احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك

 الجمعة : 8/4/1422هـ (18)

إن الحمد لله

أيها المؤمنون كم مضى من عمر الحياة ، وكم سلف من العصور ، وكم تقلب من الدهور ، أمم على إثرها أمم ، وأجيال تعقب أجيالاً، ورجال على إثر رجال ، أحوال متباينة ، وصور متغايرة ، وأمور تدار ، والله يخلق ما يشاء ويختار .

سنن الله معلومة ، وآياته ظاهرة ، من تأملها فعمل بمراد الله نجا ، ومن سبرها فانتهى عن نواهيه سلم ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا أن أن يضروك بشيء فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما وكان فتى صغيراً .

كم من عباد الله قد بذلوا أوقاتهم ، وأفنوا أعمارهم ، تقرباً إلى الله في حال الرخاء ، فلما جاءت الشدائد ، كان الله معهم ، نصرهم وآواهم ، حفظهم وكفاهم ، ومما سألوه أعطاهم ، هذا أبو الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم يلقيه قومه في النار فيأتيه الحفظ الآلهي ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ

وهذا يونس صلى الله عليه وسلم يسقط في لجج البحار فيبتلعة الحوت فهو في ظلمة جوف الحوت في ظلمة جوف البحر في ظلمة الليل في ظلمات ثلاث فلا أحد يعلم مكانة ولا أحد يسمع نداءه ولكن يسمع نداءه من لا يخفى عليه الكلام ويعلم مكانة من لا يغيب عنه مكان فدعا وقال وهو على هذه الحال لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فيجيء الجواب الإلهي ﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أتاه الجواب بالنجاة ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال الحسن البصري ماكان ليونس صلاة في بطن الحوت ولكن قدم عملاً صالحاً في حال الرخاء فذكره الله في حال البلاء وإن العمل الصالح ليرفع صاحبة فإذا عثر وجد متكأً ولا يزال الله عز وجل يلطف بأوليائه وعباده الصالحين يتواالى عليهم في حال الشدائد والكرب فيفرج كربهم وينفس شدائدهم حيث كان لهم مع الله معاملة في الرخاء وهذا نبي الله أيوب كان كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه وكان له أولاد كثير وأهلون فسلب ذلك كله وابتلي جسده بأنواع البلاء لم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما ربه . وطال مرضه حتى عافه الجليس وأوحش منه الأنيس فعند ذلك نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فيأتيه الجواب فاستجبنا له فكشفنا مابه من ضر وأتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين وزكريا يدخل على مريم فيجد عندها رزقا يجد عندها فاكهه لم يأتي أوان حصادها بعد قال أنا لكي هذا قالت هو من عند الله ورجع زكريا وفكر ورأى فإذا هو طاعن في السن وامرأته مع كبر السن عقيم لاتلد ولكن الذي يرزق الشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولداً وإن كان طاعن في السن و امرأته عاقر .﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّ﴾ ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ فجاءه الجواب ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّ﴾ .

الخطبة الثانية

ثم استخبر خبر الثلاثة من بني إسرائيل الذين قص النبي عليهم السلام قصتهم وأخبر خبرهم يوم أن آواهم المبيت إلى غار فتدهدهت عليهم صخرة عظيمة أغلقت فم الغار فإذا الغار صندوق مغلق محكم الإغلاق مقفل موثق الإقفال إن نادوا فلن يسمع ندائهم وإن استنجدوا فلا أحد ينجدهم وإن دفعوا سواعدهم أضعف وأعجز من أن تدع صخرة عظيمة سدت باب هذا الغار وكانت كربة وكانت شدة فلم يجدوا وسيلة يتوسلون بها في هذه الشدة إلى أن يتذكروا معاملتهم في الرخاء فدعوا الله في الشدة بصالح أعمالهم في الرخاء . دعا أحدهم ببره بوالديه يوم أتا فوجدهما نائمين وطعامهما قدح من لبن في يده وصبيته يتضاغون من الجوع وكان بين خيارين إما أن يوقظ الوالدين من النوم وإما أن يطعم الصبية فيم يختر أياً من هذين الخيارين ولاكن اختار خياراً ثالثاً وهو أن يقف و القدح على يده والصبية يتضاغون عند قدميه ينتظر استيقاظ الوالدين الكبيرين والوالدان يغطان في نوم عميق حتى انبلج الصبح وأسفر الفجر فاستيقظا وبدأ بهما وأعرض عن حنان الأبوة وقدم عليه حنان البنوة على الأبوة فشرب أبوه وانتظر بنوه .

«اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه » ثم دعا الآخرين فتوسل إلى الله ومراقبته يوم أن قدر على المعصية وتمكن من الفاحشة ووصل إلى أحب الناس إليه ابنة عمه بعد أن اشتاق إليها طويلاً وراودها كثيرا وحاول فأعيته المحاولة حتى إذا كان أمكنته الفرصة واستطاع أن يصل إلى شهوته وينال لذته خاطبت فيه تلك المرأة مراقبة الله فقالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فارتعد القلب واقشعر الجلد ووجفت النفس وتذكر مراقبة الله تعالى فوقه فقام عنها وهي أحب الناس إليه وترك المال الذي أعطاها .

«اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه » ودعا الثالث فتوسل بعمل صالح قربه وهو الصادق و الأمانة حيث استأجر فأعطاهم أجرهم وبقي واحد لم يأخذ أجره فنماه وضارب فيه فإذا عبيد واشية وثمر ثم جاء الأجير بعد زمن طويل يقول : أعطني حقي لقد كان يستطيع أن يقول : هذا حقك أصوع من الطعام ولكنه كان أمينا غاية الأمانة نزيها غاية النزاهة فقال حقك ماتراه كل ثذه الماشية كلها لك فكانت مفاجأة لم يستوعيها عقل هذا الأجير الفقير فقال اتق الله ولا تستهزء بي فقال يا عبد الله إني لااستهزء بك إن هذا كله لك فاستاقه جميعا ولم يترك له شيئا .

«اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا مانحن فيه » وتنامت دعواتهم وتنامت مناجاتهم فإذا الشدة تفرج الضيق يتسع وإذا النور يشع من جديد فيخرجون من الغار يمشون .