منكرات الأعياد

بسم الله الرحمن الرحيم

منكرات الأعياد

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله، فإنَّ تقواه أفضل مكتسب، وطاعتَه أعلى نسَب ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ .

أيّها المسلمون، يعظم الكَيدُ في آخرِ الزَّمان، وتتواصَى قوَى الباطلِ والطّغيان، وتشتدُّ الغربة على أهل التقوى والإيمانِ، غربةُ أديان لا غربةُ أوطان، ولكلِّ شيءٍ عَلَمٌ، وعَلَمُ الخذلان ركوبُ المجونِِ والعِصيان. وتحصلُ غربةُ الإسلام بنقصِه ونقضه، وتركِه وهَجْرِه، وتهوين أمره وإهمال نصرِه، والرِّقّة والتجوّزِ فيه، والاستهانة بحرُماته، وغلَبة الوقوع في الكبائر، والتفلّتِ الأخلاقيّ، والفساد الاجتماعيِّ، وخَرْق هيبةِ الشرع ونظامِ الدين، والمجاهرةِ بقبائِحِ الأفعال، وفِعل ما لا يسوغ في دينِ الإسلام، وغلَبَة أهل الباطل، وظهورِ أهلِ الخنا والفجور، واندراس شعيرةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا يبقى منها إلا رسومٌ، واتِّباعِ الأهواءِ المضِلّة، والأغراض الفاسدة، والأقوال الشّاذّة، وزلل المفتِينَ، ورخَصِ المتساهِلين، ومقابلةِ نصوص الكتاب والسنة، ونَقض محالِّ الإجماع، بقَعقَعة التأويل، وجَعجَعة الإصلاح والتغيير، وفرقعةِ الانفتاح والتنوير.

فلسفاتٌ فارغة من الدين، حاكَها الرُّعْنُ ، وصاغَها المبطلون، سرايا إبلِيس، وأعداءُ العفَّة والفضيلة، وخصومُ الإسلام، ودُعاة التحلُّل والفجور والغِواية، وصدق رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : «بدَأ الإسلامُ غريبًا، وسيَعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء» (م)

أيّها المسلمون، إنَّ السّكوتَ عن الآثِم المجاهر، والمنكرِ الظاهر، عيبٌ في أهل الإسلام ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فجعل الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر مِن أوَّلِ صفاتهم وأعظمِ سمَاتهم.

عباد الله: الساكتُ عن المنكر حالَ الإظهار، وعدم الاستتار، مع إمكانِ الإنكار، شريكٌ لا يسلَمُ من التبِعة، ولا ينجو من الإثم والحرج، يقول جلّ في علاه ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ﴾ فِتنةٌ تتعدَّى المذنِبَ المباشر، والظالم المجاهِرَ، لتصيبَ الصالح والطّالح، بسَبَب عُصبة فاسقةٍ لم تُقمَع، ومنكراتٍ ظاهرة لم تُدفَع، وتجاوزاتٍ للشَّرع لم تُمنَع. فإن قيل: فما ذنبُ من لم يظلِم؟ قيل: بموافَقَتِه الأشرار، أو بسكوته عن الإنكار، استحقَّ عقوبة الجبّار. فالكلُّ عُصاة: هذا بفعلِه وهذا برضاه، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما مِن رجلٍ يكون في قومٍ يعْملُ فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيِّروا عليه فلا يغيّروا إلاَّ أصابهم الله بعذابٍ من قبل أن يموتوا» (د) .

أيّها المسلمون: لا ينجو من البلاء إلاَّ الناهون المصلِحون، وخسِر هنالك الخُرس المداهنون، والعصاةُ المجاهرون، قال الله ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ .

عباد الله: أنكِروا على من كاشَف بمواقعةِ الحدود، وعِظوا من جاهر بملابسةِ الذنوب، ولا توانَوا ولا تواكَلوا، ولا تواهَنوا ولا تكاسَلوا، استفرِغوا الوسعَ وابذلوا الجهود، قبل أن يستشرِي المُرود، ويستَعليَ الصدود، ويكثُرَ الشُّرود.

ويلٌ لمن جالس أهلَ المعاصي والمنكرات، أو فرِح بظهورِهم، أو رضيَ بباطلهم، أو أشادَ بأفعالهم، أو ساعَدَهم وساندهم، أو أعلَن فجورَهم، أو كثّر سوادَهم، ومن كثَّر سوادَ قومٍ فهو منهم، ومَن رضِيَ عمَلَ قومٍ كان شريكَ مَن عملَ به، والرِّضا بالمعصية وِزر ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾ .

فويلٌ لمن عَرّض نفسَه لمَقتِ الله وغضَبِه، وعذابه وسخَطِه، ويلٌ له يوم يلقَى شؤمَ فعله، وعاقبةَ أمرِه ومَكرِه، وكان عاقبةُ أمرِه خسرًا.

وإن مما يحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، وينشدون البهجة فيما عداه، يضعون السموم على الأدواء مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء، في عاجلات الشهوات والأهواء.

الخطبة الثانية:

جعل الله تعالى للمسلمين عيدين يفرحون فيهما بإكمال طاعتهم لله تعالى. ومعلوم أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين، ولكن هذه الصور من لفرح والسرور والبهجة يجب أن تكون منضبطة بما شرعه الله تعالى لنا،بعيدة كل البعد عن جميع أشكال المنكرات.

وإن المتتبع لما يحدث من مظاهر العيد في هذا الزمان ليأخذه الأسى، ويتملكه الخوف، من نزول العذاب ، وحلول العقاب، من صور في العيد تتكرر، ومظاهر من الموبقات تمارس ، كل ذلك باسم الترفيه، وإظهار السرور،صور من التبذير والعبث والاختلاط، وخروج النساء مع الرجال، وتتبع العورات، وفشو الغناء والرقص الموسيقى والملهيات، واستجلاب الكافرين، والخلوة المحرمة والاعتداء على الأعراض ، وهدر الأوقات، ومشابهة النصارى في طقوس أعيادهم. وكثرة المعاكسات .

ومن أعظم المنكرات التخلف الجماعي عن الصلوات، والاعتداء الهمجي على الممتلكات كالمطاعم السيارات والمرافق، والإسراف في استخدام الألعاب النارية من قبل الأطفال مما يتسبب في إهدار الأموال، وإيذاء لجيران، وترويع الشيوخ.

ومن مظاهر العيد المشينة ،الاختلاط الظاهر في بعض العوائل، فتجد الرجال والنساء في العائلة الواحدة من غير المحارم، قد جلسوا على مائدة واحدة يتجاذبون أطراف الحديث، ويرددون الطرائف ، وتتعالى الضحكات،فأين ذهبت غيرة الرجال، وأين اختفت معالم الفحولة، أصبح الرجل يرى زوجته تضاحك أخاه، ولا يحرك ساكنا، أضحى بعض الناس يرى ابنته تتهاون تغطية وجهها، ولا يهتز له ركن أو تتحرك له غيره. حتى أصبحت برامج العيد، وسائل لهدم الفضيلة، وتمزيق المجتمع، وتشتيت الأسر، وإلهاء الشباب بتوافه الأمور.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي، التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني أن الثقات من أهل العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينب العشبَ الماء" .

قلب طرفك في ملابس العيد، وخصوصا للبنات، اللباس إلى الركب، والقميص قد رسمت عليه رسوم، وكتبت عليه كتابات، لا يدري لابسها معناها، ولا يتبين مغزاها. ولسان حاله، لبس الناس فلبست.

عباد الله: نزهوا أنفسكم وأسماعكم عن اللهو ومزامير الشيطان، وأحلوها رياض لجنان، حلق القرآن، و مدارسة سنة سيد الأنام، تنالوا ثمرتها، إرشادًا من غي، وبصيرة من عُمي، وحثًا على تقى، بُعدًا عن هوى، وحَياةَ القلب، ودواء وشفاء، ونجاة وبرهانًا، وكونوا ممن قال الله يهم ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾ توبوا وأنيبوا، والتزموا آداب دينكم، وأصلحوا ما فسد من أحوالكم،وتمسكوا بكتاب ربكم، وسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم تفلحوا وتنجحوا.