الحذر من السفر إلى بلد الكفر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحذر من السفر إلى بلد الكفر

عباد الله: اخشوا ربكم واتقوه، وخافوه فلا تعصوه، واذكروا نعمه عليكم واشكروه.

عباد الله: إن الله تعالى قد خص أمة محمد صلى الله عليه وسلم بنعم كثيرة، ومزايا فريدة كريمة، فأكمل لها دينها، وأتم عليها نعمته، ورضي لها الإسلام دينا، وسماهم المسلمين، وخصها بمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين، وأنزل عليه القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب، ومهيمنا عليه وتبيانا لكل شيء، وحفظه من الباطل فلا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه، وجعله هدىً ورحمة وبشرى للمسلمين.

وجعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، وجعلها أمة وسطاً شهيدة على الناس في الدنيا والآخرة، بما جاءها من ربها سبحانه على لسان نبيها صلى الله عليه وسلم ، تشهد على تبليغ الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لأممهم رسالات الله ونصحهم لها، وكما أن هذه الأمة خير الأمم في الدنيا، فهي خيرها وأكرمها على الله عز وجل يوم القيامة، وهي أول من يجوز الصراط ويدخل الجنة، وهي أكثر أهل الجنة، إذ تبلغ النصف وتزيد، بل يرجى أن يكونوا ثلثي أهلها، فالحمد لله على جزيل عطائه، وسابغ نعمائه.

عباد الله: إننا أهل هذه البلاد قد خصنا الله تعالى بفضل منه ومنة، من بين سائر مجتمعات الأرض في الجملة، بنعم عظيمة، ظاهرة وباطنة، وحلل من الرخاء والعطاء سابغة: معتقد صحيح، وعمل صالح، وسلوك قويم، وصحة في الأبدان، وأمن في الأوطان، ووفرة في الأرزاق، وولاية نحسبها والله حسيبها لا تألوا جهدا في تحقيق ما فيه خيرنا وصلاحنا في العاجل والآجل، والمعصوم من عصمه الله، والموفق من وفقه الله، والسعيد من تاجر بنعم الله مع الله ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾، فاغتنموا نعم الله فيما يقرب إليه، وسارعوا بها إلى ما يرضيه.

عباد الله: إذا كانت الحال كما وصفت، والنعم ما إلى جلها أشرت، فما بال أقوام إذا سنحت لهم الفرص، وتهيأت لهم النقلة، فروا من بلاد النعم، إلى مواطن النقم، بأنفسهم ومحارمهم وأموالهم؟! وربما أرسلوا سفهاءهم وغير ذوي الرشد منهم ! يخرجون من بلاد التوحيد التي يعلو فيها الأذان، وتقام الجمعة والجماعة، ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وتقام فيها الحدود والتعزيرات، ويدعى فيها إلى الخيرات في الجملة، ولم يظهر فيها بحمد الله الزنا، ولم تعلن فيها الخمور، فيخرجون من هذه البلاد الآمنة المطمئنة، إلى بلاد يُحكم فيها بالطاغوت، ويعلن فيها الزنا، وتشرب فيها الخمور، ويخفى فيها الأذان، ويشاد فيها بالإلحاد، وينصر الكفر، ويهضم الحق، بلاد تموج بالفساد وشر العباد، من شتى ملل الكفر، وأصناف أنواع الظلم، وأبشع صور الفجور والإجرام، حتى يَعُز فيها أن يسمع الرجل من يقول ربي الله، ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ﴾.

عباد الله: إن هذا الصنف من الناس، قد خاطر بعقيدته، واستهان بحرماته، وفرط بدنياه وآخرته، وحقيقة أمره أنه ما نقم إلا أن أغناه الله من فضله ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ﴿فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ كيف يسافر المرء بدون ضرورة إلى بلاد من وصف الله ذوي الشأن فيها بقوله سبحانه ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ وقوله ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ وقوله ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وقوله تبارك اسمه ﴿لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وقوله ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ .

كيف يلقي مؤمن عاقل بنفسه في بلاد هذا شأن أهلها مع المسلمين؟! ويطمع بالسلامة من ضرر المقام فيها عليه في الدين ؟!

كيف يبقى بمحارمه، والمراهقين من أبنائه، في مواطن قد أشرعت فيها مواخير الزنا، وأترعت فيها حانات الخمور، وقد ألف أهلها العري وتربوا على الفجور؟! ولكن حقاً ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ﴾ .

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عبد الله: هذه كليمات من القلب، ونداء محب، ودعاء مشفق، ورجاء صادق، اتق الله،،، اتق الله في نفسك، فألزمها بما يرضي الله، اتق الله في أهلك، فكن عند حسن ظنهم، اتق الله في أبنائك، فإن صلاحك صلاح لهم، وطاعتك صيانة لهم، اتق الله في وقتك، فلا تصرفه في اللهو والعبث والضياع، اتق الله في مالك، فلا تنفقه في الحرام، ولا تضيعه في الضلال.

عبد الله: إلى أين تسافر، ولماذا تسافر؟ هل أنت مسافر في طاعة؟ أم راحل إلى معصية؟ فإن كان سفرك في طاعة لله، بعيدا عما يسخط الله، فالحمد لله وعلى بركة الله، وإن كان سفرك في معصية الله، وفي غير طاعته ورضاه، فاتق الله، واستح من الله، فإنه ينظر إليك، ومطلع عليك ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ ألا تستحي منه وقد خلقك ورزقك، وأطعمك وكساك، وأعطاك وأغناك، منحك السمع والبصر، والفؤاد والجوارح، وجعلك في أحسن تقويم، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «ألا تستحون من الله حق الحياء، فقالوا يا رسول الله: إنا نستحيي والحمد لله. قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».

عباد الله: إن الذين يسافرون إلى بلد الشرك بأنفسهم أو بأهليهم، أو يأذنون لأحد منهم بذلك، دون حاجة شرعية، أو ضرورة حتمية، لا شك أنهم قد غيروا ما بأنفسهم، فيوشك الله أن يغير عليهم نعمته، وقد زاغوا عن أمر الله، فيوشك الله أن يُزيغ قلوبهم، قال الله ﴿وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ .

ولا شك أن هؤلاء قد ظلموا أنفسهم، فماذا لو جاء أحدهم الموت فتوفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم بالإقامة في بلد الشرك والكفر، قالوا فيم كنتم؟ أي في أي بلد؟ وفي أي مجتمع؟ فهؤلاء على خطر من تتمة الآية ﴿فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ .

ولقد تبرأ نبينا صلى الله عليه وسلم من مسلم يقيم بين المشركين فقال صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا تراءى ناراهما» وقال صلى الله عليه وسلم : «من جامع المشرك – أي اجتمع به – وساكنه فهو مثله».

فاتقوا الله عباد الله و ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ﴾ ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾ ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ .