التحذير من السحر والتنجيم (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من السحر والتنجيم (1)

عباد الله: لما أراد علي بن أبي طالب أن يسافر لقتال الخوارج، عرض له  منجم، فقال: يا أمير المؤمنين لا تسافر.  فقال علي: لأي شيء؟ قال: إن القمر في  العقرب، فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك. فقال علي: ما كان لرسول الله ولا لأبي بكر ولا لعمر منجم!  بل أخرج  ثقة بالله، وتوكلا على الله، وتكذيبا لقولك، فما سافر بعد رسول الله سفرة أبرك منها، قتل الخوارج، وكفى المسلمين شرهم، ورجع مؤيدا منصورا، فائزا ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم  لمن قتلهم، حيث قال: شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتيل من قتلوه. وفي لفظ طوبى لمن قتلهم، وفي لفظ تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، وفي لفظ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد. وقال علي لأصحابه: لولا أن تنكلوا، لحدثتكم بما لكم عند الله في قتلهم. فكان هذا الظفر ببركة خلاف ذلك المنجم وتكذيبه، والثقة بالله رب النجوم، والاعتماد عليه.

قال العلامة ابن القيم: وهذه سنة الله فيمن لم يلتفت إلى النجوم، ولا بنى عليها حركاته وسكناته، وأسفاره وإقامته، كما أن سنته سبحانه، نكبة من كان منقادا لأربابها، عاملا بما يحكمون له به، وفي التجارب من هذا ما يكفى اللبيب المؤمن والله الموفق أ.هـ

وعن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عباس: أوصني. قال: أوصيك بتقوى الله، وإياك وعلم النجوم؛ فإنه يدعوا إلى الكهانة، وإياك أن تذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير، فيكبك الله على وجهك في جهنم، فإن الله أظهر بهم هذا الدين، وإياك والكلام في القدر، فإنه ما تكلم فيه اثنان إلا أثما أو أثم أحدهما.

وعند (ش) عن ابن عباس قال: إن قوما ينظرون في النجوم، وفي حروف أبي جاد، قال: أرى أولئك قوما لا خلاق لهم.

وخرج (م) من حديث ابن عَبَّاسٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «ما اقْتَبَسَ رَجُلٌ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ الا اقْتَبَسَ بها شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ ما زَادَ زَادَ». وقال علي بن أبي طالب: الكاهن ساحر، والساحر كافر. فنسأل الله العافية والعصمة في الدنيا والآخرة.

قال الحافظ رحمه الله: والمنهي عنه من علم النجوم، هو ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان، وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم، الذي يعرف به الزوال، وجهة القبلة، وكم مضى من الليل والنهار، وكم بقي، فإنه غير داخل في النهي والله أعلم

عباد الله: روى (خ) تعليقا عن قتادة قال: خلق الله تعالى هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك، أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا يعلم.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين، فى هؤلاء المنجمين، الذين يجلسون على الطرق، وفى الحوانيت وغيرها، ويزعمون أنهم يخبرون بالأمور المغيبة، معتمدين في ذلك على صناعة  التنجيم؟ 

فأجاب: الحمد لله رب العالمين، لا يحل شيء من ذلك، وصناعة التنجيم صناعة محرمة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين، في جميع الملل، قال الله تعالى ﴿وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ أ.هـ

ومر جندب بن كعب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه على ساحر يلعب بحضرة بعض الأمراء، ويقمر على أعين الناس، فيظهر لهم أنه يقطع رأس إنسان ويميته، ثم يعيده ويحييه، فيتعجبون منه، فضربه جندب رضي الله عنه بالسيف فقتله وقال: إن كان صادقاً فليحيي نفسه.

عباد الله: هكذا يجب أن يكون موقف المسلم الموحد من السحرة والمشعوذين والدجالين، يقف من هؤلاء موقف الاستنكار والقوة والشجاعة ودحض الباطل، لا موقف المسالم السلبي أو المشجع الذي يدفع الجوائز لهم.

الحمد لله حمدا يبلغ الأربـــا *** نقضي به من حقوق الله ما وجبا

حمدا يزيد إذا النعمى تزيد بـه *** أخراه أولاه تعطى ضعف ما وهبا

لا ييأس المرء من روح الإله فكم *** من راح في مستهل كان قد صعبا

لله في الخلق تدبير يفوت مـدى *** أسرار حكمته أحكام من حسبـا

ما كان لله في ديوان قدرتــه *** من كاتب بحدوس الظن إذ كتبــا

لا يعلم الغيب إلا الله خالقنـا *** لا عالم غيره عجمــا ولا عربــا

لا شيء أجهل ممن يدعي ثقـة *** بحدسـه وترى فيما يرى ريبـــا

قد يجهل المرء ما في بيته نظرا *** فكيف عنــه بما في غيبه احتجبــا

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: إنه يجب على كل مسلم أن يعرف التوحيد حتى يتمسك به، ويعرف الشرك حتى يجتنبه؛لأنه لا نجاة له إلا بذلك، وكيف يعمل بالتوحيد من هو جاهل به؟! وكيف يجتنب الشرك وهو لا يعرفه؟! إن الأمر خطير، والواجب كبير، وما زال أعداء الإسلام يخططون لإفساد عقيدة التوحيد خصوصا في هذا الزمان، الذي قل فيه العلماء، وإن كثر فيه القراء، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، والتبس فيه الحق بالباطل، وكثر فيه دعاة الضلالة، وقل دعاة الحق حتى أصبحوا غرباء بين الناس.

وإن صلاح المعتقد، سبب للصلاح والطمأنينة في الدنيا، والفوز بالنعيم والسعادة في الآخرة. وحين يكون الخلل في العقيدة، يبتدع الناس أعمالاً ما أنزل الله بها من سلطان، ويتلبسون بسلوكيات تنغص عليهم حياتهم، وتجعلهم نهبا لإيحاءات شياطين الجن والإنس. ولقد جاءنا الله بهذا الدين لتمتلئ قلوبنا بتعظيم الله والتوكل عليه، ولتقر أعيننا بتطبيق شرائع الإسلام، وأخلاقه العظام، في وقت كانت ولا زالت الجاهليات تضرب أطنابها، وتضلل أتباعها، ويظل الفرد في ظل هذه الجاهليات نهبا للأهواء، قلقاً حائراً، تطارده الهموم، ويسيطر عليه التشاؤم، وربما بلغ به القلق مبلغه، والتشاؤم نهايته، فأنهى حياته بنفسه، ظن ليستريح، والحق أنها بداية للشقوة الأبدية، عياذا بالله من ذلك.

عباد الله: من الناس من يذهب إلى الكهان والسحرة؛ لأجل العلاج والتداوي، يلتمسون عندهم الشفاء ولو على حساب عقيدتهم ودينهم،يأمرونهم بالذبح لغير الله فيذبحون، ويّدعون علم الغيب فيصدقون، ويعملون بتوجيهاتهم وإن كانت كفراً وشركا، وكل من فعل هذه الأمور، أو فُعلت له راضيا بها، فقد كفر بالقرآن، وبريء منه رسول الرحمن.

فاتقوا الله عباد الله: واحذروا من فتنة الجهال والمضللين، الذين كثر وجودهم في هذا الزمان، وتيسرت لهم الطرق لبث شرهم، وترويج باطلهم، عن طريق بعض الصحف والمجلات، والكتب والنشرات، والإذاعات والقنوات، وهم طوائف مختلفة، لكنها متفقة على قصد تضليل المسلمين، وإفساد عقيدتهم وأخلاقهم.

واتقوا الله عباد الله: وتمسكوا بعقيدة التوحيد، التي هي معنى لا إله إلا الله، ومدلولها ومقتضاها، واحذروا مما ينافي هذه العقيدة، أو ينقصها من الشرك الأكبر والأصغر، والوسائل إلى الشرك.