المواطنة واستنكار أعمال الإرهاب

بسم الله الرحمن الرحيم

المواطنة واستنكار أعمال الإرهاب

الحمد لله شرح صدور أوليائه للإيمان والهدى، وطبع على قلوب أقوام فلا تعي الحق أبداً، من يهدِ الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد:

عباد الله: بعد أن بذلت قريش كل ما في وسعها من قوة وحيلة، في إطفاء أنوار الدعوة المحمدية، وباءت بخيبة مريرة، حولت ذلك إلى نقمة على المستضعفين من المؤمنين، ولقد استفحل إيذاؤهم للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لغضبهم منه حين أظهر شعائر دينه، فقد خنقه عقبة بن أبي معيط خنقاً شديداً، ووُضع سلا الجزور بين كتفيه وهو ساجد، وشج وجهه وكسرت رباعيته، وضربوه حتى غُشي عليه، وشُق قميصه، وتفل في وجهه صلى الله عليه وسلم ، وسبوه وشتموه، وهمزوه ولمزوه، وقالوا: ساحر، وشاعر، وكذاب.

ونال أبو بكر رضي الله عنه ، نصيبه من الأذى، فضربه المشركون ضربا شديدا، بالنعل على وجهه، حتى ما يعرف وجهه من أنفه. وضُرب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لجهره بالقرآن بمكة. وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه : كان يعذب بإلقائه في الرمضاء على وجهه وظهره، وتوضع الصخرة العظيمة على صدره، إذا حميت الشمس وقت الظهيرة. وأما عمار وأمه سمية، وأبوه ياسر رضي الله عنه : فقد كانوا يُخرجونهم إلى الأبطح، إذا اشتدت الرمضاء، ويعذبونهم، فيمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: «صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة». ومات ياسر رضي الله عنه تحت العذاب، وأما سمية فقد أَغلظت القول لأبي جهل، فطعنها بحربة في قبلها، فماتت شهيدة، وكانت أول شهيدة في الإسلام. وأما خباب بن الأرت رضي الله عنه فقد عذبه المشركون عذاباً شديداً، إذ كانوا يلصقون ظهره بالرمضاء، ثم بالحجارة المحماة بالنار.

عباد الله: علمتم ماذا فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده من الإيذاء، ومع ذلك لم يرد عن أحد منهم أنه لجأ للعنف، لا التدمير والتخريب، ولا الغدر والاغتيالات، ولا ذهب أحد وقتل أبا جهل، ولم نسمع عن أحد أنه كسر الأصنام، أو فكر أن يحرق دار الندوة التي يجتمع فيها كفار قريش؟ أو يحرق دار أبي لهب، أو أبي جهل؟ فيستريحون من أئمة الكفر في زمانهم، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، كيف وهو القائل صلى الله عليه وسلم : «لا غدر في الإسلام» كيف وقد قال له ربه: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ أي فانبذ إليهم عهدهم حتى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد على حد سواء، فلا تأخذهم على غرة، وهذا مع أن مجتمع قريش كافر لا يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً! فكيف بالمجتمع الذي يرفع راية التوحيد، وقام على أساسها.

فالإسلام يؤكد على الحماية للمدنيين، ممن ليسوا أهلاً للقتال، وليسوا في حال قتال. فيا من يدعي أنه على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم ، اعلم أن الأعمال التخريبية، والتفجيرات الانتحارية، ليست من منهاج النبوة، ولا من أخلاقيات المسلمين، فضلاً أن تنسب لمنهج رسول رب العالمين.

عباد الله: وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبدأت الحروب بينه وبين قريش، كان لا يزال بعض المسلمين في مكة لم يهاجروا، فهل استخدمهم النبي صلى الله عليه وسلم في صراعه مع قريش؟ هل قام أحد منهم بعمل مسلح ضد قريش ؟ مع قيام الحرب على الإسلام، هل طلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينشروا القلاقل والرعب والترويع في مكة، هل طلب منهم أن يحدثوا مشكلة داخل المجتمع المكي ؟ هل أوعز إلى أحدهم بتدمير بيوتهم، أو قتل قادتهم، أو إتلاف أموالهم أو تدمير اقتصادهم؟

ومن جهة أخرى: لما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة كمواطنين، لهم حقوق وعليهم واجبات، لم يحاربهم إلا عندما نقضوا العهد، ولم يلتزموا، فكما أن المسلمين في مكة لم يحدثوا في  المجتمع المكي، فاليهود الذين في المدينة، لا بد أن يلتزموا بقيم المجتمع فيها، فلما خالفوا، جوزوا وعوقبوا، وهذا عين العدل.

عباد الله: إن من أعظم مظاهر محبة النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه وتوقيره، وطاعته والاقتداء به، فأين من يدعي محبته وطاعته من الفئة الضالة، التي تفسد ولا تصلح، تدمر ولا تعمر، تهدم ولا تبني.

عباد الله: إن بيان حرمة مثل هذا العمل، مطلب شرعي، يسعى إلى تحقيقه المصلحون، فضرر هذه الأعمال ظاهر، وكثير من حقائق الدين ومسلماته، تحتاج اليوم إلى بيان وتأكيد، وتعاهد المرة بعد المرة، فإذا كان هذا تعامله صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، فلماذا يتعامل البعض بالقتل والإساءة لمن هم مسلمون أصلاً، وفي بلد هو معقل الإسلام، ويدين أهله بالإسلام، فهذه الأعمال، لا شك أنها لا تمت إلى دين الإسلام بصلة، وإنما هي تجر بلاد المسلمين إلى فتن لا يفرح بها صديق، ولا يستفيد منها إلا العدو، وإن من علامات الفتن: أن يُقتل المرء لا يدري فيم قُتل، ولا القاتل فيم َقتل،أسال الله أن يعصم دماء المسلمين،ويرد كيد الحاقدين .

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أنعم به من حماية الدين والنفس، والمال والعرض.

.عباد الله: كون الإسلام ومجتمعات المسلمين تتعرض للأذى والشر، والكيد والمكر، والإفساد والتخريب، من أعداء الإسلام والمسلمين، من اليهود والنصارى والملحدين، فهذا أمر غير مستغرب ولا مستنكر، فقد قال جل وعلا  ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ مِّنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾ وإذا كان الله جل وعلا قد جعل لأنبيائه أعداء، فكذلك أتباعهم على دينهم، لا سيما النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، لكن يا عباد الله: ليس شيء أشد على المسلمين، من أن يروا عدوا لهم، في لباس الإخوة، لا بد من مصادقته، كما قيل:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى *** عدوا له ما من صداقته بد

وليس شيء أمر عليهم، من أن يظنوا في إخوان لهم من بني جلدتهم، ويتكلمون بلغتهم، ويعيشون بينهم، أن يكونوا دروعاً لهم، ولمجتمعهم من الأعادي، وسهاما موجهة إلى مريدي الفساد والشر بهم وبمجتمعهم، فيظهر ظنهم في غير محله، وتخرج حساباتهم خاطئة، فيكونون كما قال القائل:

وإخوانٍ حسبتهم دروعــاً *** فكانوهـا ولكن للأعادي

وخلتهم سهامـا صــائبات *** فكانوها ولكن في فؤادي  

وقالوا قد صفت منا قلوب *** لقد صدقوا ولكن عن وداد

من أجل هذا عباد الله: يجب علينا الحذر من مثل هؤلاء، وأن لا تنطلي علينا شبههم ودعاويهم الخبيثة، التي ظاهرها الخير، وباطنها الشر والسوء والفساد، إن بلدكم هذا مغزو من أعداء الدين وأدعيائه، غزوا شديدا خبيثا، لا يريدون له الاستقرار ولا الأمن، ولا يبغون له الصلاح والهدى.

لكنه الحسد الكبير الذي قام بقلوبهم، لهذه البلاد المباركة، التي قامت على التوحيد، وتحكيم الكتاب العزيز، حتى عم الأمن أرجاءها، وساد الاستقرار نواحيها، فكانت مضرب المثل في الأمن والاستقرار، ولكن يأبى أعداء الدين وأدعياؤه، إلا أن يسعوا إلى إفساد هذا المجتمع وتخريبه، والنيل منه حسداً من عند أنفسهم، وذلك من خلال وسائلَ كثيرة، وطرق متعددة.

فعلينا التضرع إلى الله بالدعاء الصادق الخالص، أن يحمي بلادنا خاصة، وبلاد المسلمين عامة، من شر أعداء الدين وأدعيائه، وأن يجعل كيدهم ومكرهم وبالاً عليهم، وأن لا يبلغهم ما أرادوا وما أملوا، وأن يعثرهم، ويخيب مساعيهم، ويكشف مخططاتهم، ويعين رجال الأمن عليهم، وأن يحمينا من شرهم، ويعيذنا من مكرهم وفسادهم، وأن يحفظنا ويحفظ ديننا وبلادنا وأمننا من كيدهم وشرهم، وأن يديم علينا أمن هذه البلاد واستقرارها، وأن يطهرها من الفساد والمفسدين، إنه جواد كريم.