاء، ضَنكٌ دنيويّ وعذاب برزخي، وعِقاب أخرويّ ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ﴾ .

فيا عبد الله: كيفَ تهون عليك صلاتُك وهي رأسُ مالك،وبها يصحّ إيمانك؟! كيف تهون عليك، وأنت تقرأ الوعيدَ الشديدَ ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ كيف تتّصف بصفةٍ من صفات المنافقين ﴿إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً

أيّها المسلمون: جاءت الأدلّة الشرعيةُ،الصحيحة الصريحة،ساطعةً ناصعة، متكاثرةً متضافرة، على وجوب صلاة الجماعة على الرجال حَضرًا وسفرًا، يقول جل وعلا ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ .

واشتدّ غضبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المتخلِّفين عن جماعةِ المسلمين، فقال عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: «لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثمّ آمر رجلاً يصلِّي بالناس، ثمّ أنطلِق معي برجال معهم حُزَم من حَطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار» متفق عليه، ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: "لأن تمتلئ أذُنا ابنِ آدم رصاصًا مُذابًا خيرٌ له من أن يسمعَ النداء ولا يجيب"

أيّها المسلمون: لقد كثُر المتخلِّفون في زمانِنا هذا عن صلاةِ الجماعة في المساجد، رجالٌ قادرون أقوياء يسمَعون النداءَ صباحَ مساء، فلا يجيبون ولا هم يذّكَّرون. ألسنتُهم لاغية، وقلوبهم لاهِية، رانَ عليها كسبُها، وضلّ في الحياة الدنيا سعيُها، قد انهمكوا في غوايتهم، وتغوّلوا في عمايتهم. التحفوا بسُبَّة الدهر، وتجلَّلوا بأخبث سَوأة وأشرّ، شُغِلوا عن الصلاة، بتثمير كسبهم، ولهوهم ولعِبهم، ولو كانوا يجِدون من الصلاة في المساجد كسبًا دنيويًّا، ولو حقيرًا دنِيًّا، لرأيتم إليها مسرعين، ولندائها مذعِنين مُهطِعين، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدُهم أنّه يجد عرقًا سمينًا أو مِرماتين حسنتين لشهِد العِشاء» متفق عليه. فاللهم ..............

الخطبة الثانية

عبد الله : يا من اعتدتَ التخلفَ عن صلاة الجماعة، استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر» أخرجه ابن ماجه وأحمد

يا من في قلبه خوف من الله ،لتعلم أن التخلف عن الصلاة ،ظاهرة سيئة، وبادرة خطيرة، تنذر بالعقوبة، وتبعث على الخوف، وتستدعي النصح والإرشاد، وتوجب بذل الأسباب المعينة لتلافيه، وتعاطي العلاج قبل أن يستفحلَ المرض، ويعظم الداء، ويعز الدواء.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا» متفق عليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه» متفق عليه،

عبد الله: كيف تهنأ بالنوم، والناس في المساجد، مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الإله يستمعون، وفي ربيع جنانه يتقلبون؟! إن من آثر لذة الوسادة، على العبادة، حريّ بالخسارة، ومحروم من سلوك طريق السعادة.

عباد الله: إن للتخلف أسبابًا لا تخفى على ذي لب، فالسهر الطويل، والعكوف على أجهزة اللهو، والاجتماعات الليلية، من أعظم أسباب النوم عن هذه الصلاة العظيمة.

فاحرصوا ـ عباد الله ـ على النوم المبكر كما كان هديه صلى الله عليه وسلم فإنه لا يسهر بعد العشاء إلا لما ترجحت مصلحته. والسهر بعد العشاء إن كان سببًا في النوم عن صلاة الفجر فهو محرم، فما أوصل إلى الحرام فهو حرام، ولتحرصوا على آداب النوم، والأدعية المأثورة، قبل النوم وبعده، واستعينوا بعد الاستعانة بالله بالمنبهات والأهل والجيران، وبادروا بالاستيقاظ إذا أوقظتم، واعمروا قلوبكم بالإيمان، وأكثروا من صالح الأعمال، وتجنبوا فضول الكلام، والطعام والشراب، والنظر والسماع، فإنها من أهم أسباب قسوة القلب. والمعاصي داء قتال، ما تخلف المتخلفون عن الصلاة إلا بسبب الذنوب، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.

معاشر الآباء: يامن تشهدون صلاة الفجر مع الجماعة أسأل الله أن تكونوا ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» يا هؤلاء يامن تتركون أولادكم في فرشهم يتقلبون، اعلموا أنكم عنهم مسؤولون، وعليهم محاسبون، تدعون بأنكم عن إيقاظهم تعجزون، لكنكم إلى المدارس تستطيعون، أسألكم بالله العظيم، أرأيتم لو أن الدراسة قبل الفجر، فهل ستوقظونهم أم أنكم ستتركونهم نائمون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فاتقوا الله عباد الله، وحاسبوا أنفسكم على التقصير، وبادروا آجالكم بالصالح من أعمالكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم، واعلموا أن الأجل مستور، والأمل خادع، والشيطان موكل بكم، يزيّن لكم المعصية لتردوها، ويمنيكم بالتوبة لتسوّفوها، حتى تهجم على الواحد منا منيته أغفلَ ما يكون عنها، فيا لها من حسرة على ذي غفلة أن يكون عمره عليه وبالا أو تؤديه أيامه إلى شقوة.