المحاولة الثانية لتفجير مصفاة بقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

المحاولة الثانية لتفجير مصفاة بقيق

أرى فتنة هاجت وباضت وفرخت *** ولو تركت طارت إليها فراخها

عباد الله: الكلمات تتلعثم، والعبارات تتضاءل، أمام التعبير عن هذه الفاجعة، وهذه الكارثة، من سلسلة الإجرام والكوارث، التي تتعرض لها هذه البلاد الآمنة المطمئنة، ولا تزال الأمور المفزعةُ، والفظائع المفجِعة، والجرائمُ المروِّعة، تمارَسُ باسم الدين، وترتكب باسم الجهاد ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ .

عباد الله: خرج علينا تنظيم القاعدة المشبوه، بأول عملية نوعية، اهتزت لها أركان الدنيا، هدموا برجين في دولة الكفر والإلحاد، طرب لها كثير من الناس، وتباشر بها كثير من العباد، متشفين بما أصاب العدو من جراح، فرحين بما دهاهم من مصاب، فكثر المؤيدون لهذا العمل، الذي ظن فيه البعض، الخلاص من هذا العدو الجاثم على صدر الأمة، ظن فيه البعض كسر شوكتهم، وطأطأة رؤوسهم، فعظم عند الناس مكان قائد العملية ومدبرها، واعتبروه مخلص الأمة من الذل والعار، اعتبروه صلاح الدين زمانه، ولأن الفتنة إذا أقبلت عرفها العلماء فقط، وإذا أدبرت علمها كل الناس، فقد بدأت الأمور تتكشف والحقائق تظهر، والمخططات تنكشف، والأهداف تتضح، فكان من نتاج ذلك مسح أفغانستان، والقضاء على العراق، ولازال بعض محسني الظن، ينتظرون ضربات المخلص الموجعة، ووعوده الكاذبة، بمسح أمريكا من الوجود، لكنه نقل حربه في بلادنا، ووجه أتباعه لخلخلة أمننا، محتجا بقوله  «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، فبدؤوا بتفجير المجمعات السكنية، التي يقطنها الغربيون، وربما راح ضحية ذلك بعض المسلمين، ولا بأس عندهم في ذلك، فهم بهم متترسون، فاقتنع بوجهة نظرهم بعض الناس، وسكت عن باطلهم وشنيع فعلهم بعض طلاب العلم، مبررين ذلك بحسن نواياهم، وأنهم إنما أرادوا إعلاء كلمة الله، تطورت عملياتهم، فأخذوا يقتلون رجال الأمن، وحجتهم نحن لا نقصدهم، لكنهم يحولون بيننا وبين أعداءنا، فلابد من الخلاص منهم، ولازال بعض من الناس تنطلي عليه حججهم، ولم يبن له عوارهم، مع تحذير العلماء الراسخين من سوء عملهم، وشنيع صنعهم، حتى جاء تفجير مبنى الأمن العام، وتلاه محاولتهم في مبنى وزارة الداخلية، فبانت للعقلاء الأمور، واتضحت للمتجردين الحقائق، عرفوا أن هدفهم ليس إخراج المشركين من جزيرة العرب، عرفوا أنهم مطية للأعداء، وصنيعة للكفار، يحققون أهدافهم، وينفذون مخططاتهم، ارتفعت رؤوس بني علمان، وتحققت أحلام الرافضة، وعلت أصواتهم، أغلقت الجمعيات الخيرية، اتهمت كثير من المراكز الإسلامية بدعم العنف والإرهاب، لطخوا سمعة الجهاد، شوهوا صورة ذروة سنام الإسلام، زعزعوا الأمن، وروعوا العباد، وأفسدوا في البلاد، قتلوا المستأمنين، وثنوا برجال الأمن، وثلثوا بأبرياء المسلمين، نهبوا وسرقوا، خطفوا ونحروا، أخافوا واغتصبوا، كل ذلك باسم الجهاد.

وقبل فترة من الزمن، يخرج زعيمهم المخلص من أحد كهوفه، إن صح أنه في الكهوف، خرج في إحدى القنوات الفضائية، بتسجيل يكفر فيه ولاة أمر المسلمين وعلماءهم، ويدعوا أتباعه لتفجير المنشآت النفطية، فهي عصب الحياة، ومصدر الرزق بعد الله لهذه البلاد، فاستجاب أتباعه كالعادة للنداء، وهبوا لتنفيذ الوصية، وقصدوا أكبر منشأة للنفط في هذه البلاد، لتكون الضربة أوجع، والمصاب أفضع، ولسان حالهم: أخرجوا مصافي البترول من جزيرة العرب، لابد أن يموت أهل هذه البلاد جوعا، لكي تخلو لهم جزيرة العرب، فهم وحدهم المسلمون، وأتباعهم هم الراشدون، وما عداهم فهم كفار مارقون، وعن الصراط ناكبون، لكن الله كان لعملهم بالمرصاد، فأفسد تدبيرهم، وأضل سعيهم، وأفسد كيدهم.

عباد الله: وإذا كنا في زمن تعاقدت فيه قوى الباطل، وتكالبت فيه عناصر الشر، واتفقت على إزهاق الحق، وشن الغارة على أهله، لإفساد دينهم، وتدمير اقتصادهم، وتخريب بلادهم، فكان من نتائج هذا المكر المبيت، والكيد المنظم، هذا العدوان الغاشم، وما كان سيرتكب فيه من فظيع الجرائم، لو تم لهم ما يتمنون. من المستفيد من تخريبهم وتدميرهم، إنهم اليهود والأمريكيون، إنهم الرافضة والعلمانيون، إنهم الصوفية المخرفون، يزعمون إخراج المشركين من جزيرة العرب، وهم بصنيعهم كاذبون، فلو احترقت معامل البترول، فالذي سيعيد بنائها من أموالنا، هم الكفار الذي يزعمون أنهم يجاهدون لإخراجهم. سيأتي الكافر هذه المرة بأضعاف أعداده، ليبني ما دمروا، ويصلح ما أفسدوا، ويطفأ ما أحرقوا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: إن المسلمين اليوم في هذا الجزء من العالم، أمام فتن عمياء، وشدائد مظلمة، ليس لها من دون الله دافع أو مجير، فنسأله بعزته وقدرته، وجبروته وقهره، أن يصرف شررها، وأن يدفع خطرها، وأن يهلك بها من أثارها، فإنه سبحانه على كل شيء قدير، يقول للشيء كن فيكون، وهو سبحانه لطيف بعباده، يرزق من يشاء وهو القوي العزيز.

إنها يا عباد الله: شدائد عظيمة، وحوادث أليمة، ولكن سيجعل الله بلطفه ورحمته، عواقبها إلى خير للإسلام وأهله، وسيأتي الله بالفتح أو أمر من عنده، فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

عباد الله: إن من الظواهر الخطيرة، والمنكرات الكبيرة، التي تنم عن الجهل بدين الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وركون إلى الذين ظلموا من شرار الخلق، بأن يتفوه بعض المفتونين في هذا الزمان، وفي مهبط الوحي ومأرز الإيمان، بتكفير الحكام، والسخرية من الأئمة الأعلام، والتشكيك فيما هم عليه من الحق المبين.

فينبغي للمؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يرضى سبيلهم، وأن لا يسكت عنهم، تالله لقد آذوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعباده الصالحين ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ ويا ويح من يؤيدهم أو يجادل عنهم ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) هَاأَنتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ .

عباد الله: إن هذه الفتن قد نسجت حلقاتها، وأحكمت خططها، من قبل أعداء الله ورسله، أتباع الشيطان في الإفساد، وإشاعة الفساد، والجد وبذل الوسع في إضلال العباد. ولقد أشعل نار هذه الفتنة، وأطار شررها في الآفاق، فئة طاغية، وشرذمة باغية، اشتهرت بأشنع المآثم، وارتكاب أفظع الجرائم، زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، فارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، فسوف يعلمون، حيث اشتروا الضلالة بالهدى، فبئس ما يشترون، قد ظلموا والله أنفسهم وأهليهم وبني جلدتهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، رضوا لأنفسهم بالهوان، إذ صاروا جنداً للشيطان ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾.

زينت لهم أهواؤهم البغي والفساد، وقرروا أن ينشروه بين العباد، فنقضوا العهود، وسعوا في الأرض مفسدين، إذ روعوا الآمنين، وشردوا المطمئنين، واستباحوا الحرمات، وانتهكوا المحرمات، ونشروا الجاهليات، وبرروا لأنفسهم بالشبهات، والحجج الداحضات ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ﴾ .

عباد الله: حقا إن واجب الشكر عليكم أعظم منه على غيركم، لقد كادت النعم أن تفر من بينكم، فحفظها الله وقيدها، وهمت بكم الأعادي من جميع النواحي فصدها، وها أنتم ترفلون في أثواب العافية الواسعة، وتتوالى عليكم من الله في كل آن المنح المتوافرة، والمنن المتكاثرة، فاشكروا نعم الله السابغة، واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كشف لكم غائلة من يظهر لكم الصداقة، وجلّى لكم حماقات أولي الحماقة، وصرف عنكم مكر الظالمين، وصد عنكم كيد المفسدين، فوالله لقد كان سيحصل بنا عظيم البلاء، وشديد البأساء والضراء، فلطف الله بنا سبحانه، فأمننا وصرف عنا وحفظ علينا نعمنا.

فاللهم لك الحمد ملء السماوات ...

اللهم إنا نسألك أن تكشف الغمة، وتزيل الكربة، وتهدي ضال المسلمين، وأن تصلح حالنا، وتثبت أمننا، وتكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن ترحمنا برحمتك، وتتم علينا نعمة الأمن والإيمان.، ونسألك اللهم أن تعثرهم، وتسلط عليهم، وتمكن منهم، وأن تخيبهم، وتخيب أنصارهم، وأن توفق ولاة الأمر للعثور عليهم، والانتقام منهم ومجازاتهم، على هذا الحدث الخبيث، وهذا الإجرام العظيم.