السفر عبر القنوات الفضائية وخطره

بسم الله الرحمن الرحيم

السفر عبر القنوات الفضائية وخطره

الحمد لله ... أما بعد:

عباد الله: إن من أعظم ما يفسد دين المسلم، ويجعله رقيقاً، السفر إلى بلاد الشرك والوثنية، يقول صلى الله عليه وسلم : «أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا تراءى ناراهما». فبلاد الكفار، فيها الكفر والإلحاد، والانحطاط في السلوك والأخلاق، ما يجعل المرء يأنف من البقاء فيها، فكيف والنهي في ذلك ظاهرٌ، والدليل قائمٌ، جاء جرير بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابسط يدك حتى أبايعك، واشترط عليَّ فأنت أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم : «أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين».

وعن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم».

وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين» .

وإن مفاسد السفر إلى بلاد المشركين ليست بتلك الخفاء حتى نحتاج إلى أن نعددها، ولكن في أحيان كثيرة، يكون السفر إلى بلاد من بلاد المسلمين أشد ضرراً؛ ذلك لأنها بلدان يُميَّع فيها الدين باسم التمسك به، وضعوا لهم علماء سوء يزينون لهم ما يريدون.

وظلم ذوي القربى أشد مظاظة *** على النفس من وقع الحسام المهند

عباد الله: إنني أتكلم عن سفر ليس في أذهان الكثير، بل حتى لا يحسبونه سفراً، إنه ليس السفر المعتاد، الذي ينال المسافرَ فيه مشقةٌ وتعب، ففيه حل وارتحال، وغربة عن الأوطان.

إنني أتكلم عن سفر: لا يحتاج إلى جوازات ولا حجوزات، ولا إلى أخذ أهبةٍ واستعداد، ولا إلى مرافق، بل مرافقه الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء، ليس للمسافر فيه سن معين، فهو أمير نفسه، يذهب كيف يشاء، ويتنقل بين البلدان كما يرغب، سفر يخلو الرجل فيه بمن شاء، من نساء كاسيات عاريات، يضحك معهن، ويقلب بصره في حسنهن، قد انتُزِع منه حياؤه.

إنه يا عباد الله: سفر، المرأة فيه تسافر لوحدها لا محرم معها، تختلط فيه مع الرجال، تضحك لضحكهم، وتحزن لحزنهم، ووالدها ينظر، وزوجها يبصر، وأخوها يعلم، ولكنهم لا يحركون ساكناً.

الصغير في هذا السفر له متعة خاصة، ولكنها هادمة للعقيدة، مفسِدة للفطرة، منافية للأخلاق، يتعلم الصغير في هذا السفر ما يستحى من الحديث عنه الكبار.

لا غرو إذن يا عباد الله: أن يعود الناس من هذا السفر، بعقائد منحرفة، وفطرٍ منكوسة، وأخلاق فاسدة، وإن الناظر فيما يستجد بين المسلمين اليوم، من أعيادٍ شركية، وبدع قولية وفعلية، لو تأمله الإنسان لعلم أن مبدأه تأثر الناس بالمشركين، عن طريق هذا السفر.

فما تحدث الناس وفتحوا أفواههم، في الحديث عن المرأة، وحاولوا تغريبها، إلا لأن أعداء الملة أظهروا لهم المرأة عبر هذا السفر، في صور لها وجهان، وجهٌ ظاهر مزين أمام الناس، والخفي عارٍ من الأخلاق، هي فيه سلعة رخيصة لا وزن لها.

إن السفر الذي أتحدث عنه: هو سفر الإنسان بعقله وقلبه إلى بلاد الانحلال والشرك والمجون، عبر القنوات الفضائية، التي غزت بيوت فئام من الناس.

فهو أشد ضرراً وخطرا، وأقبح نتيجة، من السفر إلى تلك البلاد بالجسم؛ لأن المسافر بجسمه يستطيع أن يقارع الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، لكنّ الذين يقضون أوقاتهم أمام هذه القنوات، هم فقط يتلقون ويسمعون لا أقل من ذلك.

عباد الله: إنه إن تجوز أناس بإباحة هذه القنوات الفضائية، إلا أنهم يقرون ولابد بأن ما فيها من خير، غارق في بحار من الظلمات ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَ﴾ فهي إن سلمت من الدعوة إلى الشرك الصريح، فلن تسلم من الدعوة إلى الانحلال الخلقي والفكري والسلوكي، ولن تسلم من علماء سوء يزينون للناس ما أرادوا، باسم السهولة والتيسير.

وأكبر شاهد على ذلك: أننا أصبحنا نسمع ونقرأ، عمن يتحدثون ويشككون في أمور هي من مسلمات العقيدة، ويجادلون فيها، وما جاء ذلك منهم إلا تأثراً بمثل هذه القنوات.

أما جانب الأنباء والأخبار، فحدث ولا حرج، كم قُلبت من حقائق، وكم أثيرت من فتن، وكم كبر من صغير، وعظم من حقير، بسبب نشرة أخبار، أو تحليل أنباء، ونسي الناس، أن أكثر هذه القنوات قد سبحت في بحر الصهيونية، أو خاضت في غمار الماسونية.

عباد الله: إنْ وُجد الحياء في نفس المرء منعه من الكثير، وحال بينه وبين الحقير، وأما إذا خلع المرء بُرقُع الحياء، ولم يعد في وجهه للمروءة ماءٌ، أتى السيئات وهو يظن نفسه محسنا، وتجرأ على المنكر الشنيع، وهو يحسبه هينا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: مع قرب حلول شهر رمضان المبارك – بلغنا الله جميعاً إياه –نجد في كثير من وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة والمقروءة، تلك الدعايات التي تدل على استعداد مشين، لهذا الشهر الكريم، من قِبل هذه القنوات الفضائية، مسلسلات ماجنات، ومسرحيات هابطات، أفلام وسهرات، طرب وغناء، رقص وقلة حياء.

فنقول لكل من رضيَ أن يُدخل مثل هذه القنوات في بيته، ثلاثة أمور هي ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:

الأولى: أن الله عز وجل، أمر الناس أن يتقوه في أنفسهم، فأين تقوى الله في مثل هذه المعصية، حين تجول ببصرك بين أمور محرمة ومنكرة.

الثانية: أن الله أمرك بأهل بيتك، أن تقيهم النار ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ أي أنقذوا أنفسكم من نار الله الرهيبة الموجعة، وأنقذوا معكم أهليكم الذين تزعمون أنكم تحبونهم، فكيف تحبونهم وأنتم تلقون بهم في مجالات خطرة، وصور منحلة، وعفن ماجن.

ألا يخشى من رضي لأولاده وأهل بيته بمثل هذه الأمور، من مغبة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عند (م): «ما من مسلم يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة» ولا أعلم أحداً ينازع في أن مثل هذه القنوات، من الغش للأهل والأولاد.

فإن أبيت يا هداك الله: إلا السير خلف هوى نفسك، ومطاوعة الشيطان، فأذكّرك أمراً ثالثاً: وهو أن أمامك أمرين لا محيص لك عنهما: وهي أنك تتقلب في نعم الله صباحَ مساء، ألا تخاف أن يفجأك الله بعقوبة من عنده؛ فما أكثر العقوبات الدنيوية.

وإن أبيت إلا الإصرار على الذنب، فإن أمامك أمراً ثانياً لن تنجو منه، وهو المبيت في حجرة مظلمة، يملأ التراب فاك، وينخر الدود عظامك، ثم تقف حافياً عارياً أمام الله يوم القيامة، ويزيد من ألمك وحسرتك أن أهلك وذويك، سيتعلقون بك في ذلك اليوم، يريدون حقوقهم، كيف خدعتهم وغششتهم، سيتعلق بك زوجتك وابنتك، وأخوك وابنك ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. فإلى كل من وضع هذا الجهاز في بيته، أقول: ستقف والله بين يدي الله يوم القيامة، وسيسألك فماذا ستجيب أمام علام الغيوب؟!

عباد الله: إن من يعلم بضرر هذه القنوات، وقبيح عاقبتها ثم لا يستجيب لنداء، ولا يرعوي لموعظة، فلا عليه إذن أن يجد على رقبة ابنه ناقوساً أو صليباً، ولا عليه أن يرى أبناءه يترنحون من أثر المسكرات والمخدرات، ولا عليه أن يرى ابنته ومحرمه تصادق خليلاً، وتخرج وتدخل بلا حياء ولا غيرة، ولا عليه إذن أن يسمع عن علاقات محرمة بين نساء متزوجات مع أخدان وأصحاب.

إن ما يبصره المرء عبر هذه القنوات، لا بد أن يتأثر به، وإن طال الزمن، ولكن الشيطان يُعمي ويصم.

فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام استر عوراتنا...