آداب الرحــلات

بسم الله الرحمن الرحيم

آداب الرحــلات

إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له ، وأشهَد أنّ نبينا محمّدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا ، أمّا بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله حقَّ التقوَى ، فمَن اتّقى ربه نجا ، ومن أعرض عنه تردّى ، أيّها المسلمون : لقد درج الكثير من الناس في الأوقات المناسبة ذاتِ الهواءِ الطلق والأجواءِ الممتلئةِ هدوءا وجمالا وبهاء وخضرةً وأريحيةً أن يخرجوا للترويح والتمشي والنزهةِ وقضاءِ الساعات الطوال والليالي ذواتِ العدد بين نسمات الهواء العليل وتحت ظل الشمس الهادئة ومع أريج ضوء القمر وبين جنبات حبات المطر ، يخرجون في رحلاتٍ عديدة ، منها ما تكون للصيد ، ومنها ما تكونُ للاستجمام والراحة وتغيير الجو والبقاء في البر ، ومع اختلاف أنواع هذه الرحلات إلا أنها تحتاج إلى بيان وتفصيل ، وتوضيح وتنبيه ، ومناقشة وتوجيه ، لما يتعلق بها من مسائل مهمة يغفل عنها الناس ويتجاهلونها ، لأنها من القضايا المهمةِ التي تَدْخُل في واقع الناس ويقضي جزءٌ كثير من الناس أوقاتهم خلالها ، أيها الأحبة في الله :

الإسلام دين يُسر وسُهولة ، وفسحة وسماحة ، روى الإمام أحمد رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبني أرفدة : «خذوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود أن في ديننا فُسحة» .

وهذا الإسلام الجم لا يمنع مطلقا الترويحَ عن النفس ، ولا قضاء بعضِ الوقت في الاستجمام والراحة ، فإن لنفسك عليك حقا ، فقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدوا إلى السِلاع» [والسلاع هي مجرى الماءِ من أعلى الوادي إلى أسفله ، فإذا كان مجرى الماءْ مرتفعا ينسابُ إلى الأسفل ، فإن هذا الرأس يُسمى سِلَعة ، وكذا ما انحدر من الأرض وما أشرف منها ، أي ما علا من الأرض وأشرف على غيرها من الأراضي يُسمى سِلَعة ، وتُجمع على سِلاع ] .

قال العلماء في شرح الحديث : والمراد أنه كان يخرج إلى البادية لأجلها ، فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعضُ الأوقات يخرج فيها ليستجم ويروح عن نفسه عليه الصلاة والسلام ، وهذا النوع من الخروج إلى البادية عباد الله هو نوع محبب إلى النفس وفيه ترويح كبير ، إذ يتخلص المرء به من ضجيج المدن وزحامها وهمومها وأكدارها وأشغالها الشاغلة ، فيخرج إلى الخارج ليستنعم بالنعيم والهواء العليل والجوِ الصافي التي لا تكدره شائبة إلا من عصى الله تعالى فيه ، كما أنها فرصة سانحة لأن يتأمل المسلمُ ملكوتَ السموات والأرض ، فيرى السماء بصفائها وبهائها ، فيسرحُ بخياله في هذا الفضاء فيتذكر قولَه تعالى ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ وقولَه ﴿رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ وقولَه ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ .

ويرى النجوم بسحرها ووضوءها التي جعلها الله مناراتٍ في السماء تهدي المسافرين في ظلماتِ البر والبحر ، ويتأمل في تلك الشُهُب التي تظهر أحيانا وتحتفي أحينا ، يرسلها الله على الشياطينِ المسترقةِ للسمع الصاعدةِ في السماء فيتذكر قولَه جلا وعلا ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾ وقولَه تعالى ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ .

وينظر إلى القمر بروعته وجماله ، وابتسامته وطلاقة وجهه ، فيتذكر قولَه تعالى ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ القَدِيمِ (39) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ ثم يسرح بخياله مرة أخرى في هذه الأرض وكيفية انبساطها وكيف جعلها الله ذلولا نمشي في مراكبها ، ليتمكن الخلق من الانتفاع بها ، وفي هذه الجبال الشاهقة الراسية العالية التي هي بمثابة القاعدة للأساس ، فهذا الكون بجماله وكماله وسحره وأناقته مسارٌ في التفكر والتأمل في آيات الله تعالى المسطورة في كتاب الله والمنثورة في الكون التي هي في الأصل نوع من أنواع العبادة ، تحصل بجلاء لمن خرج إلى البر أو البادية ، لكن كثيرا من الناس يتفاوتون في خروجهم إلى هذه الجهات البرية ، فمن كان اللهُ تعالى شُغلَه الشاغل وهمه المهم ، فإنه يجعل من خروجه ذلك ورحلتِه تلك مرضاةً لله تعالى ، فيُقيمُ أساسها على تقوى من الله ورضوان لا يغفل عن ذكر الله وعن الآداب والأحكام لحظة واحدة ، أما إذا كان همه اللهو واللعب وتضييعُ الأوقات فإنه لعمر الله في غفلة عظيمة عن مثل هذه الآداب والأحكام مع ظنه أن الأمر لهو ولعب ومرح فقط ، والحقيقةُ ليست كما يريد ..

أيها المؤمنون :

إن للخروج في هذه الأماكن من البادية أو الرحلات البرية أو الشواطئ البحرية التي تكمن خارج المدينة آدابا وأحكاما يحسن بالخارج إلى مثل هذه الأماكن التنبهُ إليها والعملُ بها ، فمن الآداب المهمةِ التي ينبغي التأدبُ بها عند خروجنا لمثل هذه الأماكن : ذكر دعاء النزول ، فعن خولة بنت حكيم رضي الله عنه أنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم «من نزل منزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من مكانه» (رواه مسلم) وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لدَغَت عقربٌ رجلا ، فلم ينم ليلته ، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم ، إن فلانا لدغته عقرب ، فلم ينم ليلته ، فقال عليه الصلاة والسلام «أما إنه لو قال حين أمسى : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، ما ضره لَدْغُ عقربٍ حتى يصبح» فهذا الدعاء الذي يُقال عند النزول في أي مكان كما يقال في الصباح والمساء ، له أهمية كبيرة ومفعول عجيب ، فهو حري وكفيل بإذن الله أن يَمنع عنك لدغ العقاربَ والثعابينَ وطَرْفَ النمل ، إلا ما شاء الله تعالى من الغفلة التي تصيب القائل أو الناسي الذي ينسى هذا الدعاء فيقع في مقدور الله تعالى .

ومن الآداب أيضا : أنه يُسن للنازل أن يخصص مكانا للصلاة ، يصلي فيه ويرفعُ الآذان منه لكل صلاة في وقتها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي صعصعة المازني «إني أراك تحب الغنمَ والبادية ، فإذا كنتَ في غنمك أو باديتك ، فأذنْتَ بالصلاة فارفع صوتك بالنداء ، فإنه لا يسمع مدى صوتِ المؤذنِ جن ولا إنس ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» (رواه البخاري) وإن كان النازل قد خرج عن البلد مسافة السفر فإنه يجوز له القصر والجمع ، وقصر الصلاة في وقتها أفضل ، كما أن الجمع في حال الحركة أفضل ، ويؤذن من القوم أنداهم صوتا ، وإن كان الوقتُ وقتَ برد فإن المسلم يحرص على إسباغ الوضوءِ وإكماله ولو كان توضوءَ لكل عضو مرة مرة ، وقد يواجه كثير ممن يخرجون إلى البر حالاتٍ يحتاجون معها إلى غسل الجنابة ، فينبغي لمن خرج مع قوم أن يهيؤا مكانا للغسل مُحاطا من كل الجوانب حتى لا تؤذي الريحُ الباردةُ أجسادهم ، وأن يهيئوا من الماء الذي بين أيديهم ما يُسَهِّلُ لهم أمر الاغتسال من ماء ساخن ونحو ذلك ، فإن هذا مما يجب وجوبا لا تساهُل معه كما قال بعض العلماء ، أما لو فُرض أن الإنسان ما استطاع أن يغتسل لسبب ما فإنه يكفيه أن يتيمم ويأخذ بالرخصة في حالة الضرورة فقط ، وإلا فإن الأصل الاغتسال وإن كان المسلم في البر ، فأحكام المدينة هي أحكام البر وكذا العكس ، ومن الأحكام المتعلقة أيضا : المسح على الجوربين أو الخفين يوما وليلة للمقيم إن كانت المسافة أقلَّ من مسافة السفر ، وثلاثةَ أيام بلياليها إن كانت المسافة مسافة سفر ، ومما ينبغي معرفته أيضا حال الخروج إلى مثل هذه الأماكن : ما يتعلق بصلاة الجمعة ، فإن الخارج من مكانه إلى مكان يعد سفرا أو له حكم السفر فإنه لا تلزمه الجمعة ، وإن كان القوم قد نزلوا بجوار قرية يصلون فيها الجمعة فلهم الخيار في الذهاب إلى صلاة الجمعة أو البقاءُ في أماكنهم ، وإن ذهبوا كان خيرا لهم ، وعليهم أن يتنبهوا إلى أن صلاة العصر لا تجمع مع صلاة الجمعة أثناء السفر لعدم الدليل ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ، لأن صلاة العصر ليست من جنس الجمعة ، فصلاة الجمعة عبادة مستقلة عن العصر لها أحكامها وتشريعاتها كما أن العصر عبادة مستقلة عن الجمعة ، وكذلك يجب عليهم الحرصُ على الاستيقاظِ لصلاة الفجر ، فإن الغالب على من يخرج إلى مثل هذه الأماكن السهرُ الطويل الذي من خلاله يفوِّتُ عليهم صلاةَ الفجر ، وفي هذه الحالة يجب عليهم اصطحابَ ما يعينُهم في إيقاظهم من منبه وغير ذلك ، وإن لم يتمكنوا من جلب ما يوقظهم أو غلب على ظنهم عدمُ سماع ما جلبوه لإيقاظهم فإن من السنة أن يستيقظ واحد منهم طيلة الليل حتى يوقظهم لصلاة الفجر ، وإن تناوبوا كان حسنا .. المهم : الحرصُ على الصلاة في قتها ، ولا يكونُ الموقظ لهم في البر هي حرارة الشمس كما يفعل كثير من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولو فرض أنهم أخذوا بجميع الوسائل ثم ناموا وما استيقظوا ، فإنهم يقضون الصلاة متى ما قاموا ، ولا يصلوا في المكان الذي ناموا فيه بل عليهم أن يغيروا المكان ، والصلاة في الجماعة لها أجر عظيم ، ولا سيما إذا كان الناس في البر ، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاتِه وحدَه خمسا وعشرين درجة ، فإذا صلاها بأرض فلاة -في البر أو البادية- فأتم وضوءها وركوعها وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة» (حديث صحيح) لأن عبادة الله في تلك الأمكنة الخالية وتذكُرُهم له في تلك الأراضي المقفرة يدل على تأصُّلِ الإيمان في النفوس ، ومن الأحكام المتعلقة بالبر والبادية : من السنة أن يصلي الإنسانُ على الأرض مباشرة من غير بساط إن أمكنه ذلك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» وكان يصلي على الحصباء في مسجده عليه الصلاة والسلام ، وسجد في رمضان في ماء وطين ، حتى رؤى الماءُ والطينُ في جبهته ، وروى الطبراني مرفوعا «تمسحوا بالأرض فإنها بكم بَرَّة» والمقصود بالتمسح في الحديث : ملامسةُ جسدِ المصلي بالأرض أثناءَ الصلاة ، ومعنى برة : أي تبرُكُم كما تبُرُّ الأمُ ولدها ، وشبه النبي صلى الله عليه وسلم الأرض بالأم ، لأننا منها خلقنا ، فكأنها أُمُّنَا ، فإذا صلى فإنه لا يعبث بمس الحصى ومسحِ التراب وتسويتِه إذا سجد إلا مرة واحدة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح «لا تمسح وأنت تصلي ، فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوية الحصى» (رواه أبو داود) ومن الأحكام أيضا : أنه يتهيأ للخارج إلى البر تطبيُق سننٍ لا يمكن تطبيقها في المدينة ، كالصلاة في النعال فقد أمررنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال «صلوا في نعالكم ، ولا تشبهوا باليهود» (رواه الطبراني) فمثلُ هذا الحكمِ قد لا يتسنى لنا تطبيقه في مثل هذه المساجد المفروشة بالسجاد ، لأن فيها إتلافا لها وربما يلحقها أذى من الداخل بنعليه ، ومن ذلك أيضا : التفل تحت القدم اليسرى إذا احتاج إلى ذلك ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن أحدكم إذا صلى فإنه يناجي ربه ، فلا يتفلن عن يمينه ، ولكن تحت قدمه اليسرى» (رواه البخاري) ومن السنن أيضا : أن القوم إذا كانوا جماعة وذبحوا ذبيحة ، فليتحر الذابح النية لله تعالى فإنها عبادة عظيمة كما قال الله ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ فإذا ذبحت لتأكل فلا يكن همك التمتعَ بالذبيحةِ وسلخِها وتقطيعِها وطبخِها ، بل تذكر أن ذبحها عبادةٌ لله تعالى ، ومن تولى الذبح فليحرص على القيام بسنن وآداب الذبح من التسمية وتحري القبلة والرحمة بالمخلوق " ومما ينبغي التنبه له والتفطن في رحلات البر ، تجنب المنكرات التي تقع في تلك الأماكن كاختلاط الرجال بالنساء ، فينبغي البعدُ كلَّ البعدِ عما فيه شبهةٌ توقعُ الاختلاط بين الرجال والنساء والشباب والفتيات ، وكذلك التساهلُ في قيادة المرأة للسيارة في البر ، فإن كثيرا من الناس يسلمون سياراتِهم لنسائهم أو بناتهم ليسوقوها أو يتعودوا على سياقتها ، وربما يحدث من خلال هذا التساهل أن تأخذ المرأة السيارة وتذهبْ يمنة ويسرة فتواعد شبابا أو رجالا وتقع حينها المصائب التي لا تُحمد عقباها ، فيجب الحذر والتنبه إلى مثل هذه الأمور ، وإن سُلمت لها السيارة فلا تُعطى إلا إذا ضَمِنْتَ أن لا تعمل عملا محرما مطلقا مع التنبه إلى أن تكون القيادة بعيدة كل البعد لتستتر عن من حولها ، وكذلك من المنكرات التي تقع : السهر في معصية الله تعالى فتجد الناس يضيعون الأوقات في الغناء والطرب ، وتجلس أحيانا تسمع قرع الطبول والدفوف في ساعات متأخرة من الليل ، والغناء والموسيقى تُرفع على مرأى ومسمع من الناس إلى قبيل صلاة الفجر ، ثم ينام العصاة عن الفجر والله المستعان ، فلم يسلمِ البر اليوم من أذى العصاة ومعاصيهم الذين يصطحبون معهم آلاتِ اللهو ويقع الاختلاط وربما اصطحب بعضهم في تلك السهرات مشروباتٍ محرمة ، لا يتقون الله لا في البر ولا في المدينة ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وعلى المسلم أن يحرص على الأشياء المفيدة كأن يجلب معه بعض الكتيبات البسيطة ككتب الفقه الصغيرة لترجع إليه إذا احتجت إلى مسائل ، أو كتابٌ يختص بالأذكار ليكون الذكر رفيقك في حاضرتك وباديتك ، أو تودع في جوالك رقما معينا لشيخ تثق في علمه لتتصل عليه متى ما احتجت إلى ذلك ، وأن تصحب الرفقة الصالحة الطيبة التي يعينونك على الخير ويذكرونك به ، حتى تعبد الله على بصيرة وإن كنت في البر ، وفقنا الله وإياكم لكل خير ، وأبعدنا عن كل شر إنه نعم المولى ونعم المصير .. بارك الله

الخطبة الثانية :

ومما يجدُر الانتباه إليه في الخلوات وعند الخروج لمثل هذه الرحلات ، إعطاء الجيران حقوقهم ، فقد تجد بجانبك أو على مقربةٍ منك بعض الجيران الذين خرجوا لأجل الغرض الذي خرجت لأجله ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند طبخ اللحم من إكثار المرقة وتعهد الجيران والإهداء إليهم منها ، فالتعرفُ عليهم وإسداءُ المعروف لهم وخدمتُهم والتواضعُ لهم من الآداب التي يشترك فيها الناس في البر والمدن ، وهو في البر آكد ، فقد يحتاج أحدهم حاجة أو تقع سيارته في حفرة فيطلبُ منك معونة فلا تتوان أن تقدم لهم ما يريدون ، ومن الآداب أيضا : دِلالةُ المسترشد الذي ضل في البر فترشده إلى ما يريد إن كنتَ عالما لما يريد فهذا من أعظم الصدقات عند الله تعالى ، ومن السنن أيضا : إذا نزل المطر وأنت في الخلاء والبر فاكشف ذراعيك وأجزاءَ من جسدك حتى يصيبها المطر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا ، وكان يقول «إنه حديث عهد بربه» وهذه المسألة عامة في المدن والبراري .

ومما ينبغي التنبه إليه ما يخص النوم من آداب : كنفض ما بداخل الفراش ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه» (رواه البخاري) فإن مثل هذا الأدب النبوي يساعدك على الوقاية من الآفات ، ومن السنن أيضا : ذكر الله تعالى عند كل شجر وحجر ، وكذا : التأدبُ بآداب الخلاء ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الغائط أبعد حتى لا يراه أحد ، ولا يرفع ثوبه إلا إذا دنا من الأرض ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، وكان يتعوذ بالله من الخبث والخبائث ، وتجنب التخلي في طريق الناس وظلهم ، ومن الآداب أيضا : التنبه إلى إطفاء النار ليلا لمن أراد النوم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال «النار عدو فاحذروها ، وكان عبد الله بن عمر يتتبع نيران أهله فيطفئها قبل أن يبيت» (رواه أحمد) .

وعلى من خرج لأجل الصيد فلا يكن شغله الشاغل ما خرج لأجله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ومن اتبع الصيد غفل» (رواه أبو داود) .

كما أنه يحذر من تعذيب الحيوانات أو اصطيادها من غير حاجة كمن يصطاد ثم يرمي ، فهذا من العبث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم «إن أعظم الذنوب عند الله رجلٌ تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمالها ، ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته ، وآخرُ يقتُلُ دابة عبثا» (رواه الحاكم في المستدرك وهو حديث حسن).

ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثّل بالحيوان ، وما يحدث من بعض الناس أنه يجعل حيوانا من الحيوانات مناصا لتدريب صقره لينهش من لحمه وهو حي فإنه من العبث الذي لا يرضاه الإسلام ، ومن عزم على الخروج لأجل الصيد فإنه يتعين عليه أن يقرأ ويتعلم ما يحتاجه في الصيد من أحكام شرعية ليرفع الجهل عن نفسه ، حتى يعرف ما يقتُل وما لا يقتل ويصيد وما لا يصيد ، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النمل والنحل والهدهد ، كما أنه لا يجوز ترك ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله كالأوزاغ والعقرب والحدَأة والغراب والكلب العقور وجميع الحيات بأنواعها فإنها تقتل جميعا لقوله عليه السلام «من ترك الحياتَ مخافةَ طلبِهنَّ فليس منا ، ما سالمناهُنَّ منذُ حاربناهنَّ» (رواه الإمام أحمد) .

 وقال عليه الصلاة والسلام «من رأى حية فلم يقتلها مخافة طلبها فليس منا» وليحرص الخارج إلى الصيد تتبع الكمأة التي يسميها العامة بالفقع فإن فيها من الفائدة ما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «الكمأة من المنّ ، وماؤها شفاء للعين» (رواه البخاري).

فإذا وجدتها في تلك البراري فاغلها بالماء وكلها ، ومما ينبغي الاهتمام به : الاهتمام بالخدم لمن يخرج خادمه معه فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخدم فقال «إذا جاء خادم أحدكم بطعامه ، فليُجلسه معه ، فإن لم يفعل فليُناوِلْه أكلة أو أكلتين منه ، فإنه ولي دُخانه وحره» (رواه البخاري).

والآداب كثيرة جد كثيرة .. والمقصود من إيرادها عباد الله : أن نعلم أننا مسلمين وأننا حيثُما حللنا وارتحلنا أو ذهبنا وأقمنا فإننا نعبد الله على كل أحوالنا وفي أمورنا كلها وأن نقصد بكل شيء عبادته سبحانه وتعالى .

فاتقوا الله تعالى، وتذكروا مصيركم، وانظروا ما قدمتم من أعمال، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها متاع الغرور، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

عباد الله:

في مثل هذه الأيام من مواسم الإجازة، يشغل كثير من الآباء والمربين بقضيتين هامتين، هما الترويح ومفهومه، والفراغ وهمومه.

وإذا قرأت حديث حنظلة الأسيدي وقفت منبهرًا أمام شمول الإسلام والمنهج الشامل، فحنظلة من جيل حرص على أن يبقى يومه كلّه، بل حياته كلها على أعلى مستويات الإيمان ودرجات الكمال، وظن أن المرح مع زوجه، وترويحه مع ولده، وبسمته ومداعبته تنافي منهج العبودية وإعلان الاستسلام المطلق لله تبارك وتعالى، يقول له أبو بكر: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله، إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده، إن كنتم تدومون على ما تكونون وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ـ ثلاث مرات» أخرجه مسلم.

عباد الله:

إن المراوحة في الأشياء، تزيل التعب والإرهاق، وتجدد النشاط، وتقوي على العمل، وتزيد الطاقة والإنتاج، وليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم : «ساعة وساعة» أن يقطع المسلم يومه لهوًا ولعبًا، ويشغل الأوقات بالعبث والمجون، أو بالعكوف على أفلام ومجلات خليعة، تثير الغرائز، وتفسد القلوب.

قال عمر بن عبد العزيز: "لا بأس على المسلم أن يلهو ويمرح ويتفكه، على أن لا يجعل ذلك عادته وخلقه، فيهزل في موضع الجد، ويعبث ويلهو في وقت العمل".

وكان عبد الله بن مسعود يقول: "وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا".

والتخول هو التحول من حال إلى حال، لكن الفهوم السقيمة تتكئ على هذه النصوص لتضيق ساعة الذكر والجد والحزم، وتوسّع ساعة الترويح واللهو، فتهجر مجالس العلم والوعظ إلا قليلاً.

قد ينقدح في بعض الأذهان عند الحديث عن الترويح أنه سلوك بلا ضوابط، وممارسة بلا منهج، وتعدٍ على حدود الشرع، فيمارسون الترويح بأي وسيلة، دون تقيّد بحلّ أو حرمة أو فضيلة.

وهنا لا بدّ أن نستقرئ ترويح السلف الصالح، لنتبين منهجهم في هذا الميدان:

هذا ابن مسعود رضي الله عنه يبين أهمية الترويح بقوله: "أغيثوا القلوب، فإن القلب إذا أكره عمي".

ويقول علي رضي الله عنه: "أجموا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تملّ كل تملّ الأبدان".

قال أبو الدرداء: "إني لأستجم قلبي من اللهو المباح، ليكون أقوى لي على الحق".

إذا قررنا أن الترويح سلوك قائم في حياة الرعيل الأول، فلنا أن نتساءل: لماذا يمارسون الترويح؟ هل هو انعكاس لمعاناة من فراغ، أو شعور بالسآمة والملل؟! كلا وحاشا، لقد كان ترويحهم ترويحًا للنفس حتى تتهيأ للجد، وكسبًا لنشاط أقوى، وهمة أعلى، لتحقيق الغاية من خلق الإنسان، وهي عبادة الله تبارك وتعالى.

لم يكن الترويح في حِسِّهم غاية يسعون لبلوغها، أو هدفًا لذاته يبذلون في سبيله الأوقات والأموال.

تفرز ممارسات الترويح المعاصر ذوبان الشخصية، وتمييع أحكام الشرع، وسلوكيات لا تقرها من تفاهة وانحلال.

وهذا نتاج المفهوم المعاصر للترويح، كونهم جعلوا الترويح هدفًا لذاته وغاية.

أما الترويح كما فهمه الرعيل الأول، فهو وسيلة سامية تخدم مصالح ومقاصد عالية، تُبنَى في ظلها سمات الشخصية، تُقوَّى الأجساد، تُهذَّب الأخلاق، تُدرِّب على الرجولة والجد، تفتح آفاقًا من العلم والعمل، مسابقة بالأقلام، مصارعة لتربية الأجسام، تحفيز على تعلّم الرمي، سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، كما سابق عائشة، صارع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه النبي، وكان ذلك سببًا في إسلام ركانة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون في السوق فقال: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا» أخرجه البخاري.

ويقول عمر بن عبد العزيز: "تحدثوا بكتاب الله، وتجالسوا عليه، وإذا مللتم فحديث من أحاديث الرجال حسنٌ جميل".

إخوة الإسلام:

إن الترويح الذي مارسه الرعيل الأول ليس عبثا، بل ترويح تترتب عليه مصالح وفوائد، لا يتضمن سخرية بالآخرين ولمزا بالمسلمين، ولا غيبة ونميمة، لا يتضمن كذبًا وافتراءً، ذلك أن الترويح الذي لا منفعة فيه دنيوية ولا أخروية، يضيع عمر الإنسان بما لا فائدة فيه.

ليس من الترويح المباح التجول في الشوارع والأسواق، وتتبع العوار، والجلوس في المقاهي والشوارع والطرقات، الترويح في الإسلام ليس كأي ترويح، بل يجب أن يكون بريئًا من كل إسفاف، أو خروج على الأخلاق الإسلامية، محفوظًا عن اختلاط الرجال بالنساء، والنظرة المحرمة، أو أي ذريعة لمخالفة شرعية أكبر.

يقرر سلف الأمة أن النفس لها إقبال وإدبار، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن للقلوب شهوة وإقبالاً، وفترة وإدبارًا، فخذوها عند شهواتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها".

لكنهم لا يسمحون للنفس وقت توريحها أن تفرط في حقوق الله، فلا ترويح في أوقات الصلوات، فهذا اعتداء على حقوق الله، ولا ترويح في أوقات العمل، فهذا اعتداء على حقوق الناس.

الترويح في حياة أمة الإسلام ليس هو كل شيء في حياتها، تصبح وتمسي عليه، وإنما هو ترويح بقدر، لئلا يزحف على الأعمال الجادة، والواجبات الأخرى، ولأن عمر الإنسان أغلى وأسمى من أن تُضيَّع أيامه بين لهو عابث، وعبث باطل، ولهذا ثبت من فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتبادحون ـ أي يترامون ـ بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "لم يكن أصحاب رسول الله منحرفين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه".

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ويداعب؛ جاءته امرأة عجوز تقول: يا رسول الله، ادع الله لي أن يدخلني الجنة، فقال لها: «يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز»، وانزعجت المرأة وبكت، ظنًا منها أنها لن تدخل الجنة، فلما رأى ذلك منها، بيّن لها غرضه أن العجوز لن تدخل الجنة عجوزًا، بل يبعثها الله خلقًا آخر، فتدخلها شابة بكرًا، وتلا قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً﴾ .

وجاءته امرأة في حاجة لزوجها، فقال لها: «من زوجك؟» فقالت: فلان، قال: «الذي في عينيه بياض؟» وفي رواية: فانصرفت عجلى إلى زوجها، وجعلت تتأمل عينيه، فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عينيك بياضًا, فقال لها: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادهما؟!!

وعن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا ذا الأذنين» أخرجه أبو داود.

هذه الشخصية التي تمارس المزاح والمداعبة هي ذاتها التي تقوم الليل وتصوم النهار، تجاهد في سبيل الله، تبذل النفس والنفيس، ويدها سخّاء، فحين نسلّط الضوء على جوانب من شخصيته صلى الله عليه وسلم في المرح والمزاح والمداعبة يجب أن نوقد السراج طويلاً، ونقرأ مليا صفحات أخرى من شخصيته، فالهدي واحد، والشخصية كلّ لا يتجزأ، فمع كونه يمارس المزاح والمداعبة، كان طويل العبادة والخشوع، كثير البكاء والخضوع، لا يفتر لسانه من ذكر، ولا يهدأ باله من تأمل وفكر.

قال صلى الله عليه وسلم : «إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه» أخرجه البخاري

وفي الإجازة تبرز مشكلة تقضّ مضاجع الآباء والأمهات والمربين، ألا وهي الفراغ الذي يغمر أوقات الأبناء والبنات، بل إن انحراف الشباب وجنوحهم صدى لهذه المشكلة، والحضارة المادية المعاصرة توسع دائرة الخطر، وتزيد من عمق الضرر.

النفس التي تفرغ من الجدّ تنتهي إلى حالة من الشر والانحلال، وخطورة الفراغ أنه لا يبقى فراغًا أبدًا، فلا بد أن يملأ بخير أو شر، ومن لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل.

نعم، إذا زاد وقت الفراغ، وترك دون استغلال، فإنه يتحول إلى مشكلة، ولا يخفى أن وقت الفراغ يقوي قابلية الانحراف، وأسباب الفساد، يقتل الفكر، ويبطل العقل، ويفتح أبواب الوساوس، ويثير كوامن الأفكار والأوهام.

وشهد أصحاب الاختصاص أن نسبة الجرائم والمشكلات الأخلاقية تبلغ ذروتها مع البطالة والفراغ، ويزداد الأمر خطورة مع وسائل العصر الحديثة، تلك التي تغري الشباب، وتفتح آفاقًا من الشر وهدر الأوقات.

ولئلا يفعل الفراغ فعله في النفوس، فإن ملأ الأوقات بالمفيد، والانتقال من عمل إلى آخر حصانة ووقاية، ومن الوسائل المفيدة لملء الفراغ أداء العبادات والسنن، والقراءة المفيدة في أمور الدين، والسيرة النبوية، وحياة الصالحين، والأخلاق، وكان عبد الله بن المبارك يمكث في بيته بعد علمه وتجارته، قارئًا لتراث السلف، فإذا ما سئل: ألا تستوحش؟ أجاب: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟!!

إن الأمة التي تملأ وقتها بقراءة المفيد، وتعلّم النافع، ترقى في سلم التقدم والحضارة، وستكون قادرة على فهم الحياة، وإصلاح حالها، وبلوغ أهدافها، أما الأمة التي لا تتعدى ثقافتها ميادين اللهو واللعب والأزياء فستظل تابعة ذليلة في مؤخرة الركب لا وزن لها.

ومن الأعمال المفيدة في الإجازة حضور المحاضرات والندوات والدروس العلمية، وصلة الأرحام، والزيارات، والاشتراك في أنشطة المراكز الصيفية، وممارسة الترويح بالضوابط التي ذكرت آنفًا.

قال عمر بن الخطاب: "إن هذه الأيدي لا بد أن تُشغل بطاعته، قبل أن تشغلك بمعصيته".

أمّا بعد: فاتقوا اللهَ معاشرَ المسلمين، واعلموا أنّ أصدقَ الحديث كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذَّ عنهم فمات فميتتُه جاهليّة.

أيّها المسلمون، إنّ حياةَ النّاس بعامّة مليئة بالشّواغل والصّوارف المتضخِّمة، والتي تفتقر من حيث الممارساتُ المتنوِّعة إلى شيء من الفرز والتّرتيب لقائمة الأولويّات منها، مع عدمِ إغفال النّظر حول تقديم ما هو أنفع على ما هو نافع فحسب.

ثمّ إنّ الضغوطَ النفسيّة والاجتماعيّة الكبيرة الناتجةَ عن هذا التضخّم ربّما ولَّدت شيئًا من النّهم واللّهث غير المعتاد تجاهَ البحثِ عمّا يبرِد غلّةَ هذه الرواسب المتراكمة ويطفئ أوارَها.

إنّ الحضارة العالميّة اليومَ قد عُنيت بإشعال السلاح ورفع الصّناعة وعولمةِ بقاع الأرض، تلكمُ الحضارة التي حوَّلت الإنسانَ إلى شِبه آلةٍ تعمَل معظمَ النهار -إن هي عملت- ليكون ساهرًا أو سادرًا أو خامدًا ليلَه، هذه هي الثمرة الحاصلة، ليس إلا.

إنّ تِلكم الحضارةَ برمّتها لم تكن كفيلةً في إيجادِ الإنسان الواعي الإنسان العاقل الإنسان المدرك الموقِن بقيمةِ وجودِه في هذهِ الحياة وحكمةِ خلقِ الله له، بل إنَّ ما فيها من آلياتٍ متطوّرة وتقنيات كان سببًا بصورةٍ ما في إيجاد شيءٍ من الفراغ في الحياةِ العامة، ممّا ولَّد المناداةَ في عالم الغرب بما يسمَّى: "علم اجتماع الفراغ"، وإن لم يكن هذا الفراغُ فراغَ وقتٍ على أقلّ تقدير فهو فراغ نفس وفراغ قلبٍ وفراغ روح وأهدافٍ جادّة ومقاصدَ خاليةٍ من الشّوائب.

﴿يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ﴾ ، ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا البَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ .

إنّ الحضارةَ العالميّة حينما توفِّر للإنسانِ بالتقدُّم العمليّ والجهد الصناعيّ قوّةَ الإنسان ونشاطَه، وتوفّر له مزيدًا من الوقت، ثمّ يكون في نفسِه وقلبه وروحِه ذلكم الفراغ، فهنا تحدُث المشكِلة ويكمُن الدّاء الذي يجعَل أوقاتَ الفراغ في المجتمعاتِ تعيش اتَّساعًا خطيرًا، حتّى صارت عبئًا ثقيلاً على حركتِها وأمنِها الفكريّ والذّاتيّ، ومَنفذًا لإهدارِ كثيرٍ مِن المجهودات والطّاقات المثمِرة.

إنّ غيابَ الضّبط والتّحليل والتّرشيد للظّاهرة الحضاريّة الجديدة المنشِئةِ أوقاتَ الفراغ ليمثِّل دليلا بارزًا على وجود شرخٍ في المشروع الحضاريّ والعولمَة الحرّة، غير بعيدٍ أن تؤتَى الأمّة المسلمة من قبله.

وإنّ عدمَ وعينا التامّ بخطورة هذا المسلك تجاهَ أوقات الفراغ وعدَم وعينا التامّ بالمادّة المناسبَة لشغل تلك الأوقات في استغلال العمليّات التنمويّة والفكريّة والاقتصاديّة البنَّاءة لجديرٌ بأن يقلِبَ صورتَه إلى مِعوَل هدم يضاف إلى غيره من المعاول، من حيثُ نشعر أو لا نشعر، والتي ما فتِئ الأجنبيّ عنّا يبثُّها ليلَ نهار، لنسفِ حضارة المسلمين على كافّة الأصعدة بلا استثناء، كيف لا؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحّة والفراغ» رواه البخاري.

إنّ الإسلامَ دينٌ صالح للواقع والحياة، يعامِل الناسَ على أنّهم بشر، لهم أشواقهم القلبيّة وحظوظُهم النفسية، فهو لم يَفترض فيهم أن يكونَ كلُّ كلامهم ذكرًا، وكلّ شرودهم فكرًا، وكلّ تأمّلاتهم عِبرة، وكلّ فراغِهم عبادة. كلاّ، ليس الأمر كذلك، وإنّما وسَّع الإسلام التّعاملَ مع كلّ ما تتطلَّبه الفطرة البشريّة السّليمة من فرح وترح، وضحكٍ وبكاء، ولهو ومرَح، في حدود ما شرعه الله، محكومًا بآداب الإسلام وحدودِه.

عبادَ الله، إنّ قضيّةَ إشغال الفراغ باللّهو واللّعب والمرح والفرح لهيَ قضيّة لها صِبغة واقعيّة على مضمار الحياة اليوميّة، لا يمكن تجاهلُها لدى كثيرٍ من المجتمعات، بل قد يشتدُّ الأمر ويزداد عند وجودِ موجبات الفراغ كالعُطَل ونحوِها، حتّى أصبَحت عند البعضِ منهم مصنَّفةً ضمنَ البرامج المنظّمة في الحياة اليوميّة العامّة، وهي غالبًا ما تكون غوغائيّة تلقائيّة ارتجاليّة، ينقصها الهدفُ السّليم، لا تحكمُها ضوابط زمانيّة ولا مكانيّة، فضلا عن الضّوابط الشرعية وما يحسُن من اللّهو وما يقبح.

التّرويح والتّرفيه ـ عبادَ الله ـ هو إدخال السّرور على النفس، والتنفيس عنها، وتجديد نشاطِها، وزمُّها عن السّآمة والمَلل.

وواقعُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إبَّانَ حياتِه يؤكِّد أحقِّية هذا الجانب في حياة الإنسان، يقول سماك بن حَرب: قلتُ لجابر بن سمرة: أكنتَ تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم، كان طويلَ الصّمت، وكان أصحابه يتناشَدون الشعرَ عنده، ويذكرون أشياء من أمر الجاهليّة، ويضحكون فيبتسمُ معهم إذا ضحكوا. رواه مسلم.

وأخرج البخاريّ في الأدب المفرد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتِين، وكانوا يتناشدون الأشعارَ في مجالسهم ويذكرون أمرَ جاهليتهم، فإذا أريد أحدُهم على شيءٍ من دينه دارَت حماليق عينيه .

وذكر ابن عبد البر رحمه الله عن أبي الدرداء أنّه قال: "إنّي لأستجمّ نفسي بالشيء من اللّهو غيرِ المحرّم، فيكون أقوى لها على الحقّ".

وذكر ابن أبي نجيح عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنّي ليعجبُني أن يكونَ الرّجل في أهله مثلَ الصبيّ، فإذا بُغي منه حاجة وُجِد رجلا".

وذكر ابن عبد البرّ عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال: "أجمّوا هذه القلوبَ، والتمِسوا لها طرائفَ الحكمة، فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان".

يقول ابن الجوزيّ: "ولقد رأيت الإنسانَ قد حُمّل من التكاليف أمورًا صَعبة، ومِن أثقل ما حُمّل مداراةُ نفسِه وتكليفها الصبرَ عمَّا تحبّ وعلى ما تكرَه، فرأيتُ الصّوابَ قطعَ طريق الصّبر بالتسلية والتلطّف للنّفس".

وبِمثل هذا تحدّث أبو الوفاء بن عقيل فقال: "العاقلُ إذا خلا بزوجاتِه وإمائه لاعبَ ومازح وهازل، يعطي للزوجة والنفسِ حقَّهما، وإن خلا بأطفاله خرجَ في صورة طفلٍ وهجَر الجدَّ في بعضِ الوقت".

هذه ـ عبادَ الله ـ بعضُ الشّذرات حولَ مفهوم اللّهو والتّسلية والترويح، يُؤكَّد من خلالِه أنّ الإسلام قد عُني بهذا الجانب حقَّ العناية، غيرَ أنّنا نودّ أن نبيّن هنا وجهَ الهوّة بَين مفهوم الإسلام للتّرويح والتّسلية وبين اللّهو والمرَح في عصرنا الحاضر، والذي هو بطبيعته يحتاج إلى دراساتٍ موسَّعة تقتنِص الهدف للوصول إلى طريقةٍ مثلى للإفادة منها في الإطار المشروع.

فينبغي دراسةُ الأنشطةِ الترويحيّة الإيجابيّة منها والسلبيّة، والربط بينها وبين الخلفيّة الشرعيّة والاجتماعيّة للطبقة الممارسة لهذا النشاط، ومدَى الإفادة مِن الترويح والإبداع في الوصول إلى ما يقرّب المصالحَ ولا يبعّدها، وما يُرضي الله ولا يسخطه، وتحليل الفِعل وردود الفِعل، بين معطيات المتطلّبات الشرعيّة والاجتماعيّة، وبين متطلّبات الرّغبات الشخصيّة المشبوهة، وأثرِ تلك المشاركاتِ في إذكاءِ الطاقات والكفاءات الإنتاجيّة العائدة للأسَر والمجتمعات بالنّفع في دينِهم ودنيَاهم.

إنّ علينا جميعًا كمسلمين أن نشدَّ عزائمَنا لصيانتها ما أمكنَ من أيِّ ضياع في مرحٍ أو لهو غير سليم، أو ممّا إثمه أكبرُ من نفعه، فلا ينبغي للمسلمين أن يطلِقوا لأنفسهم العِنانَ في التّرويح، بحيث يزاحِم آفاقَ العمل الجادّ واليقظة المستهدفة، ولا أن يشغلَ عن الواجبات أو تضيع بسبب الانغماس فيه الفرائضُ والحقوق، إذ ليست إباحة التّرويح وسطَ رُكام الجدّ إلا ضربًا من ضروب العَون وشحذِ الهمّة على تحمّل أعباء الحقّ، والصبر على تكاليفه، والإحساس بأنّ ما للجدّ أولى بالتّقديم ممّا للَّهو والتّرويح، وبهذا يُفهَم قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لحنظلةَ بن عامر وقد شكا إليه تخلُّلَ بعض أوقاتِه بشيءٍ من الملاطفة للصّبيان والنّساء، فقال له صلى الله عليه وسلم : «ولكن ساعة وساعة».

أمّا أن يصبِحَ التّرويح للنفس طابعَ الحياة في الغدوِّ والآصال والخَلوة والجَلوة، وهمًّا أساسًا من هموم المجتمعات في الحياة، فهو خروجٌ به عن مقصده وطبيعته، واتّجاهٌ بالحياة إلى العبث والضّياع، والإنسان الجادّ عليه أن يجعلَ من اللّهو والترويح له ولمن يعوله وقتًا ما، ويجعل للعمل والجدّ أوقاتًا، لا العكس، لا سيّما ونحن نعيش في عصرٍ استهوت معظم النّفوسِ فيه كلّ جديد وطريف، حتّى صارت أكثرَ انجذابًا إلى احتضان واعتناقِ ما هو وافد عليها في ميدان اللّهو والمرح، ولا غروَ في ذلك عبادَ الله، فإنّ الاسترخاءَ الفكريّ وهشاشةَ الضابط القيمِيّ لدى البعضِ منّا هما أنسبُ الأوقات لنفاذ الطرائف والبدائع إلى النفوس، وهنا تكمن الخطورة ويستفحِل الداء.

فاللهوُ المنفتِح -عبادَ الله- والذي لا يضبَط بالقيود الواعيّة، إنّه ولا شكّ يتهدَّد الأصالةَ الإسلاميّة، لتصبح سبهللا بين خطرين:

أحدهما: خطرٌ في المفاهيم، إن كان هناك شيء من بعض المسابقات تُدعَى ثقافيّةً، تقوم في الغالب على جمع للتضادِّ الفكريّ، أو تنميّة الصراع الثقافي، أو تصديع الثوابت المعلوماتيّة لدى المسلمين، بقطعِ النظر عن التفسير الماديّ للتأريخ والحياة، أو على أقلِّ تقدير الإكثار من طرحِ ما علمُه لا يحتاج إليه الذكيّ، ولا يستفيد منه البليد.

والخطر الثاني -عباد الله- تلك التي تعَدّ وسائلَ للترويح والتسلية عبرَ القنوات المرئيّة التي تنتِج مفاهيمَ مضلِّلة، عبرَ طرق جاذِبة في الثقافاتِ والشهوات، لاسترقاق الفِكر من خلالِ فنونٍ أو أساطيرَ أو عروض لما يفتِن أو للسِّحر والشعوذة وما شاكلها.

ونِتاج الخطرين ولا شكَّ تمزُّق خطير، متمثِّلٌ في سوءِ عشرة زوجية، أو تباين أفراد أسرةٍ إسلامية، ناهيكم عن القتل والخطف والانتحار والتآمر والمخدّرات والمسكرات، وهلُمّ جرّا.

وما حال من يقَع في مثل هذا الترويح إلا كقول من يقول: "وداوني بالتي كانت هي الداءَ"، أو كما يتداوَى شاربُ الخمر بالخمر، فلرُبَّ لهوٍ بمرّة واحدة يقضي على بُرج مشيّد من العِلم والتّعليم للنّفس، ويا لله كم من لذّة ساعةٍ واحدة أورثت حزنًا طويلا، و ﴿إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ، ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .

أمّا بعد: فاتّقوا الله أيّها النّاس.

واعلموا أنّ شريعةَ الإسلام شريعة غرّاء، جاءت بالتّكامل والتّوازن والتّوسُّط، ففي حين إنّ فيها إعطاءَ النّفس حقَّها مِن التّرويح والتسلية، فإنّ فيها كذلك ما يدلّ على أنّ منه النافعَ ومنه دون ذلك.

فقد صحَّ عند النسائي وغيره أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كلّ لهوٍ باطل غيرَ تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بسهمه» الحديث.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلِّقًا على هذا الحديث: "والباطل مِن الأعمال هنا ما ليس فيه منفعة ولم يكن محرّمًا، فهذا يرخَّص فيه للنفوس التي لا تصبِر على ما ينفع، وهذا الحقّ في القَدر الذي يُحتاج إليه في الأوقات التي تقتضي ذلك، كالأعياد والأعراس وقدوم الغائِب ونحو ذلك" انتهى كلامه.

ويقول ابن العربي رحمه الله عن هذا الحديث: "ليس مرادُه بقوله: «باطل» أي: أنّه حرام، وإنّما يريد به أنه عارٍ من الثواب، وأنّه للدنيا محض، لا تعلّقَ له بالآخرة، والمباح منه باطل" انتهى كلامه.

هذا في اللهو المُباح عباد الله، وأمّا اللّهو المحرّم أو اللهو المباح الذي قد يفضي إلى محرّم فاستمعوا ـ يا رعاكم الله ـ إلى كلام الإمام البخاريّ رحمه الله في صحيحه حيث يقول: "باب: كلّ لهوٍ باطل إذا أشغله عن طاعة الله"، يعلِّق الحافظ ابن حجر على هذا فيقول: "أي: كمَن التهى بشيء من الأشياء مطلقًا، سواء كان مأذونا في فعله أو منهيًّا عنه، كمن اشتغل بصلاة نافلة أو بتلاوة أو ذكر أو تفكّرٍ في معاني القرآن مثلا، حتّى خرج وقت الصلاة المفروضة عمدًا، فإنّه يدخل تحت هذا الضابط، وإذا كان هذا في الأشياء المرغَّب فيها المطلوب فعلها فكيف حال ما دونها؟!".

فالحاصِل -أيّها المسلمون- أنَّ الترويحَ والفرح ينبغي أن يخضعا للضوابِط الشرعيّة، وأن لا يبغيَ بعضها على حدود الله، والله يقول: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَ﴾.

ألا وإنّ مَن أراد أن يفرحَ ويلهو فليكن فرحَ الأقوياء الأتقياء، وهو في نفس الوقت لا يزيغ ولا يبغي، بل يتّقي الأهازيج والضّجيج التي تقلق الذاكرَ وتكسِر قلبَ الشاكر، ولله ما أحسنَ كلامًا لحكيم من حكماء السّلف يصِف فيه الباغين في اللّهو العابّين منه كما الهيم، دون رسم للحقّ، أو رعايةٍ للحدود، حيث يقول عن مرَحهم: "إنّه من مشوِّشات القلب إلاّ في حقِّ الأقوياء، فقد استخفّوا عقولَهم وأديانهم من حيث لم يكن قصدُهم إلا الرياء والسّمعة وانتشار الصّيت، فلم يكن لهم قصدٌ نافع ولا تأديب نافذ، فلبِسوا المرقّعات، واتّخذوا المتنزّهات، فيظنّون بأنفسهم خيرًا، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعًا، ويعتقدون أنّ كلَّ سوداء تمرة، فما أغزر حماقةَ من لا يميز بينَ الشّحم والورم، فإنّ الله تعالى يبغض الشبابَ الفارغ، ولم يحمِلهم على ذلك إلا الشباب والفراغ".

﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.

أما بعد: أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السرّ والعلن، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾.

عباد الله، إنّ من المسلَّمات عند المسلم أنّ هذا الدين دين شمولي، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ ، ويقول سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ﴾ ، فحياة المسلم كلها مرتبطة بهذا الدين، وليس ثمة أوقات يمكن أن يقول الإنسان: هذه لغير الله تعالى، فكل وقته لله؛ جِدّه وهزله، نومه ويقظته، حياته كلّها لهذا الدين كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي" رواه أبو داود وصححه الألباني.

ونحن قادمون ومقبلون على أوقاتٍ يفرغ فيها كثير من الناس، وهي أوقات الإجازات، والوقت نفيس، والمسلم مسؤول عن وقته يوم القيامة، «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيم علم؟» رواه الترمذي والبيهقي وحسنه الألباني.

ربما يقول البعض: ما الذي نصنعه في الإجازات وهي في الغالب تكون أوقاتا للترويح والاستجمام بعد عناء التعب والكد والعمل؟! ربما يقول الآخر: هل تريدنا أن نبقى دائمًا في المسجد لا نخرج منه أبدًا؟! هل تريد منا أن نبقى دائمًا في قراءة وتلاوة وذكر؟! لا، ليس هذا هو المطلوب، بل هذا الدين دين شمولي يراعي هذه القضايا كلّها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لحنظلة رضي الله عنه: «يا حنظلة، ساعة وساعة« رواه مسلم والترمذي وأحمد، وعندما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحبشة وهم يلعبون في المسجد قال: «خذوا ـ يا بني أرفدة ـ حتى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة» رواه أبو عبيد في الغريب وصححه الألباني في الصحيحة (4/443)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابة ويمازحونه، وكان الصحابة يتمازحون ويترامَون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال. السلسلة الصحيحة (1/797).

هذه هي الحياة الإسلامية المتكاملة التي لا يغلب فيها جانب على حساب جانب آخر، ولا يطغى جانب على جانب آخر، بل الحياة كلها مرتبطة بهذا الدين، بيد أن ثمة ضوابط وضعها هذا الدين حتى يكون هناك تميّز للمسلم، ويتميز ترويحه وهزله عن غيره من غير المسلمين الذين يلعبون ويروّحون على أنفسهم. هناك ضوابط شرعية يراعيها المسلم حتى لا يكون متشبّهًا بأعداء الإسلام من اليهود والنصارى، فيسير في ركابهم وفي فلكهم، وإن هذه الضوابط ـ أيها الإخوة الكرام ـ ينبغي أن تبقى معلمًا بارزًا لكل مسلم في الترويح عن النفس وفي الاستجمام وفي السياحة وفي الأمور كلّها.

فمن ذلك اختيار جماعة الترويح إذا أراد الإنسان أن يروّح عن نفسه، فلا بد أن يختار من يعينونه على الطاعة، فالمرء على دين جليسه، و«مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير» رواه البيهقي وصححه الألباني في الصحيحة. فلا ينبغي للإنسان أن يختار في الترويح من لا يصلي ومن لا يذكر الله تعالى ومن لا يقدر للدين قدره.

ومن ذلك ـ يا عباد الله ـ أن لا يكون هناك اختلاط بين الرجال والنساء في أثناء الترويح، فإن الاختلاط من أكبر الآفات، سيما في الترويح؛ لأن فيه هزلا وضحكا وإسقاطا للتكلف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لأن يطعن أحدكم بمخيط حديد في رأسه خير له من أن يمسّ جسد امرأة لا تحلّ له» رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع، ويقول صلى الله عليه وسلم : «ما تركت بعدي فتنة أشدّ على الرجال من النساء» رواه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الألباني. والميل للنساء ميل فطري، لا ينازع فيه أحد إلا من سُلِبت رجولته ومن لا يتأثر بالنساء، فالنساء شقائق الرجال، وميل الرجل للمرأة حتى يستمرّ النسل، فينبغي أن يبتعد في أثناء الترويح عن الاختلاط بالنساء الأجنبيات؛ لأن هذا فيه فتنة وفيه حضور للشيطان ونزغاته.

ومن ذلك عدم التبعية والتقليد لأعداء الإسلام في صوَر ترويحهم المستورَد من العري والتبرج وأفلام العبث والفوضوية، الذي ينبغي أن يترفّع عنها المسلمون الذين رضوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً.

ومن ذلك اختيار وقت الترويح، عندما يريد الإنسان أن يستجمّ أو أن يروح عن نفسه فلا ينبغي أن يعتدي على الوقت المحرّم: أوقات العبادات، أوقات الذكر، أوقات الصلوات، لا ينبغي أن يكون الترويح فيها، كان النبي صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي الله عنها: يضاحكنا ونضاحِكه، فإذا سمع الأذان فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه، ويقول صلى الله عليه وسلم : «كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام» رواه مسلم. فلا ينبغي أن يكون العبث واللهو واللعب والترويح في أوقات الصلوات، سيما وأن فريقًا من الناس لا يحلو لهم اللهو واللعب والعبث إلا في أوقات الصلوات المفروضة.

ومن ذلك عدم إهدار أوقات الليل كلّها في السمر وفي العبث وفي الأمور المحرمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا سمر إلا لمصل أو مسافر» رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع، ويقول صلى الله عليه وسلم محذرًا من السمر الطويل إلى الفجر في عبث ولهو كما في مسند الإمام أحمد: «ليبيتن أقوام من أمتي على أكل ولهو وغناء ثم يصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير» حسنه الألباني. فينبغي أن ينتبّه العبد المسلم من هذه القضايا، سيما في الأفراح التي يمكث بعض الناس فيها إلى الساعة الثامنة أو التاسعة، ويسمعون الأذان: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" وهم في سمرهم وعبثهم وغنائهم ولهوهم وبعدهم عن الله سبحانه وتعالى.

ومن ذلك أن لا يكون الترويح في أوقات متعلّقة بحقوق العباد كالعمل الرسميّ مثلا أو غيره؛ لأن المؤمن يفي بالعقد، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾.

ومن ذلك عدم الإفراط في استهلاك الوقت المباح؛ لأنه مسؤول عنه أمام الله يوم القيامة، وقد سبق الحديث الآنف الذكر: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع»، فلا يسرف الإنسان كل وقته في العبث وفي اللهو وفي الترويح، بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يا حنظلة، ساعة وساعة».

ومن الضوابط الشرعية ـ يا عباد الله ـ مراعاة اللباس عند الترويح، مراعاة الزي الذي يلبس عند الترويح، فينبغي أن يكون ساترًا، لا ينبغي أن يكون المؤمن عند الترويح متعريًا متشبها بأعداء الإسلام، وقد روي في سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إياكم والتعري؛ فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الجماع وعندما يقضي الرجل حاجته» رواه الترمذي وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، وقال عليه الصلاة والسلام: «غطّ فخذك؛ فإن فخذ الرجل من عورته» رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني، وقال: «لا تنظر إلى فخذ حي أو ميت». فعورة الرجل من السرة إلى الركبة، ولا يجوز أن يكشف ما دون السرّة أو ما فوق الركبة، سواء كان في لعب أو غيره. والمرأة المسلمة كلّها عورة عندما تكون أمام الأجانب، وعندما تكون أمام النساء لا يجوز لها أن تظهر ما بين السرّة والركبة كما قال العلماء ذلك. كما لا ينبغي للمرأة المسلمة أن تتزيَّا بزيّ الكفار في لباسها عند الترويح وعند الاستجمام وعند اللّعب، أن لا تستورد أزياء من الشرق أو الغرب تظهر الإبطين والفخذين والصّدر وغير ذلك من الأمور ـ يا عباد الله ـ التي فيها تشبّه بأعداء الإسلام، «ومن تشبه بقوم فهو منهم»، والمرء مع من أحب يوم القيامة، والمسؤولية على أولياء الأمور، ينبغي أن يراعوا النساء في لباسهن؛ لأنه برزت في هذه الأعصار ألبسة مستورَدة يراها النساء عبر القنوات وعبر المجلات وعبر اختلاطهن بغيرهن، لا ترضي الله سبحانه وتعالى.

ومن ذلك ـ يا عباد الله ـ مراعاة مكان الترويح، إذا أراد الإنسان أن يروح عن نفسه فلا يعتدي على الناس في الطرقات والأماكن العامة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم» رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الآخرين في الأماكن العامة فقال: «إياكم والجلوس في الطرقات»، قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا، قال: «إن أبيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقّه»، قيل: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني. فينبغي أن يراعي الإنسان الأماكن العامة، فلا يعتدي عليها، ولا ينظر إلى المحرمات، فالعين تزني وزناها النظر، وأيضًا لا يؤذي الناس بإلحاق الأذى في الأماكن العامة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق وتحت ظل الشجر» رواه أبو داود وحسنه الألباني، فالأماكن التي يرتادها عامة الناس لا ينبغي أن يلحق الإنسان الأذى بها، فينبغي أن يكون المسلم محافظًا على حقوق غيره، وأن يترك المكان أنظف مما كان بالقدر الذي يتمنى أن يراه سابقًا.

ومن ذلك سلوك الترويح من المحافظة على ذكر الله، المحافظة على الصلاة، المحافظة على غض البصر، عدم الاعتداء على الآخرين، عدم انتهاك محارم الله سبحانه وتعالى، مراعاة الأخلاق العامة عند المنافسات؛ فلا غشّ، ولا غصب، ولا أخذ لأموال الناس بالباطل، مراعاة الصحة العامة، وهذه من شمولية هذا الدين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» رواه أبو داود وصححه الألباني.

ومن ذلك عدم الإسراف في الإنفاق على الترويح، فإن الإسراف ممقوت، والمبذرين إخوان الشياطين، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ ، ولا ينبغي أن ينفق الإنسان على المحرمات؛ لأنه مسؤول عن هذا المال يوم القيامة.

أيها المؤمنون، هناك صور من الترويح المحرم، ينبغي للمسلم أن يجتنبها وأن يبتعد عنها حتى لا يقع فيما يسخط ربه عز وجل، فإن الجنة حفّت بالمكاره، وإن النار حفت بالشهوات، فينبغي أن يراعي المسلم هذه الأمور، سيما في زمن كثرت فيه المغريات وكثرت فيه الملهيات وكثرت فيه الصوارف عن ذكر الله تعالى وكثرت فيه المراقص والملاهي في أصقاع الدنيا إلا ما رحم ربك.

فمن ذلك ـ يا عباد الله ـ أن يبتعد عن كل ما ورد النصّ بتحريمه من أنواع الملاهي المحرمة كالقمار والميسر الذي قرِن بالخمر، ﴿إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾، فلا ينبغي أن يقامر الإنسان أو أن يقع في الميسر، كأن يتفق جماعة على دفع مبلغٍ ما ثم يأخذه المنتصر أو الفائز كما يصنعه بعض الشباب في المسابقات الرياضية، فهذا من الميسر المحرم الذي ينبغي أن يبتعِد عنه المسلم الذي رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً.

ومن ذلك الشطرنج؛ لورود النص فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه» رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني، وسئل القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة عن اللعب بالشطرنج فقال: "كل ما ألهى عن ذكر الله فهو ميسر".

ومن ذلك الغناء ـ يا عباد الله ـ بالآلات الموسيقية المحرمة، سواء كان من الرجال أو النساء، فهو محرم، سواء كان في الأفراح أو غيرها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالدف» رواه الترمذي وقال: "هذا حديث غريب"، فأجاز الدف فقط في النكاح، وحرم الغناء تحريمًا عامًا فقال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره، إنه الغناء" رواه في الأدب المفرد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ليستحلنّ أقوام من أمتي الحر والحرير والخمر والمعازف» رواه البخاري، والاستحلال لا يكون إلا لشيء محرّم، فأنواع الغناء المقرونة بالمعازف وأدوات الموسيقى لا يجوز استخدامها في الترويح لورود أكثر من ثمانية أدلة صحيحة في تحريم الغناء.

ومن ذلك ـ يا عباد الله ـ الحلال إذا تلبّس بحرام كالسباحة مثلاً فإنها مباحة لكن إذا اقترنت بالعري والاختلاط وكشف العورة فإنها محرّمة، وكالسياحة مثلاً فإنّ الأصل أن السياحة مباحة، لكن إذا اقترنت بمحرّم فإنها محرمة، كأن تكون السياحة للبحث عن المراقص والملاهي وصالات الدعارة والرقص وشرب الخمور وغير ذلك مما حرمه الله سبحانه وتعالى وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم.

ألا فلنتّق الله يا عباد الله، ولنراقب ربنا عز وجل؛ فإن الله تعالى يرانا في كل مكان نذهب إليه، فإن فريقًا من الناس إذا غادر أحدهم سورَ بلده وذهب إلى بلد آخر نسي ربه عز وجل، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. راقب الله سبحانه وتعالى هنا أو هناك، في الداخل أو الخارج، واستشعر أن الله يراك وأن معك من لا يفارقك من الملائكة الكرام الكاتبين الذين يكتبون كل شيء، ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ .