السحر وأضراره (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

السحر وأضراره (1)

عباد الله، اتقوا الله في الورود والصَدَر، وراقبوه فيما بطن من الأمور وظهر، واعبدوه حق عبادته في الآصال والبُكر، واشكروا نعمه فقد تكفّل بالمزيد لمن شكر، وخافوا مقامه واحذروا بطشه كل الحذر

عباد الله: لقد ابتلي بعض الناس في أيامنا هذه بضعف الإيمان، والركون إلى وساوس الشيطان ، حتى أصبح الفرد يبحث عن ضالته ومبتغاه، وإن كان فيها سخط الله .

أيها المسلمون:أمر عظيم، ذنب كبير، وشر مستطير، مفرق الجماعات، وهادم الأسر، فكم من أسرة فرق شملها، وكم من صحيح أعل صحته، وكم من سعيد سلب الفرحة من قلبه، وكم من شفة أزال البسمة عنها، إنه كهف مظلم بظلام آثاره، ومستنقع قذر بقذارة أهله.

إنه السحر. تلك الرقى والعقد التي تؤثر في الأبدان والقلوب، فيُمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ولا يكون ذلك إلا بإذن الله.

فمن الناس من إذا ما ابتلي بمرض، ولم يجد معه العلاج، أصيب باليأس والقنوط، الذي يفتح للشيطان عليه باباً، يزين له من خلاله الذهاب إلى السحرة، عله أن يعرف دواء لعلته ، ونسي أن الله سبحانه لم يجعل شفاء فيما حرم.

أيها الناس: اعلموا أن السحر حقيقة موجودة، ولها تأثير في واقع الناس، ولو لم يكن موجوداً وله حقيقة، لما وردت النواهي عنه في الشرع، والوعيد على فاعله، والعقوبات على متعاطيه.

واعلموا أن الساحر لا يكون ساحراً حتى يكفر بالله العظيم ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ﴾. وقال عليه الصلاة والسلام: «ومَن سحَر فقد أَشرَك» رَواه النسائيّ، قال في فتحِ المجيد: "هذا نصٌّ في أنَّ الساحرَ مشرِك؛ إذ لا يتأتَّى السِّحر بدون الشّرك".

وإذا عرفت الساحر فلا يجوز لك المجيء إليه، ،فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم «من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً» ومن ذهب إلى الساحر وصدقه فقد كفر بالله العظيم فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ».

أيها المسلمون، إياكم والذهاب إلى السحرة، والكهان والمشعوذين، والرَمَّالين والعرافين والمنجمين، وأهل الأبراج وقراءة الكف والفنجان، الذين يدعون علم المغيبات، والكشف على المضمرات، فإنهم أهل غش وتدليس، وخداع وتلبيس، ونمنمات وتمتمات، وخرافات وخزعبلات، واستعانة بالجن واستغاثات، وحُجب تحوي حروفاً وأرقاماً وإشارات، بل إنهم يطلبون ممن يأتيهم ذبح حيوانات بألوان وصفات، يلطخون بدمها الأجساد والحيطان والعتبات، وهم في ذلك يتقربون للجان، ويعبدون الشيطان، ويشركون بالرحمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «لعن الله من ذبح لغير الله» رواه مسلم.

أيّها المسلمون، السّاحِر أخبَثُ الناس نَفسًا، وأفسدُهم طَبعًا، وأظلَمهم قَلبًا، قَريبٌ من الشّيطان، عابدٌ له، مدبِرٌ عن الخير، ناقِمٌ عَلى المجتمَع، متَّصِف بأحقرِ الصّفات، يَكذب على من يأتيه بالأخبارِ المزيَّفة، قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم «فيُلقيهَا على لسانِ السّاحر أو الكاهن، فيكذِب معها مائةَ كذبَة» متفق عليه

الساحر يمكُر بالآخرين، فيَدعوهم إلى الشّرك، فقد يَأمر من يأتيه بالذَّبح لغير الله، وقَد يأمرُه بتعليقِ تميمةٍ زاعمًا النفعَ منها ودفعَ الضرِّ بها، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن تعلَّق تميمةً فقَد أشرَك» رواه أحمد

السّاحِرُ ضرَرُه محضٌ على المجتَمع، وأفعالُه ظُلماتٌ متراكِبة، أوقَع أفرادًا من المجتَمع في الشّرك، وأحلَّ به الخُطوبَ، شتَّت بيوتًا سعيدَة، وفرّق بين زوجَين متآلِفَين، فذاقَ بسبَبه الأبناءُ الأبرياءُ مرارةَ الحَياة، وتعرَّضوا بفُرقةِ والدِيهم لأسبابِ الانحرَاف، جلَب للنّاسِ الهمومَ والكروب، فكم من إنسانٍ مُعافى تسبَّب الساحر في مرَضه، وكم من فقيرٍ تحمّل ديونًا طلبًا لعافيةٍ سلَبها منه السّاحر، وكم أكَل السّاحر من الأموال سُحتًا، لقاءَ ما يزعمُه من الدّواء أو عِلم الغَيب، وكم من إنسانٍ أخرَجه الساحِر من الدّين لتصديقِه خَبرًا من الغيب لا يعلَمه إلا الله.

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: إن السحرة جنس من البشر وقعوا في سخط الله وغضبه وأوقعوا كل من يأتيهم لقضاء حاجته في نفس ذلك المصير؛ ولتفاقُمِ خطَر السّحَرة على المسلِمين جاء حُكمُهم بقَطعِ أعناقِهم لتسلَمَ المجتمعاتُ من شرورِهم، فعند الترمذي من حديث جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» وكتب عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمّاله أن اقتُلوا كلَّ ساحِر وساحرة .

أيّها المسلمون، مَن كان قَريبًا من اللهِ ابتعَدت عنه الآفاتُ والشّرور، والإكثارُ من ذِكرِ الله مِن أسبابِ مَنع وقوعِ السِّحر، والمحافظةُ على صَلاةِ الفجر جماعةً حِصنٌ مِن الشّرور، وَسورَةُ البقرة سورَةٌ مباركَة، قال عليه الصلاة والسلام: «اقرَؤوا سورةَ البقَرة، فإنَّ أخذَها برَكة، وتركها حَسرة، ولا تستطيعها البَطَلة» يعني السحرَة. رواه مسلم

وقِراءةُ المعوِّذَتين في أوَّل النهار وآخرِه تدفَع السّحرَ، قال عليه الصلاة والسلام لعُقبةَ بن عامِر رضي الله عنه: «تعوَّذ بهما، فما تعَوَّذ متعوِّذٌ بمثلِهما» رواه أبو داود

ومَن قرأ الآيتين من آخر سورةِ البقرة في ليلةٍ كفَتاه من الشّرور، وأَكلُ سبعِ تمرَات من تمرِ العجوَة تمنَع السّحر، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : «من تصبَّح بسبعِ تمراتٍ عجوة لم يَضرَّه ذلك اليوم سمٌّ ولا سِحر» متفق عليه.

واحذَروا المعَاصيَ ، فإنها مِن أعظمِ ما يجلب الشياطينَ إلى البُيوت، وإذا خَلا جوفُ العبد من ذِكرِ الله، أو قلّت عِبادتُه لمولاه، تسلَّطَت عليه الشيَاطينُ، وسهُل وُصول الضرَرِ إليه، فأكثِروا من قِراءةِ القرآن، واشغَلوا أوقاتَكم بذكرِ الله، فالقرآن شفاءٌ من الأدواء، وذكرُ الله يحْرسُ العبدَ مما يؤذيه ويشرَح الصدرَ ويُطَمئِن القلب ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ والرقية الشرعية نافعة بإذن الله، ولا يشترط أن تكون من شخص معين. واحذروا كل الحذر ممن يجيز فك السحر بالسحر فقد فتح بابا للشر عظيم، وخالف أقوال المفتين، وغاب عنه خطر هذا القول، من زعزعة التوحيد، ومخالفة النصوص.

أيّها المسلمون، المسحورُ مظلومٌ، وقد يُعوِّضه الله عن النّعمة التي حُسِد علَيها بنعمةٍ أعظَمَ منها، والله يبتلِي من يحبّ مِن عباده رفعةً له وتكفيرًا لسيّئاته، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «من يُردِ الله به خيرًا يصِب منه» رواه البخاريّ.

فلا تحزَن على ما أصابك، فالله يبتلي عبدَه المؤمِن ليقرّبَه إليه، ولا تسخَط بسبَب ما حلَّ بك، ولا تجزَع مما كتَبَه الله عليك، فقد يَكون ذلك سببَ سعادَتك، قال سبحانه: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ وأكثِر من دعوة ذي النون: "لا إله إلا الله أنت، سبحانَك إني كنت من الظالمين"، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «لم يَدعُ بها مسلِم قطّ إلاّ استجابَ له» رواه الترمذيّ.

ولازِم الاستغفارَ تفرَج عنك الهمومُ ويُزاح ما ألمَّ بك مِن الكروب، فالجَأ إلى الله، وأكثر منَ الاستغفار والدعاءِ، ففرَجُ الله قريب، وإيّاك واليَأسَ مِن رَوح الله.