التحذير من السحر والتنجيم (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من السحر والتنجيم (2)

الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدرا، مضى حكمه في خليقته، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، سبحانه من إله قوي قادر، لا ينفذ شيء إلا وفق حكمته، ولا يمضي إلا بإذنه وإرادته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله تأكيداً بعد تأكيد، فهو الواحد القهار، لا إله إلا هو يحيي ويميت، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، بشّر وأنذر، وأقام الحجة على العباد، فهم إلى قيام الساعة محجوجون ببعثته صلى الله عليه وسلم ، بشّر بالجنة وأنذر من النار، وعلم الأمة، فلا خير يقربهم إلى الله إلا ودلهم عليهم، ولا شر إلا وحذرهم منه، فصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، كِفاء ما بين وأرشد، وصلى الله وسلم على آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين ... أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: عظموا الله، عظموا أمر الله، عظموا نهي الله، لتكن الدنيا في قلوبكم صغيرة، ولتكن الآخرة في قلوبكم عظيمة، فإن حقارة الدنيا، وعظم الآخرة، في قلب العبد المؤمن، سبب لسعادته في الدنيا والآخرة.

عباد الله: اقتضت حكمة الله عز وجل أن يخلق الإنسان في كبد، وأن يجعل الدنيا دار عناء، تكفيراً لذنوب المؤمنين، ورفعة لدرجاتهم، وعذابا للكافرين، وتنبيها للناس أجمعين، كي لا يركنوا إلى الدنيا ويطمئنوا إليها، بل يتطلعوا ويتشوقوا إلى دار يحيا أهلها فلا يموتون، ويصحون فلا يسقمون، ويشبون فلا يهرمون، وينعمون فلا يبئسون.

ومن هذه الابتلاءات التي يصاب بها بعض الناس: السحر والعين. وهما ثابتان بالحس والشرع، وفي الآونة الأخيرة تفشى هذان الداءان، وكثر المتشكون منهما، والمسلم إذا تدبر كتاب الله عرف سبب الداء، وسبيل الدواء.

عباد الله: يقول الله سبحانه ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ فذنوبنا هي سبب ما أصابنا، فمنها:

ضعف توحيد الله في القلوب: فبعض الناس إذا رأى نفسه سالما من بعض الأعمال الشركية، ظن أنه قد كمل توحيده، وأنه سالم من الشرك كبيره وصغيره، فكما أن دعاء الموتى شرك، والذبح لغير الله شرك، والنذر لغير الله شرك، فأيضاً التوكل على غير الله، والاعتماد عليه كما يعتمد على الله شرك، واعتقاد الضر والنفع في غير الله شرك، وكذا من أحب شيئا غير الله، كما يحب الله فقد أشرك.

ومنها، ترك بعض الواجبات، أو فعل بعض المحرمات: كمن يتساهل بالصلاة، وهكذا من قصر في أي واجب أوجبه الله عليه، أو ارتكب نهياً نهاه الله عنه، فقد تسبب على نفسه بالمصائب والعقوبات.

ومنها، الغفلة عن ذكر الله: فلما أعرض كثير من الناس عن ذكر الله عز وجل، وهجروا كتابه، وامتلأت بيوتهم بآلات اللهو والغفلة، وعمروا أوقاتهم باللغو وما لا يفيد، تسلطت عليهم الشياطين، فأزتهم إلى المعاصي، وأفسدت بين الأزواج المتحابين، والأصحاب المتصافين. ولما خلت بيوتهم وقلوبهم من ذكر الله، تسلل إليها الشيطان، فملآ القلوب بالوساوس والأوهام والشكوك، وملأ البيوت بالمشكلات والخصومات. فترى أحدهم حين يدخل بيته، ينقبض صدرُه، ويشمئز قلبه، وتغيب ابتسامته، وبدل أن يقابل زوجته وأولاده بالتحية والابتسامة والحنان، تراه يدخل بوجه عبوس متجهم، ولسان سليط، وبمثل هذا أو نحوه تقابله زوجته، فيكثر الخصام، وتثور المشكلات، وتُقطع المودة والرحمة، ويحل محلها العتب والسُخط والخصومة ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ خرج (م) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عز وجل عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء».

عباد الله: الجزاء من جنس العمل، فمن بر والديه بره أولاده، ومن عقَّ عُق، ومن عفَّ عن أعراض الناس، عف الناس عن عرضه، وكما تدين تدان، وفي الحديث " احفظ الله يحفظك ". فلما ضعف توكل الناس على الله، واعتمد بعضهم على الأسباب، وُكِلوا إليها، ومن وكل إلى غير الله خذل، وبذل الأسباب لا ينافي التوكل.

إن كثيراً من الناس، طلبوا ما يمتع نفوسهم ولو كان بأمر محرم، كمشاهدة ما لا يجوز مشاهدته، أو استماعِ ما يحرم استماعه، أو السفرِ إلى البلاد التي تفشو فيها المنكرات، ويُجاهر فيها بالمعاصي، كل ذلك ونحوه طلباً لتمتيع نفوسهم، فحينئذ عوقبوا بنقيض مقصودهم، وابتلوا بالهموم والأمراض النفسية والاكتئاب والقلق، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد.

نسأل الله السلامة والعافية، وأن يحيي قلوبنا بالتوحيد، وأن يحمينا من مزالق الشرك ووسائله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: شرع الله سبحانه لعباده ما يتقون به شر السحر والشعوذة قبل وقوعهما، وأوضح لهم سبحانه ما يعالجون به بعد وقوعهما، رحمة منه بهم، وإحسانا إليهم، وإتماما لنعمته عليهم. فمن أسباب الحفظ والوقاية:

-التوكل على الله: فهو أعظم ما تدفع به الآفات، وأنفع ما تحصل به المطالب، فمن توكل على الله كفاه ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.

-ومنها امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه: فمن حفظ الله في أوامره ونواهيه، حفظه الله في دينه ودنياه، وأهلِه وماله.

-ومنها كثرة ذكر الله: من تلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا من أنفع ما يَحرز به العبد نفسه. ومن هذه الأذكار: قراءة آية الكرسي عندما تأوي إلى فراشك، فإنه لا يزال عليك من الله حفيظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. وقراءة سورة البقرة، فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه. وقراءة خواتيمِ سورة البقرة، فمن قرأها في ليلة كفتاه. وقراءة المعوذتين، فقدر روى (خ م) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى، يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث. وقراءة الأذكار عندما تصبح وتمسي، وعند نزول منزل ودخول البيت، والخروج منه وركوب الراحلة وغيرها من المناسبات.

ومنها تعويذ الصبيان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين، أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة.

يقول العلامة ابن القيم : "ومن أنفع علاجات السحر، الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، مغموراً بذكره، وله من الدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يُخِل به، يطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه"أ.هـ

عباد الله: ومن أسباب الوقاية: إمساك الصبيان ساعة الغروب، قال صلى الله عليه وسلم كما في (خ م): «إذا كان جُنْح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم، وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أن تَعْرُضُ عليه شيئا».

ومن ذلك: تطهير البيت من الصلبان والتماثيل والكلاب، وصور ذوات الأرواح، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تلك الأشياء. وأيضاً تطهيره من آلات اللهو والمعازف والغناء.

عباد الله: إن انتشار السحرة والمشعوذين، والكهنة والعرافين، منكر عظيم في بلاد المسلمين، فمن رأى أو علم شيئاً من ذلك وتيقن منه، فإنه يجب عليه أن يبلغ الجهات المسئولة عن ذلك، ولا ينفك من العهدة، وليحذر أن يعاقب من جراء سكوته على تلك المنكرات، التي هي وسيلة إلى أن يظهر الشرك في بلاد التوحيد. في البلاد التي طهرها الله من مخالفة ومناقضة الشهادتين، فعلينا عباد الله: القيام بذلك الأمر، إلا إن كان العبد لا يستطيع الإنكار، فالإنكار بقلبه ينجيه، لكن في أحوالنا هذه ليس ذلك عذراً في عدم التبليغ؛ لأن الحق أظهر من الباطل، ولأن الصولة في هذه البلاد – ولله الحمد – للحق، وأما الباطل فهو ذليل وحقير وزاهق بإذن الله، فقوموا عباد الله بهذا الواجب، وليحذر من لم يقم به العقوبة في نفسه، أو فيمن يحب؛ لأن أولئك يضرون المسلمين بما ينشرون.

فاتقوا الله عباد الله: وخافوا يوم لقاه، وقوموا بهذه الأمور أتم قيام، لعلنا نكون من الممتثلين.

اللهم إنا نسألك العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين، ونسألك أن تقي المسلمين شرهم، وأن توفق المسلمين للحذر منهم، وتنفيذ حكم الله فيهم، حتى يستريح العباد من ضررهم وأعمالهم، إنك جواد كريم.