التدخين والمخدرات

بسم الله الرحمن الرحيم

التدخين والمخدرات

أما بعد: أيها الناس، فإنّ الله تعالى خاطب جميع رسله بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ

عباد الله، وإن على رأس الأشربة المحرمة الخمر، فشربه من الكبائر والموبقات والمهلكات التي ثبتت حرمتها بنص القرآن العظيم وعلى لسان الصادق الأمين ، وعلى ضوئهما أجمع فقهاء الإسلام على حرمة شربها، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم : «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا ومات ولم يتب منها وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة» رواه مسلم، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن على الله عهدًا لمن شرب المسكر أن يسقيه الله من طينة الخبال»، قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار»، أو: «عصارة أهل النار» رواه مسلم. والأحاديث في تحريم الخمر وتوعد من يشربها كثيرة.

أن تعاطي تلكم المحرمات أو أحدها الواردة في الآية ومنها الخمر له أثر سيئ في قطع العلاقات بين الناس والصِّلات، وواعد بسفك الدماء وانتهاك الحرمات، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ .

أيها المسلمون، وإنما جاء الحديث عن الخمر لقلة طَرق هذا الموضوع بسبب ما ابتليت به المجتمعات الإسلامية من وجود المخدّرات، فجاءت فتنةً رقّقت فتنةَ الخمر، لكن هذا لا يعني التقليل من شأن الخمر أو إضعاف حرمتها ويقين ضررها. روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لُعنت الخمر بعينها وشاربُها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكلُ ثمنها»، وروى الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وشاربها وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها ومستقيها».

 أما بعد: أيها المسلمون، فإن من المحسوس والمشاهد للناس جميعًا أن المواد المعروفة الآن بالمخدرات على اختلاف أنواعها ومسمياتها لها من المضار الصحية والعقلية والروحية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية فوق ما للخمر، فاقتضى الدليل الشرعي ثبوت حرمتها، وأنها داخلة فيما حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من الخمر المسكر لفظًا ومعنى.

قال الإمام ابن القيم رحمه لله تعالى: "ويدخل في الخمر كل مسكر مائعًا كان أو جامدًا، عصيرًا أو مطبوخًا، واللقمة الملعونة لقمة الفسق والفجور التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن".

والمسلم ـ عباد الله ـ ليس ملك نفسه، وحياتهُ وصحته وماله وسائرُ نعم الله عليه إنما هي وديعة عنده، لا يحل له التفريط فيها، قال الحق جل وعلا: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ .

هذا وإن من مضار المخدرات من حيث العموم ما يلي:

فساد العقل وفتح باب الشهوات.

- تورث صاحبها الدياثة على عرضه؛ فكم من متعاطيها أرخصوا أعراضهم وباعوها بثمن بخس مقابل الحصول على شيء من المخدرات.

- سريان أمراضه وتعديها لتشمل ذرية متعاطيها ونسله وتفكك أسرته.

الخطبة الثانية :

وجَّهت الشريعة الإسلامية أفرادها للمحافظة على عقولهم، وشددت على صيانة العقل وحمايته من كل ما يخل به أو يتسبب في إزالته، وإذا حفظ المرء عقله وحافظ عليه، وصانه عن كل ما يخدشه أو يغيره سهل عليه القيام بما كلف به، وفهم الخطاب الموجه إليه، وقام به على أكمل وجه، فيحفظ دينه، ويحافظ على نفسه، ويستبسل في الدفاع عن عرضه، ويحرص على إنفاق ماله في الوجوه المشروعة. أما إذا أهمل عقله وضَّيعه واستعمله فيما لا ينفعه فإن انحرافه عن جادة الصواب قريب، ووقوعه في مزالق الرذيلة وشيك.

إن العبث بالعقل وإفساده جريمة كبرى تعد من أفظع الجرائم.

إن تعاطي المخدرات يؤثر على الحياة الاجتماعية تأثيرًا سلبيًا، فانشغال المتعاطي بالمخدر يؤدي إلى اضطرابات شديدة في العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية. فكم مزَّقت المخدرات والمسكرات من صِلات وعلاقات، وفرقت من أُخُوَّةٍ وصداقات، وشتَّتت أسرًا وجماعات، وأشعلت أحقادًا وعداوات، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ . وإن جوًا تنتشر فيه هذه الأدواء والمهلكات لهو جوّ يسوده القلق والتوتر، ويخيم عليه الشقاق والتمزق.

إن من يلقي بنفسه في سموم المسكرات يسهل عليه أن يبذل كل غالٍ ونفيس، ويضحي بكل عزيز من أجل الوصول إليها والحصول عليها، حتى ولو كان ذلك من أضيق المسالك وأخطر الطرق، فقد يسرق أو يختلس، بل ويتخلى عن جميع القيم والأخلاق ليحصل على المادة التي يصل بِها إلى ما يريد، ويسير في هذا المسلك الوعر إلى أن تضعف قواه الجسدية والعقلية، فيصبح غير قادر على العمل، فيكون عالة على أسرته ومجتمعه، وقد ينتهي به الحال إلى الإعاقة الكاملة أو التشوه، بعد أن يفقد كل مميزاته الإنسانية من عقل وخلق، ومقوماته الاجتماعية من عمل مثمر أو وظيفة نافعة أو صناعة رابحة، كما يفقد أهله وعشيرته وأصدقاءه، وفي ذلك ضياع للفرد الذي هو كيان الأسرة ولبنة في قيام المجتمع، وإذا فقدت الأسرة كيانها حل بِها التمزق، فيصبح بناء المجتمع هشًا ضعيفًا، لا يستطيع أن يقف أمام العواصف المعادية والتيارات الوافدة، ويصير فريسة سهلة لأي عدو يتربص به الدوائر.

ولو نظرنا إلى انتشار الجرائم وتفشيها في المجتمعات لوجدنا أن تعاطي المسكرات والمخدرات يشكل أحد الأسباب الرئيسة في ظهورها، ذلك أن المدمن عادة ما يكون فاشلاً في مجتمعه، عاجزًا عن القيام بأي عمل ينفعه، كما أنه يصبح خاليًا من الشعور بالمسؤولية، لفقده ما يؤهله لذلك من دين أو عقل، نتيجة تعاطيه لتلك السموم، ومن كان هذا شأنه فإنه سيقدم على طلب المال وتحصيله من أي مصدر، وبأي وسيلة حتى لو استدعى ذلك منه ارتكاب الجرائم بشتى صورها.

المدخنين في السعودية يصرفون سنويا أكثر من 8 مليارات ريال على هذه العادة السيئة فيما يبلغ عدد السعوديين الذين يموتون من التدخين سنويا ألفي مدخن حيث تجاوز عدد المدخنين في السعودية 6 ملايين نسمة منهم 45 % في سن 15 عاما و 27 % في المرحلة المتوسطة و35 % في المرحلة الثانوية و13 % من المعلمات.