التكفير وتفجير المصفاة

بسم الله الرحمن الرحيم

التكفير وتفجير المصفاة

فلقد من الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإكمال دينها، وإتمام النعمة عليها، ورضاه لها بالإسلام دينا، لا يقبل من أحد سواه ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ .

قال ابن القيم رحمه الله : وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد، وهو ما بعث به رسله ، وأنزل به كتبه، ولا يصل إليه أحد إلا من هذا الطريق، ولو أتى الناسُ من كل طريق، واستفتحوا من كل باب ، فالطرق عليهم مسدودة، والأبواب عليهم مغلقة، إلا من هذا الطريق الواحد، فإنه متصل بالله ، موصل إليه.

ولقد جاءت النصوص داعية لاتباع الكتاب والسنة، بفهم سلف الأمة ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ .

قال الإمام أحمد رحمه الله : أصول أهل السنة عندنا، التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع .

وقال ابن القيم رحمه الله : فمن أنشأ أقوالا ، وأسس قواعد بحسب فهمه وتأويله، لم يجب على الأمة اتباعها، ولا التحاكم إليها، حتى تعرض على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإن طابقته قبلت، وإن خالفته وجب ردها واطراحها.

إذا علم هذا فإن من أبواب الدين التي عظمت فيها الفتنة ، وطاشت فيها الأحلام ، وكثر فيها الافتراق، وتشتت فيها الأهواء والآراء، وأريقت من أجلها الدماء، واستبيحت بسببها الأموال، إنها فتنة التكفير. هذه الفتنة التي تعصف بالأمة اليوم، منطلقين من فهمهم لقوله تعالى ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ﴾ خالفوا فهم السلف وأئمة الهدى، الذين قالوا كفر دون كفر.

وقد فصل في هذه المسألة، علماء هذا العصر وعلى رأسهم سماحة الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله. فمسألة التكفير عظيمة، وخطرها جسيم، والإقدام عليها جرأة، وخصوصا إذا كانت من شخص حدث، لم يعرف له باع في العلم، ولا عقل راجح وحلم. فعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أخوف ما أخاف عليكم، رجل قرأ القرآن حتى إذا رأيت بهجته عليه، وكان ردءاً للإسلام ، انسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك، قلت يا نبي الله! أيهما أولى بالشرك : الرامي أو المرمي؟ قال: بل الرامي» رواه البخاري في التاريخ وابن حبان وحسنه الألباني.

والخوارج هم أشهر من عرف بالتكفير، حيث حكموا بالكفر على من لا يستحقه من المسلمين، وخرجوا على الولاة، وصاروا شرا ومحنة على الإسلام والمسلمين. وما زال الفكر التكفيري يمضي في الأمة، ولا يخمد إلا عند بزوغ فجر السنة. إلى يومنا هذا.

أيها المسلمون: ما هذه البلايا والرزايا، التي بلينا بها اليوم، من تفجيرات مدمرة، وسيارات مفخخة، واغتيالات غاشمة، ومذابح ماكرة، ما هذه إلا ثمرة بشعة، من ثمار التكفير وعواقبه ولواحقه، ومن تأمل الفكر التكفيري اليوم، وجده في الغالب لا يقاتل الكفار، بل يقاتل المسلمين ، ويثير القلاقل في بلاد التوحيد، بل قد حماهم الكفار ونصروهم، وبالسلاح أمدوهم، أنظروا إلى رؤوس التكفير فلن تجدهم إلا في بلاد الكفر غالبا.

عباد الله : لقد ابتليت الأمة بجماعات تكفيرية، جعلت الأمة حقل تجارب، يلتف حولها شباب غر متحمس، تسوقه العاطفة الزائفة، وسلاحها فهمها الخاطئ للحاكمية والجهاد. ثم ما تلبث أن تخرج من معركة مثخنة بالجراح، مخلفة وراءها أعدادا من الشباب ، بين قتيل وجريح ،وطريد وأسير ، حتى تنقل التجربة من بلد مسلم إلى آخر ، وقادة التنظيم يُنظِّرون، وعن المعارك يختبؤون ، والحطب هم الأتباع والمحبون.

إن إدانة مثل هذه الأحداث لا بد أن تقال بلغة واضحة لا تلجلج فيها ، ولا بد أن تتكاتف الجهود للوقوف أمامها ، فنحن لسنا أمام حدث عادي ، بل هو حدث يستهدف دين العباد، وأمن البلاد .

عباد الله : لا بدّ أن نسمي الأمور بأسمائها ، لا يجوز أن نسمي البدعة ومخالفة السنة، اجتهاداً سائغاً، ومخالفة مقبولة ، ومهما كان تاريخ الرجل نظيفاً حافلاً، ثم تغير سيره، وانحرف عن الجادة، فلا ينبغي أن يكون ذلك مانعاً من بيان بدعته، ومخالفته للسنة، وخطره على الأمة.

من المستفيد من تخريبهم وتدميرهم، إنهم اليهود والأمريكيون، إنهم الرافضة والعلمانيون، إنهم الصوفية المخرفون ، يزعمون إخراج المشركين من جزيرة العرب، وهم بصنيعهم كاذبون، فلو احترقت معامل البترول، فالذي سيعيد بنائها من أموالنا ،هم الكفار الذي يزعمون أنهم يجاهدون لإخراجهم. سيأتي الكافر هذه المرة بأضعاف أعداده ، ليبني ما دمروا، ويصلح ما أفسدوا، ويطفأ ما أحرقوا.

الخطبة الثانية

خرج علينا تنظيمهم المشبوه، بأول عملية نوعية، اهتزت لها أركان الدنيا، هدموا برجين في دولة الكفر والإلحاد، طرب لها كثير من الناس، وتباشر بها كثير من العباد، متشفين بما أصاب العدو من جراح، فرحين بما دهاهم من مصاب، فكثر المؤيدون لهذا العمل، الذي ظن فيه البعض، الخلاص من هذا العدو الجاثم على صدر الأمة، ظن فيه البعض كسر شوكتهم، وطأطأة رؤوسهم، فعظم عند الناس مكان قائد العملية ومدبرها، واعتبروه مخلص الأمة من الذل والعار، اعتبروه صلاح الدين زمانه، ولأن الفتنة إذا أقبلت عرفها العلماء فقط، وإذا أدبرت علمها كل الناس، فقد بدأت الأمور تتكشف والحقائق تظهر، والمخططات تنكشف، والأهداف تتضح، فكان من نتاج ذات مسح أفغانستان، والقضاء على العراق، ولازال بعض محسني الظن ينتظرون ضربات المخلص الموجعة ، ووعوده الكاذبة بمسح أمريكا من الوجود، لكنه نقل حربه في بلادنا، ووجه أتباعه لخلخلة أمننا، محتجا بقوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، فبدؤوا بتفجير المجمعات السكنية ، التي يقطنها الغربيون، وربما راح ضحية ذلك بعض المسلمين، ولابأس عندهم في ذلك، فهم بهم متترسون، فاقتنع بوجهة نظرهم بعض الناس، وسكت عن باطلهم وشنيع فعلهم بعض طلاب العلم، مبررين ذلك بحسن نواياهم، وأنهم إنما أرادوا إعلاء كلمة الله، تطورت عملياتهم، فأخذوا يقتلون رجال الأمن، وحجتهم نحن لا نقصدهم، لكنهم يحولون بيننا وبين أعداءنا، فلابد من الخلاص منهم، ولازال بعض من الناس تنطلي عليه حججهم ، ولم يبن له عوارهم، مع تحذير العلماء الراسخين من سوء عملهم ، وشنيع صنعهم، حتى جاء تفجير مبنى الأمن العام، وتلاه محاولتهم في مبنى وزارة الداخلية، فبانت للعقلاء الأمور، واتضحت للمتجردين الحقائق، عرفوا أن أهدافهم ليست إخراج المشركين من جزيرة العرب، عرفوا أنهم مطية للأعداء، وصنيعة للكفار، يحققون أهدافهم ، وينفذون مخططاتهم، ارتفعت رؤوس بني علمان، وتحققت أحلام الرافضة، وعلت أصواتهم، أغلقت الجمعيات الخيرية، اتهمت كثير من المراكز الإسلامية بدعم العنف والإرهاب، لطخوا سمعة الجهاد، وشوهوا صورة ذروة سنام الإسلام،زعزعوا الأمن ، وروعوا العباد، وأفسدوا في البلاد، قتلوا المستأمنين، وثنوا برجال الأمن، وثلثوا بأبرياء المسلمين، نهبوا وسرقوا، خطفوا ونحروا، أخافوا واغتصبوا، كل ذلك باسم الجهاد.

وقبل فترة من الزمن يسيرة، يخرج زعيمهم من أحد كهوفه، إن صح أنه في الكهوف، خرج في إحدى القنوات الفضائية، بتسجيل يكفر فيه ولاة أمر المسلمين وعلماءهم، ويدعوا أتباعه لتفجير المنشآت النفطية، فهي عصب الحياة، ومصدر الرزق بعد الله لهذه البلاد، فاستجاب أتباعه كالعادة للنداء ، وهبوا لتنفيذ الوصية، وقصدوا أكبر منشأة للنفط في هذه البلاد، لتكون الضربة أوجع، والمصاب أفظع، ولسان حالهم أخرجوا مصافي البترول من جزيرة العرب، لابد أن يموت أهل هذه البلاد جوعا، لكي تخلو لهم جزيرة العرب ، فهم وحدهم المسلمون، وأتباعهم هم الراشدون، وما عداهم فهم كفار مارقون، وعن الصراط ناكبون، لكن الله كان لعملهم بالمرصاد، فأفسد تدبيرهم، وأضل سعيهم، وأفسد كيدهم.