إعصار (جونو) والحملة على الهيئات

بسم الله الرحمن الرحيم

إعصار (جونو) والحملة على الهيئات

عباد الله: اتقوا الله واخشوا غضبه ونقمته، وتأملوا أحوالكم، وتفكروا في آيات الله في الآفاق وفي أنفسكم، لعلكم تذكرون ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ﴾ تمر بكم الحوادث، الواحد تلو الآخر، وتحل النقمات في أنفسكم وأموالكم، وتسمعون بحلول الكوارث فيما حولكم من البلاد القريبة والبعيدة، ولكن المستفيد المتعظ منا قليل، والمتذكر يسير، تحصل إصابات كثيرة بواسطة الأمطار، التي تذهب بكثير من الأنفس والأموال، وبواسطة الرياح التي تثير التراب، وتظلم الجو، وتعطل السير، وتسفي الأتربة العظيمة على بيوتكم ومزارعكم، ولا تستطيعون ردها ولا تحويلها، بل لا يستطيع الخلق كلهم بما أعطاهم الله من قوة ومخترعات، لا يستطيعون صد هذه الرياح من البر أو البحر ومدافعتها، ثم يشاء الله بقدرته الباهرة، أن تسكن هذه الرياح ويعقبها بالمطر، الذي يزيل آثارها، ويدفع أضرارها، وتعلمون يا عباد الله: أن الله سبحانه لم يخلق شيئا عبثا، فلم يرسل هذه الرياح والأعاصير، إلا لينبهكم ويذكركم بذنوبكم، وبقدرته على عقوبتكم ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ

عباد الله: إن في تصريف الرياح والأعاصير عبرة عظيمة، وقد وجه الله سبحانه إليها الأنظار بالاعتبار، في آيات كثيرة من كتابه الكريم، فالرياح تارة تأتي بالرحمة، وتارة تأتي بالعذاب، وتارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب، وتارة تسوقه، وأخرى تجمعه، وتارة تفرقه، وأخرى تصرفه، ثم تأتي تارة من الجنوب، وتارة من الشمال، وتارة من الشرق، وتارة من الغرب .

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله :" وتأمل منفعة الريح، وما يجري له في البر والبحر، وما هيئت له من الرحمة والعذاب،...إلى أن قال: وبالجملة فحياة ما على الأرض من نبات وحيوان بالرياح، فإنه لولا تسخير الله لها لعباده، لذوى النبات، ومات الحيوان، وفسدت المطاعم، وأنتن العالم وفسد، ألا ترى إذا ركدت الرياح كيف يحدث الكرب والغم، الذي لو دام لأتلف النفوس، وأسقم الحيوان، وأمرض الأصحاء، وأنهك المرضى، وأفسد الثمار، وعفّن الزرع، وأحدث الوباء في الجو، فسبحان من جعل هبوب الرياح تأتي بروحه ورحمته، ولطفه ونعمته، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الرياح، أنها من روح الله تأتي بالرحمة "أ. هـ

عباد الله: جرتْ سنةُ اللهِ عز وجلَّ في عبادِه، أنْ يُعاملَهم بحسب أعمالِهم؛ فإذا اتَّقى الناسُ ربَّهم الذي خلقهم ورزقهم؛ أنزلَ عليهم البركاتِ مِنَ السماءِ، وأخرج لهمُ الخيراتِ مِنَ الأرض، كما قال سبحانه ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ وقال تعالى ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً﴾ وإذا تمرَّد العبادُ على شرعِ اللهِ، وفَسقوا عن أمرِه؛ أتاهم العذابُ والنَّكالُ، مِنَ الكبيرِ المتعالِ. فإذا كان العبادُ مُطيعين للهِ عز وجل، مُعظِّمين لِشَرْعِه؛ أغدق عليهم النِّعَمَ، وأزاح عنهم النِّقَمَ، وإذا تبدَّل حالُ العبادِ مِنَ الطاعةِ إلى المعصيةِ، ومِن الشكرِ إلى الكفرِ؛ حلَّتْ بهمُ النقمُ، وزالت عنهمُ النِّعمُ. فكُلُّ ما يحصلُ للعبادِ مِنْ مِحَنٍ، وكوارثَ ومَصائبَ؛ فبما كسبتْ أيديهم ويَعفو عن كثيرٍ؛ وإنَّ ما نسمعه ونشاهده، مِنْ هذه الآياتِ الكونيةِ؛ رياح وأعاصير، لهي آيةٌ مِنْ آياتِ الله، التي تَجعلُ المؤمنَ متَّصِلاً باللهِ، ذاكِراً له، شاكرًا لِنِعَمِه، مُستجيرًا به، خائفًا مِن نِقمَتِه وسَخَطِه. قال سبحانه: ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ أي: لا يتفكَّرون فيها ولا يَعتَبِرون بها.

عباد الله: إنَّ الريحَ جُندٌ مِن جنودِ اللهِ تعالى، التي لا يُقاوِمُها شيءٌ، فإذا خرجتْ عن سرعتِها المعتادةِ -بإذنِ ربِّها-؛ سواء في البر أو البحر، دمَّرتِ المدُنَ، وهدَّمَتِ المباني، واقتلعتِ الأشجارَ، وصارتْ عذابًا على مَنْ حلَّتْ بِدارِهِمْ.

فلما عَتا قومُ عادٍ وقالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾؟! أرسلَ اللهُ عليهمُ الريحَ العقيمَ، فقال جلَّ وعلا: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كما عند (م) عن عائشةَ قالت: إذا كان يومُ الريحِ والغَيْمِ؛ عُرِفَ ذلك في وجْهِه، وأقْبَلَ وأدْبَر‏.‏ فإذا مطرتْ؛ سُرَّ به، وذهب عنه ذلك.‏ قالت‏:‏ فسألتُه‏،‏ فقال‏:‏ « إنِّي خَشيتُ أنْ يكونَ عذابًا سُلِّطَ على أمَّتِي» وعند (م) أيضاً أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم كان إذا عَصفتِ الريحُ قال‏:‏ ‏«اللهم‏‏ إنِّي أسألك خَيرَها، وخيرَ ما فيها، وخيرَ ما أرسِلَتْ به،‏ وأعوذُ بك مِن شرِّها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أُرسِلَتْ به».

  ونقل ابنُ كثيرٍ: عن عبدِ الله بنِ عمرٍو قال: "الرياحُ ثمانيةٌ: أربعةٌ منها رحمةٌ، وأربعةٌ منها عذابٌ. فأما الرحمةُ: فالنَّاشِراتُ والمبَشِّراتُ والمرْسَلاتُ والذارِياتُ. وأما العذابُ: فالعقيمُ والصرْصَرُ -وهما في البَرِّ-، والعاصِفُ والقاصِفُ -وهما في البحرِ-، فإذا شاءَ سبحانه وتعالى، حَرَّكهُ بِحرَكةِ الرحمةِ؛ فجعله رُخاءً ورحمةً وبُشرَى بين يدَيْ رحمتِه. وإن شاءَ حرَّكه بِحركةِ العذابِ؛ فجعله عقيمًا وأودَعَهُ عذابًا أليمًا، وجعله نِقمةً على مَن يشاءُ مِن عبادِه؛ فيَجعلُهُ صَرْصَرًا وعاتِيًا ومُفسِدًا لِما يَمُرُّ عليه".

  عباد الله: وإنَّ مما ينبغي الحذرُ منه: نسبةُ هذه الظواهرِ إلى الطبيعةِ! كما يُسميها بعضُهم: "غضبَ الطبيعةِ"!! وكما يقول بعضُهم: إنَّ هذه ظواهرُ طبيعيَّةٌ، لها أسبابٌ معروفة، لا علاقةَ لها بأفعالِ الناسِ ومعاصيهم!! كما يَجرى ذلك على ألسنةِ بعضِ الصحفيِّينَ والإعلامِيِّين، حتى صار الناسُ لا يَخافون عند حدوثِها، ولا يَعتبِرون بها. فنسألك اللهم لطفك ورحمتك، يا قريب يا مجيب.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: تتعرض هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لهجمة شرسة عبر بعض وسائل الإعلام، حتى انخدع بكلامهم أناس، ولهؤلاء وأمثالهم نقول: إذا تعطلت هذه الشعيرة، ودك هذا الحصن، وحطم هذا السياج، فعلى معالم الإسلام السلام، تعم الغفلة ، وتضمحل الديانة، وتفشو الضلالة، وتشيع الجهالة، ويستشري الفساد، ويتسع الخرق، وتخرب البلاد، ويهلك العباد، وويل يومئذ للفضيلة من الرذيلة، وويل لأهل الحق من المبطلين، وويل لأهل الصلاح من سفه الجاهلين، ومن تطاول الفاسقين. وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد. لا تكون ضعة المجتمع، ولا ضياع الأمة، إلا حين يترك للأفراد الحبل على الغارب، يعيشون كما يشتهون، يتجاوزون حدود الله كما يريدون، يعبثون بالأخلاق، ويقعون في الأعراض، وينتهكون الحرمات، من غير وازع أو ضابط، ومن غير رادع أو زاجر. فتسود الفوضى، وتستفحل الجريمة، ويقل الوازع، ويأمن المخالف، أما تسمعون بكثرة الزنا، أما يتردد على مسامعكم كثرة الإركاب، أما تلاحظون قلة الحياء والاختلاط، في الأسواق والمستشفيات، و المطارات و المنتزهات، والاستراحات والحفلات. تهاون بالحجاب،و تمرد على الجلباب،وخروج على القيم، وتهاون بالأخلاق.

عباد الله: اتقوا الله واحذروا من فتنة الجهال والمضللين، الذين كثر وجودهم في هذا الزمان، وتيسرت لهم الطرق لبث شرهم، وترويج باطلهم، عن طريق بعض الصحف، ويا أيها المفترون... قد وقعتم في الرذيلة، وامتطيتم القلم وسيله، ألا تخافون من يومٍ مدّته على الكافرين طويلة، وعلى المؤمن كساعةٍ في مقيله، فالناس عندها لنجدة المذنبين بخيله، ولن ترضى نفس بأن تكون عنه بديله.

ويا أهل الصحافة...اتركوا هذه السخافة، فمهما زرعتم بيننا المخافة، أو طلبتُم معاملةً للمُذنبِ شفّافة، أو غطّى باطلكم الحق بلحافه، ففي النهاية أنتم مجرد صحافه، وكل واحد منكم رقباؤه على أكتافه !!! ملكان لا يضلان، بل يُثبتان، لما تكتبون يسجّلان،بل يستنسخان، فاطبعوا الأوراق، لتكون لكم في عناق، قبل أن تكون عليكم كالوثاق، تلتف بالأعناق ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً﴾ .

ويا أيها الصابرون...وعلى البلاء محتسبون، لا تدَعوهم يخطّطون، فلكم أجر ما تفعلون، وعليكم أن تكتبوا كما يكتبون، وتناصحوهم ولا تخافون، فإنهم سيدّعون، أنهم لا يسمعون، وكأن جُرمكم لديهم ثابتٌ غير مطعون، يتكلمون وكأنهم يرون، يكتبون وكأنهم مُقدّسون. غرّتهم الشهرة والعظمة، فسلّ كلٌ منهم قلمه، على من ؟ على الأمة، وهو لا يعلم مَنْ وراءَ هذه الملمّة، سوى أن الأغلبية بباب واحد مُهتمّة، فشمّرَ للمُهمّة، دون طريق يرسُمَه. يجمع ليوم القيامة، قرائناً تطيل مقامة، ويسير المسكين إلى حتفه، رغم أنفه.

عبد الله: إن رجال الهيئة.. يسعون ليل نهار، من أجل وقاية المجتمع، ومن أجل ابني وابنك، وابنتي وابنتك، وأسرتي وأسرتك، ومن أجل أن يصبح مجتمعنا مجتمعاً متعافياً نقياً، صالحاً سليماً من الآفات الاجتماعية، والعادات الدخيلة، ومن أجل القضاء، أو على الأقل، التخفيف من المشاكل الاجتماعية، التي تهدد أمن وسلامة المجتمع، اجتماعياً، وسلوكياً، وأخلاقياً، ونفسياً.

فاللهم إنا نسألك أن توفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لما فيه رضاك يا سميع الدعاء، اللهم كن لهم ناصراً ومعينا، ومؤيدا وظهيرا.

اللهم لا تؤاخذنا بما فعلنا، ولا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا إنك سميع مجيب الدعوات.