المبادرة بالحج

بسم الله الرحمن الرحيم

المبادرة بالحج

عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وحجوا بيته الحرام وعظموه، واتخذوا الشيطان عدواً وأغيظوه، بالمسارعة إلى الخيرات، والتوبة إلى الله من الزلات، وذكر الله سبحانه في سائر الأوقات، والوقوف – إذا تيسر مع الحجيج في عرفات، فقد صح عن جابر عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذات كان يوم عرفة أن الله ينزل»

عباد الله: إن على المسلم أن يبادر في أداء ركن الحج وعدم التأخير والتسويف،يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» ومعنى: «ما يعرض له» ما يجدّ من أمور تحول دون تأدية فريضة الحج،ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «من أراد الحج فليتعجل،فإنه قد يمرض المريض،وتضل الراحلة،وتعرض الحاجة» والمراد: أي ربما سيكون مريضاً،أو تتعطل المواصلات وتنقطع الطرق،أو تطرأ أمور لم تكن في الحسبان فتحول دون أداء هذه الفريضة. فنقول للذين يتكاسلون عن أداء هذه الفريضة،و للذين يسوِّفون ويؤجلون حتى يمرضوا ويشيخوا وهم مقتدرون مالياً وصحياً،نقول لهم: هل تضمنون أن تستمروا على غناكم وعلى قدرتكم المالية؟! هل تضمنون بقاءكم أحياء على وجه الأرض وأنتم تسوِّفون؟! هل هناك اتفاق بينكم وبين ملك الموت لتأجيل وفاتكم حتى تشيخوا وتكبروا ثم بعد ذلك تؤدون فريضة الحج؟! فماذا تنتظرون؟!

لقد جاء التحذير من التسويف في أداء فريضة الحج وذلك من خلال النصوص الشرعية،يقول صلى الله عليه وسلم : «من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فما عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً» وفي الحديث الآخر: «من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حائل أو مجرم من سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً» أي: لم يكن هناك أي مانع يمنع الإنسان من الحج ولم يحج يطوله هذا الإثم الكبير.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار،فينظروا كل من له جدَة ولم يحج فيفرضوا عليهم الجزية،وما هم بمسلمين،وما هم بمسلمين" ومعنى جِدة المقدرة والسعة المادية.

إن في هذه الأحاديث دعوة ونداء إلى المبادرة بالحج،وغسل النفس من ذنوبها،فإن العبد لا يعلم متى موعد رحيله من هذه الدنيا،والحج أيام معدودات،من استطاع أن يلبي فيها نداء ربه ثم لم يفعل فهو المحروم،إن الحج إلى بيت الله الحرام وأجره وفضله،يحرك الساكن،ويهيج المشاعر والقلوب التي تطمع في المغفرة لذنوبها من قبل علام الغيوب.

أيها الإخوة المؤمنون: اتقوا الله واحمدوه أن أكمل لكم الدين, وأتم عليكم النعمة, وإن مما أنعم الله- سبحانه وتعالى- علينا به أن أمرنا بالحج, ويسر لنا سبله, لقد كانت فريضة الحج في سالف الأزمان فريضة شاقة, لها أعباء وتكاليف, لا يطيقها إلا القليلون, تترتب عليها كثير من المشاق في الأموال والأبدان, ويتحمل الحاج كثيرا من الأخطار, أما في أيامنا هذه, فقد يسر الله الأمر تيسيرا وجعله بفضله ونعمته أمرا هينا, وسفرا يسيرا, فأصبح المرء يصل إلى البيت الحرام بنفقات يسيرة, وسبل كثيرة وفيرة, فهناك الطائرات في أجواء السماء وهناك البواخر تمخر عباب البحار, وهناك السيارات التي تطوى الفيافي والقفار, كل هذه الوسائل نعم من الله- سبحانه وتعالى- على الناس, وعلى الناس أن يشكروا نعم الله عليهم, وأن يغتنموا هذه الفرص لزيادة الخير وأداء الفرائض والتزود بالتقوى.

إن الله قد فرض الحج على المسلمين إذا ما اكتملت في المسلم شروط أولها: البلوغ وثانيها: العقل, وثالثها: الاستطاعة بالمال والبدن.

فمن لم يكن بالغا أو كان معتوها, أو ناقص الاستطاعة في ماله أو في صحته فلا حج عليه لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾.

وأما المدين, الذي له مال, ولكن عليه ديونا كذلك فإنه يقضي ديونه أولا ثم يحج بعد ذلك, لأن براءة الذمة أهم. وإن عجز الإنسان عن الحج وعنده مال, ومرضه لا يرجى برؤه, فله أن ينيب عنه من يحج, فمن تقدمت به السن أو أقعده المرض, بحيث لم يعد قادرا على أداء الحج, ولديه مال, جاز له أن ينيب امرءا عنه, يخرج من بلده بماله ليؤدي عنه هذه الفريضة.

وأما المرأة, فيضاف إلى ما ذكرنا من الشروط أن يكون لها محرم يستطيع أن يرافقها حتى تعود إلى منزلها, والمحرم إما أن يكون زوجا أو أخا أو ولدا أو أبا أو جدا أو نحوه, لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يخلون رجل وامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - انطلق فحج مع امرأتك».

والمحرم- كما قلنا- هو من تحرم عليه المرأة تحريما مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة, كالأب والابن والجد والأخ وابن الأخ, وابن الأخت والعم والخال من نسب أو رضاع, ومثل أب الزوج- وإن علا- لابنه- وإن نزل- وزوج البنت- وإن نزل- وزوج الأم- وإن علت- لكن زوج الأم لا يكون محرما لبنتها حتى يطأ الأم فكل هؤلاء محارم للمرأة.

والحكمة في وجوب اصطحاب المحرم للمرأة حفظها, وصيانتها, ورعاية شئونها أثناء السفر.

ومن تعذر عليها أن تجد محرما, جاز لها أن تخرج بصحبة نسوة أي مجموعة من النساء الثقات.

عباد الله: إن في الحج انتصار للمنهج الصحيح على القومية الوطنية،والعنصرية اللسانية فتتجرد جميع الشعوب عن جميع ملابسها وأزيائها الإقليمية التي يتعصب لها أقوام،وتظهر كلها في مظهر واحد هو الإحرام،حاسرة رؤوسها،تهتف كلها في لغة واحدة، تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواها الشيخان من حديث ابن عمر رضى الله عنهما، «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، فكلهم يطوفون حول بيت واحد،وكلهم يسعون بين الصفا والمروة،وكلهم يبيتون في مبيت واحد ويفيضون إفاضة واحدة،﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

يا من تريدون أداء فريضة الحج،عليكم أن تتفهموا أحكام الحج فإن دراستها وتفهمها يصبح فرض عين بالنسبة لكم،وينبغي أن تحرصوا على تطبيقها والامتثال لها،ليتقبل الله منكم هذه الفريضة،وسائر الطاعات فأنتم أحرى بذلك،وبخاصة أنكم تلبون نداء الله وتعلنون ولاءكم لله وحده،وأنكم ستهتفون بهتاف واحد هو الهتاف الرباني: لبيك اللهم لبيك،لبيك لا شريك لك لبيك،إن الحمد والنعمة لك والملك،لا شريك لك،وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة،أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم و لسائر المسلمين فاستغفروه...

وأما صفة أداء الحج والعمرة, فلابد للمسلم أن يعرفها, ليستطع أن يؤدي حجه وعمرته على الوجه الأكمل.

وأول هذه الأمور أن يعرف المسلم أنه خارج لأداء فريضة من أهم الفرائض وركن من أهم الأركان, فعليه ألا يخالط محرما, ولا يرتكب معصية, وعليه أن يطهر قلبه, كما يطهر بدنه, وعليه أن تكون نفقته مالا حلالا طيبا طاهرا لا يخالطه حرام, وعليه أن يحرص على الصلاة وأدائها بشروطها جماعة, وفي المساجد كلما أمكن ذلك.

وعليه أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة من السخاء والكرم وطلاقة الوجه, والصبر على الآلام, وتحمل الناس, وعدم إيذاء أحد.

فإذا وصل الميقات المؤقت لأهل بلده, فعليه أن يغتسل ويتطيب في بدنه ورأسه ولحيته, ثم يحرم بالعمرة متمتعا, سائرا إلى مكة ملبيا, فإذا بلغ البيت الحرام, فليطف سبعة أشواط بنية طواف العمرة, وجميع المسجد الحرام مكان للطواف, اقترب من الكعبة أو ابتعد, لكن القرب منها أفضل, إذا لم يتأذ بالزحام, ولم يؤذ سواه. فإذا وجد زحاما فعليه أن يبعد, والأمر واسع ولله الحمد, فإذا فرغ من الطواف فليصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم, إن تيسر له ذلك, وإلا يصلي في أي مكان من الحرم. ثم ليخرج بعد ذلك لأداء سعي العمرة, فيبدأ بالصفا, فإذا كمل الأشواط السبعة فعليه أن يقصر من رأسه من جميع الرأس, ولا يجزى التقصير من جانب واحد ولا يغتر بفعل الكثير من الناس.

وينبغي أن يحفظ جوارحه وذهنه وفكره عن كل معصية وعن كل ما يخل بحجه. فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة, فعلى الحاج أن يغتسل ويتطيب ويحرم بالحج من مكان النزول ثم ليخرج إلى منى, وليصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة, وفجر يوم عرفة قصرا من غير جمع, لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان يقصر بمنى, وفي مكة ولا يجمع.

فإذا طلعت شمس يوم عرفة, فليسر إلى عرفة ملبيا, خاشعا لله, ثم ليجمع بعد ذلك الظهر والعصر جمع تقديم ركعتين ركعتين لكل من الظهر والعصر ثم ليتفرغ بعد ذلك للدعاء والابتهال إلى الله, وليحرص أن يكون على طهارة طيلة الوقت, وليستقبل القبلة, وليجعل الجبل خلفه, فالمشروع استقبال القبلة, ولينتبه الحاج جيدا لحدود عرفة, وعلاماتها, فإن كثيرا من الحجاج يقفون دونها, أو بعيدا منها, ومن لم يقف بعرفة فلا حج له, لقوله عليه الصلاة والسلام: «الحج عرفة».

ومن وجد في عرفة, فله أن يقف في أي موضع منها إلا بطن الوادي- وادي عرنة لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف» .

فإذا غربت شمس يوم عرفة, وتحقق المسلم من الغروب فليدفع إلى مزدلفة ملبيا خاشعا ملتزما بالسكينة والوقار ما أمكن, كما أمر بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حين كان ينادي بأصحابه: «أيها الناس السكينة السكينة». فإذا وصل مزدلفة, فليصل بها المغرب والعشاء ثم ليبت بها إلى الفجر.

ولم يرخص النبي- صلى الله عليه وسلم - لأحد بالدفع من مزدلفة قبل الفجر إلا للضعفة, فمن كان ضعيفا أو واهنا أو مريضا أو ذا حاجة فله أن يدفع في آخر الليل.

فإذا صلى الحاج في مزدلفة فليتجه إلى القبلة وليكبر الله وليحمده, وليدعه حتى يسفر جدا, ثم يسير قبل طلوع الشمس إلى منى, ثم يلقط سبع حصيات, وليذهب إلى جمرة العقبة وهي الأخيرة التي تلي مكة, وليرمها بعد طلوع الشمس بسبع حصيات, يكبر الله مع كل حصاة خاضعا معظما له.

فالمقصود من الرمي تعظيم الله وإقامة ذكره. وعليه أن يسقط الحصاة في الحوض, وليس عليه أن يضرب العامود المنصوب هناك, فإذا فرغ من رمي الجمرة فليذبح هديه إن كان قد ساق الهدي, ولا يجزي في الهدي إلا ما يجزي في الأضحية ولا بأس أن يوكل شخصا في الذبح, ثم ليحلق رأسه بعد الذبح ويجب حلق جميع الرأس, ولا يجوز حلق بعضه دون بعض, المرأة تقصر من شعرها بقدر أنملة وبذلك يكون قد حل التحلل الأول.

فله أن يلبس, ويقص أظفاره, ويتطيب وليس له أن يأتي النساء.

فإذا نزل قبل صلاة الظهر إلى مكة, طاف طواف الإفاضة الذي هو طواف الحج, وسعى ثم رجع إلى منى, فبهذا الطواف والسعي بعد الرمي والحلق والذبح يكون قد تحلل التحلل الأخير, وجاز له كل شيء بما في ذلك النساء.

أيها الأخوة المسلمون: إن الحاج يفعل يوم العيد أربعة أنساك: رمي الجمرة ثم النحر, ثم الحلق ثم الطواف والسعي, وهكذا هو الترتيب أكمل, ولكن لو قدم بعضها على بعض كأن حلق قبل الذبح مثلا فلا حرج.

ولو أخر الطواف والسعي حتى ينزل من منى فلا حرج. ولو أخر الذبح, فذبح بمكة في اليوم الثالث عشر فلا حرج, لاسيما مع الحاجة والمصلحة, وليبت ليلة الحادي عشر بمنى, فإذا زالت الشمس فليرم الجمرات الثلاث, مبتدئا بالأولى ثم الوسطى, ثم العقبة, كل واحدة بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة.

ووقت الرمي في يوم العيد للقادر من طلوع الشمس, وللضعيف من آخر الليل وآخره إلى غروب الشمس, ووقته فيما بعد العيد من الزوال إلى غروب الشمس ولا يجوز قبل الزوال إلا عند بعض العلماء. ويجوز الرمي في الليل إذا كان الزحام شديدا في النهار. ومن لم يستطع الرمي لنفسه لصغر أو أكبر أو مرض فله أن يوكل من يرمي عنه, ولا بأس أن يرمي الوكيل عن نفسه, وعمن وكله في مقام واحد, لكن يبدأ بالرمي لنفسه.

فإذا رمى اليوم الثاني عشر فقد انتهى الحج, وهو بالخيار بعد ذلك إن شاء تعجل ونزل, وإن شاء بات ليلة الثالث عشر. وليرم الجمار الثلاثة بعد الزوال وهذا أفضل لأنه فعل النبي- صلى الله عليه وسلم .

فإذا أراد الخروج من مكة فليطف طواف الوداع. وأما الحائض والنفساء فلا وداع عليهما, ولا يشرع لهما المجيء إلى باب المسجد والوقوف عنده.

هذه صفة الحج كما شرعها الله- سبحانه وتعالى- وكما أمر بها.

فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا, قال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ﴾ .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركت فيه كما يحب ربنا ويرضاه وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد فيقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ .

أيها الإخوة المؤمنون: إن الحج ركن عظيم من أركان الإسلام, ولكي يكون الحج مبرورا ومقبولا من الله- سبحانه وتعالى- فلا بد للحاج أن يؤديه على الوجه الذي شرعه الله- سبحانه وتعالى- وأن يحافظ على شروطه وأركانه, ويؤدي مناسكه ويحج كما حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم .

ولا يتأتي له ذلك وهو يجهل أحكام الحج, ولا يعرف شروطه وأركانه على الوجه السليم, ولذلك فإن على كل حاج يريد الحج إلى بيت الله أن يجلس إلى عالم من العلماء, فيسأله عن أحكام الحج وشروطه, وعن صفة أدائه, أو يقرأ كتابا في هذا الباب ليتعلم ما يجب عليه أن يفعل, وما ينبغي له أن يدع وليعرف كيف يؤدي مناسك الحج على الوجه السليم. وإن من أهم أركان الحج الإحرام. فإذا أحرم المرء فليس له أن يلبس - إن كان رجلا- من الثياب المخيط, وليس له أن يرتدي من الأحذية المخيطة الساترة للقدم, كالأحذية المعهودة, وله أن يلبس النعال.

أما المرأة فلها أن ترتدي ما جرت عادة النساء بارتدائه من الملابس, ولها أن تعقد الإحرام وهي حائض, فتغتسل وتحرم مع الناس وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأسماء بذلك.

إن مما يحظر على المحرم- رجلا كان أو امرأة- أن يحلق شعره أو يقصه أو يزيله بأي مزيل وله أن يحك رأسه برفق, فإن سقط بذلك شعر من غير قصد فلا حرج عليه وليس للمحرم أن يزيل أظفاره بتقليم أو قص, فإن انكسر من أظفاره شيء وأذاه, فلا بأس أن يقص المنكسر, والذي يؤذيه خاصة, ولا شيء عليه.

ومن محظورات الإحرام الطيب, فلا يجوز للمحرم أن يتطيب لا في ثوبه ولا بدنه ولا في ما يأكل أو يشرب.

أما الطيب عند عقد الإحرام وقبل النية فهو سنة للرجال وللنساء حتى ولو بقي بعد الإحرام.

ومن محظورات الإحرام الرفث, وهو الجماع وما يتصل به من مباشرة بشهوة أو نظر بشهوة أو تقبيل بشهوة ونحوها, فلا يجوز للمحرم أن يفعل شيئا من ذلك.

ومن محظورات الإحرام عقد النكاح, فلا يجوز للمحرم عقده لنفسه, ولا لغيره.

ومن محظورات الإحرام لبس القفازين باليدين فلا يجوز للمحرم أن يلبسهما, وهذه المحظورات عامة للرجال والنساء.

وهناك محظورات خاصة, فمنها لبس الثياب وأمثالها, وكذلك السراويل أو الطواقي بالنسبة للرجال, فلا يجوز للرجل شيء من ذلك. فإذا أحرم خلع ذلك كله, ومن محظورات الإحرام على الرجل خاصة أن يغطي رأسه بشيء يلاصقها, كالغترة ونحوها فليس للمحرم أن يستر رأسه بشيء متصل به. أما ما لا يتصل به كالمظلة والخيمة وسقف السيارة, فلا بأس بذلك ولا بأس أن يحمل الرجل على رأسه فراشه وإذا خشي من الضرر كالبرد فلا بأس له أن يغطيه, ولكن يجب عليه أن يفدي, والفدية إما ذبح شاة يفرقها على المساكين أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة فقراء لكل فقير ربع صاع من البر أو نصف صاع من غيره.

وله أن يلبس الساعة والكمر, ويحمل الحقيبة التي فيها نفقته, وله أن يرتدي النظارات أو العدسات, وله أن يشبك بردائه مشبك, ولا شيء عليه بذلك إذا احتاج.

أما المحظورات على المرأة, فهي تغطية الوجه, فليس للمرأة المحرمة أن تغطي وجهها إلا إن مر رجال قريبين منها, وخشيت فتنة, فإن عليها أن تتغطى عنهم بغير ملامس لوجهها, ولها أن تتغطى, ولو مس الغطاء وجهها وتلبس ما تشاء من الثياب إذا لم يكن فيها تبرج عند من لا يجوز التبرج له.

وللرجل أن يغير ما أحرم به من إزار ورداء إذا اتسخا, وللمرأة أن تغير الثياب التي أحرمت بها كذلك, ولكل منهما أن يغتسل إذا شاء شريطة ألا يزيل شيئا من بدنه أو شعره.

وللمحرم أن يقتلع الأشجار خارج حدود الحرم, وليس له أن يفعل ذلك في حدود الحرم.

وللمرأة أن تلبس الجوارب والأحذية التي تريد, ولو كانت عند عقد الإحرام حافية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.. اللهم اهدنا بفضلك فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت, وتولنا فيمن توليت, وبارك لنا فيما أعطيت, وقنا اللهم شر ما قضيت, إنك تقضي بالحق- سبحانك- ولا يقضى عليك. إنه لا يذل من واليت, ولا يعز من عاديت, تباركت ربنا وتعاليت, فلك الحمد على ما قضيت ولك الشكر على ما أنعمت به وأوليت.

نستغفرك اللهم من جميع الذنوب, ونتوب إليك, ونؤمن بك ونتوكل عليك.

اللهم ادفع عنا وعن المسلمين من البلاء والسوء والأسقام والكرب والفتن والمحن ما لا يدفعه أحد غيرك, واصرف عنا السوء بما شئت, كيف شئت إنك على ما تشاء قدير.

ربنا وهب لنا من لدنك رحمة, وهيئ لنا من أمرنا رشدا, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.

عباد الله: إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.