استسقاء

بسم الله الرحمن الرحيم

استسقاء 7/11/1422هـ

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :

عباد الله :

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ، فهي طريق النجاة والسلامة ، وسبيل الفوز والكرامة ، بالتقوى تزداد النعم ، وتتنزل البركات ، وتصرف النقم ، وتستدفع الآفات .

عباد الله :

تأملوا في هذه الحياة ، مدبر مقبلها ، ومائل معتدلها ، كثيرة عللها ، إن أضحكت بزخرفها قليلا ، فلقد أبكت بكدرها كثيرا ، تفكروا في حال من جمعها ثم منعها ، انتقلت إلى غيره ، وحمل إثمها ومغرمها ، فيالحسرة من فرط في جنب الله ، ويالندامة من اجترأ على محارم الله . أقوام غافلون جاءتهم المواعظ فاستثقلوها ، وتوالت عليهم النصائح فرفضوها ، وتوالت عليهم نعم الله فما شكروها .

عباد الله :

ما حل بالأمم من شديد العقوبات ، ولا أخذوا بفظيع المثلات ؛ إلا بسبب التقصير في التوحيد والتقوى ، وغلبة الأهواء ، وكل نقص يصيب الناس في علومهم وأعمالهم ، وقلوبهم وأبدانهم ، وتدبيرهم وأحوالهم ، وأشيائهم وممتلكاتهم ، سببه الذنوب والمعاصي ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ

إن ما تبتلى به الديار من قلة الغيث وغور الآبار ، وما يصيب المواشي والزروع من نقص وأضرار، ليس ذلك ـ لعمر الله ـ من نقص في جود الباري جل شأنه ، وعظم فضله ، ولكن سببه كله إضاعة أمر الله ، والتقصير في جنب الله .

المعاصي تفسد الديار العامرة ، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة ، كيف يطمع العبد في الحصول من ربه على ما يحب ، وهو مقصر فيما يجب ؟!

ذنوب ومعاصي ، إلى الله منها المشتكى ، وإليه وحده المفر ، وبه سبحانه المعتصم : اضطراب عقدي ، وتحلل فكري ، وتدهور أخلاقي ، جلبته قنوات فضائية ، ووسائل إعلامية ، وشبكات معلوماتية ، ربا وزنا ، ضعف في العفة والحشمة ، فتن ومحن ، بألوانها وأوصافها ، ألوان من الجرائم والفسوق ، والشذوذ والانحراف ، بل وإلحاد وكفريات من خلال كثير من القنوات ،ثم تظالم بين العباد ، وأكل للحقوق وغصب لأموال الناس بالباطل ، كيف يرجى حصول الغيث وفي الناس مقيمون على الغش ، والخيانات وأكل الربا ، المكاسب الخبيثة تستدرج صاحبها حتى تمحقه محقا ، وتنزع البركة منه نزعا ، نعم عباد الله : لولا الذنوب والمعاصي وشؤمها ؛ لصبت السماء أمطارها ، ولبادرة غيثها ومدرارها .

عباد الله :

إن من البلاء أن لا يحس المذنب بالعقوبة ، وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو بلاء وعقوبة ، فيفرح بالمال الحرام ، ويبتهج بالتمكن من الذنب ، ويصر بالاستكثار من المعاصي .

عباد الله :

إن ربكم يخوفكم بالآيات والنذر ، قال جل وعلا ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفً﴾ زلازل وبراكين ، ورياح وأعاصير ، وحروب وفيضانات ، يصيب بها من يشاء ، ويصرفها عمن يشاء ، وهو شديد المحال ، ومع ذلك حالنا كما قال سبحانه : ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرً

ومن أجل هذا فارجعوا إلى ربكم وتوبوا إليه واستغفروه ، وأحسنوا الظن به ، اجعلوا الرجاء في مولاكم نصب أعينكم ، ومحط قلوبكم ، فربكم سبحانه نعم المولى ، ونعم المرتجى ، يغفر الذنوب ، ويكشف الكروب ، ولا يملأن قلوبكم اليأس من روح الله وفضله وإفضاله ، فتظنون به ما لا يليق بجلاله وكماله ، أليس هو الذي رزق الأجنة في بطون أمهاتهم ؟ رباها صغارا ، وغمرها بفضله كبارا .

تراكمت الكروب فكشفها ، وحلت الجدوب فرفعها ، أطعم وأسقى ، وكفى وآوى ، وأغنى وأقنى ، نعمه لا تحصى ، وإحسانه لا يستقصى ، كم قصدته النفوس بحوائجها فقضاها ، وانطرحت بين يديه ففرج كربها وأعطاها ، سبحانه وبحمده ، لا رب لنا سواه ، ولا نعبد إلا إياه ، لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه ، هو ربنا ومولانا ، وهو أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين .

فراجعوا أنفسكم ـ عباد الله ـ بالاعتراف بتقصيركم وعيوبكم ، وتوبوا إلى ربكم من جميع ذنوبكم ، وتوجهوا بقلوبكم إلى من بيده خزائن الرحمة والأرزاق ، وأملوا الفرج من الرحيم الخلاق ، واحذروا اليأس والقنوط ، واجتنبوا السخط والعجز ، وتوبوا من ذنوب تمنع نزول الغيث ، وأقلعوا من مظالم تحجب أبواب البركات .

ربنا ظلمنا أنفسنا….

اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله ….

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا …..

اللهم إنا خلق من خلقك …….

عباد الله :

لقد كان من سنة نبيكم بعدما يستغيث ربه أن يقلب رداءه ويدعو ، فاقلبوا أرديتكم ، اقتداء بسنة نبيكم وتفاؤلا أن يقلب الله حالكم من الشدة إلى الرخاء ، ومن القحط إلى الغيث ، وليكون ذلك شعارا وعهدا تأخذونه على أنفسكم بتغيير لباسكم الباطن إلى لباس التقوى ، بدلا من لباس الذنوب والمعاصي .

ربنا تقبل منا …………