احذروا الغناء

بسم الله الرحمن الرحيم

احذروا الغناء

يعيش أهل الإسلام في ظل هذا الدين حياة شريفة كريمة، يجدون من خلالها حلاوة الإيمان، وبرد اليقين والاطمئنان، وأنس الطاعة، ولذة العبادة، وتقف تعاليم هذا الدين حصنًا منيعًا ضد نوازع الانحراف وأهواء المنحرفين، تصون الإنسان عن نزواته، وتحميه من شهواته، وتقضي على همومه وأحزانه، فما أغنى من والى دين الله وإن كان فقيرًا، وما أفقر من عاداه وإن كان غنيًا.

أيها المسلمون:وإن مما يحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، وينشدون البهجة فيما عداه، يضعون السموم على الأدواء مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء في عاجلات الشهوات والأهواء.

عباد الله: آفة من الآفات، وبليّة من البليّات، ومرض من أمراض القلوب المفسدة لها، يقول عنها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "فلعمرو الله، كم من حُرّةٍ صارت به من البَغَايا، وكم من حُرٍّ أصبح به عبدًا للصبيان والصبايا، وكم من غيورٍ تبدّل به اسمًا قبيحًا بين البرايا، وكم من ذي غنى وثروة أصبح بسببه على الأرض بعد المَطَارِف والحَشَايا، وكم أهدى للمشغوف به أشجانًا وأحزانًا، وكم جَرّ من غُصّةٍ وأزال من نعمةٍ وجلب من نقمةٍ، وكم خَبأ لأهله من آلام منتظرةٍ وغموم متوقّعة وهموم مستقبلة".

أيها المسلمون: إن من أبطل الباطل، وأبين المحال أن يقول أحد من أهل العلم والإيمان بإباحة الغناء المعروف اليوم، المشتمل على كل مفسدة، الموقع في كل مهلكة، غناءٌ يضجُّ بوصف العيون، ومحاسن المعشوق، وألوان العتاب، ولواعج الاشتياق، وآثار القلق والفراق، صوت شيطاني، يتغلغل في القلوب، يثير كامنها، ويحرك ساكنها، إلى شهوات الغي والردى.

عباد الله : جاءت الآيات القرآنية بتحريم الغناء وتقبيحه، يقول الله جل جلاله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إنه الغناء، إنه الغناء، والذي لا إله إلا هو".

أيها المسلمون: الغناء صوت الشيطان، يستفزّ به بني الإنسان، إلى الفجور والعصيان، فالواجب على كل مسلم تجنبه والإعراض عنه، يقول تبارك وتعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ .

عباد الله: اهجروا الأغاني وآلات الملاهي؛ فإنها رائدة الفجور، وشَرَك الشيطان، ورقية الزنا، يقول يزيد بن الوليد: "يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر" وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي، التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينب العشبَ الماء" .

أيها المسلمون: احذروا أسباب سخط الله وغضبه، وإن ظهور الأغاني وآلات الملاهي من أسباب سخط الله وحلول عقابه، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير» رواه ابن ماجه

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ، قيل: يا رسول الله، ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور» أخرجه الترمذي، ويقول الضحاك: "الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرب" .

إن استماع الأغاني والعكوف عليها من أعظم مكائد الشيطان ومصائده التي صاد بها قلوب الجاهلين، وصدهم بها عن سماع القرآن الكريم، يقول الشافعي رحمه الله تعالى: "خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير، يصدون به الناس عن القرآن" .

الخطبة الثانية

السمع أمانة عظمى، ومنة كبرى، امتن الله على عباده بها، وأمرهم بحفظها، وأخبرهم بأنهم مسؤولون عنها، وإن استماع الأصوات المطربة، وما يصحبها من المزامير جحود لهذه النعمة، واستخدام لها في معصية الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه» رواه مسلم

عباد الله : إن تعظيم الأغاني وآلات الملاهي، وإظهار أصحابها بمظهر السيادة والريادة، دعوة للناس إلى الغي والضلال، وصدّ لهم عن كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا» رواه مسلم

أيها المسلمون: عجبًا من أمة تغني طربًا في حين أنها أمة مثخنة بالجراح والدماء، مثقلة بتلال الجماجم والأشلاء، يُنال من كرامتها، ويُعتدى على أرضها وعرضها، ومقدساتها في الصباح والمساء، تغني طربًا، وكأن لم يكن ثمّ حروب شديدة، ووقائع مبيدة، وقتال مستعر، وأمم من المسلمين تحتضر، نعوذ بالله من موت القلوب وطمس البصائر.

أيها المسلمون: نزهوا أنفسكم وأسماعكم عن اللهو ومزامر الشيطان، وأحلوها رياض الجنان، حلق القرآن، وحلق مدارسة سنة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، تنالوا ثمرتها، إرشادًا من غي، وبصيرة من عُمي، وحثًا على تقى، وبُعدًا عن هوى، وحَياةَ القلب، ودواء وشفاء، ونجاة وبرهانًا، وكونوا ممن قال الله فيهم: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾ وممن قال فيهم جل وعلا: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ .

أليس الغناء يهيج النفوس إلى الشهوات، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، أليس هو الذي يسوق النفوس إلى كل وصل حرام؟ فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صِنْو الخمر ورضيعه، ونائبه وحليفه، وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسح، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تنسخ، وأكثر ما يورث الغناء عشق الصور، واستحسان الفواحش.

عبدالله: يا من ابتلي في نفسه وفي بيته بهذه المعصية بادر بالتوبة فإن ربك غفور رحيم، هو القائل: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ بادر بالتوبة الصادقة، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

اللهم أصلح الراعي والرعية والأمة الإسلامية، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واعصمنا من الفتن والشرور، وانصر إخواننا المجاهدين في الثغور، واغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وأمواتنا يا عزيز يا غفور