عيد الأضحى 1427هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

التمسك بالتوحيد

عيد الأضحى 1427هـ

الحمد لله على ما منَّ به علينا من مواسم الخيرات، وما تفضل به من جزيل العطايا والهبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مسبغ النعم، ودافع النقم، وفارج الكربات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أكمل الخلق وأفضل البريات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات. الله أكبر ...........

الله أكبر كلما أحرم الحجاج من الميقات، وكلما لبى الملبون وزيد في الحسنات، الله أكبر كلما دخلوا فجاج مكة آمنين، وكلما طافوا بالبيت الحرام وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين الله مكبرين.

عباد الله: اتقوا الله واعلموا أنَّكم في يوم هو أعظم الأيام عند الله، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستبِقوا الخيراتِ، واستكثِروا فيه من الباقيات الصالحات

أيها المسلمون: إن إفراد الله بالعبادة ، هو المقصود الأعظم، له مكانةٌ عليَّة، ومنزلة ساميَة، ومقام كريمٌ، وقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهداً كلَّ الجهد في تقرير هذه الحقيقة الكبيرة، وترسيخ هذه القاعدة الشريفة، وإرساء هذا المقصد العظيم ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ هذا هو الدين الذي بعث الله به جميع المرسلين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ فكل الرسل إلى جميع الأمم ، بعثوا بدعوة الناس إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، ومعناها لا معبود بحق إلا الله، وتحقيقها أن لا يعبد إلا الله، وأن يكفر بكل معبود سواه، فلا إله إلا الله هي أساس الدين، وتحقيقها أول واجب على المكلفين، فإنها كلمة الإخلاص، وتحقيقها للمرء من النار خلاص، وهي الركن الأول للإسلام، وعليها تبنى عبادة الأنام.

عباد الله: إن هذه الكلمة هي أصل الدين، والفرقان بين المؤمنين الموحدين والمشركين الضالين، فهنيئا لمن ثبتها الله في قلبه، وذلل بها لسانه، واستعمل بها جوارحه وأركانه، فصلحت بها سريرته، وجملت بها سيرته، فسددت بها أقواله، وحسنت بها أحواله.

أيها المسلمون: لقد حفظ هذا الدين الأنفس والأموال، وصان الدماء والأعراض، حد الحدود، وشرع التعازير، وأخذ على يد الظالم، وحارب الجريمة، نشر الفضيلة، وفضح الرذيلة، وعظم أمر العفاف والحياء، أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، أوجب الصدق والأمانة، وحث على الصبر والوفاء، وأمر بالتعاون على البر والتقوى، حوت آداب الأكل والشرب، والنوم واليقظة، وحددت ضوابط اللباس والزينة، والدخول والخروج، وجاءت بآداب المشي والجلوس، والتحية واللقاء، وضعت أصولاً للزيارة والاستئذان، وسنّت أدبًا للحديث، وحقًّا للطريق. غايتها في ذلك تهذيب البشرية ومناهضة النزعات الشيطانية، وتوضيح الفرقان بين الحق والباطل.

أيها المسلمون، إن في دين هذه الأمة تلازمًا وثيقًا بين العقائد والعبادات، وترابطًا عميقًا بين السلوك والأخلاق ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾ إنه تلازم يوجب على المسلمين أن يأخذوا بالدين كله، فالدين كلٌّ لا يتجزأ، ووحدة لا تقبل التفرقة.

إن فئامًا من الناس، ظنوا أن الإسلام محصور في المسجد، ولا صلة له بالمجتمع ولا بالحياة، فأخذوا ببعض الكتاب، وأعرضوا عن بعض، وجعلوا القرآن عِضِين، وصاروا فيه مختلفين، ما وافق أهواءهم أخذوا به واتبعوه، وما خالفها تركوه وراءهم ظِهْرِيًّا ونبذوه، اختاروا في كثير من مواطنهم وأوضاعهم غير ما اختار الله، ودانوا بمناهج على غير طريق رسول الله، اختلطت عليهم السبل والمناهج، وتعددت مواردهم والمشارب، اصطبغوا بغير صبغة الله، وتغيرت أحوالهم وفرطوا في دينهم، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وأكلوا الربا وفشا فيهم الفحش والزنا، اتبعوا خطوات الشيطان وساروا في طريقه، وتفرقوا شيعًا وأحزابًا، تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أمثال هؤلاء أتيت الأمة ودُخل عليها، وبتقصيرهم وتهاونهم، هزمت وأذلت ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ .

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

العقيدة يا أهل التوحيد تشكي حالها، شككوا في مصادرها، وهاجموا نقلتها، وثلثوا بمناهج تعليمها، ورموا معتنقيها بالتخلف والرجعية، والانطواء والأحادية.

عباد الله: لا إله إلا الله، تشكوا من جور الأعداء، وضعف الأتباع، وجهل العامة، ألم تعلموا بأن هناك من يدعوا لنبذ لا إله إلا الله، كمن يدعوا غير الله، ومن يذبح لغير الله، ومن يحلف بغير الله ، ومن يدعو لتحكيم غير شرع الله، ومن جعل شرائع الله مجالا للتصويت، هل الدين صالح لكل زمان؟ وهل تعدد الزوجات ينفع في هذا الأوان؟ تغطية وجه المرأة ألم يزل يقنع به بعض الأقوام، وعما قليل تسمعون، ما رأيك في الخمور؟ أليست مزيلة الأحزان؟ والزنا لماذا حرمه الشرع قديما أليس لقلة النسوان، أما الآن فلا مجال لتحريمه فالنساء في الشوارع لا يجدن من يقوم بحوائجهن إلا بهذا الطريق.

عباد الله : محمد رسول الله تشكوا حملتها من الجحود، فهل أطاعوه فيما أمر، وصدقوه فيما أخبر، واجتنبوا ما عنه نهى وزجر

فهم السلف للعقائد والعبادات والأحكام، هو المخرج من تخبطات الحزبية،وضلالات التعصبية، وزبالات العقول، ومدعوا الوسطية، والمتعالمين من الغلمان، فعودوا بالناس للأصول، فلا يصلح آخر الأمة إلا بما أصلح أولها.

فلقد قامت هذه البلاد منذ توحيدها إلى يومنا هذا بحمد الله على تحكيم كتاب ربها وسنة نبيها بفهم سلفها، فأسبغ الله علينا النعم، ووسع لنا في الأرزاق ، ومن علينا بالأمن في الأوطان والصحة في الأبدان، ومع الانفتاح على الثقافات ، واللهث خلف القنوات، والتأثر بما يروج له من أطروحات، اهتزت بعض الثوابت، وتزعزعت كثير من القناعات، بدأ الأعداء ببث الشهوات، وإثارة الإغراءات، ثم انتقلوا اليوم إلى بث الشبهات، والتشكيك في المعتقدات، والتعدي على رب الأرض والسموات.

الخطبة الثانية

الله أكبر خلق الخلق وأبدع الكائنات، الله أكبر شرع الدين وأحكم التشريعات، الله أكبر كلما ارتفعت بطلب رحمته الأصوات، الله أكبر كلما سكب الحجيج العبرات.

الحمد لله المحمود على كل حال، الموصوف بصفات الجلال والكمال، المعروف بمزيد الإنعام والإفضال، أحمده سبحانه وهو المحمود في كل آن وعلى كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الصادق المقال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل.أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله وليكن هذا العيدُ موسماً للإحسان، واعلموا أنَّ خيرَ ما يتقرَّب به العبدُ إلى ربه في هذا اليوم إراقةُ دم الأضاحي

يومُ العيد يمثّل وسطيّةَ الدين، بهجة النفس مع صفاء العقيدة، إيمان القلب مع متعة الجوارح. العيدُ في حساب العمر وجريِ الأيام ،أيامٌ معدودة معلومَة، ومناسبةٌ لها خصوصيّتها، لا تقتصر الفرحةُ فيه على المظاهر الخارجيّة، لكنّها تنفذ إلى الأعماق وتنطلق إلى القلوب، فودِّع الهمومَ والأحزان، ولا تحقد على أحد من بني الإنسان، شاركِ الناسَ فرحتَهم، أقبِل على الصغير والكبير

في العيد تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ. وإذا كان في القلوب رواسبُ خصامٍ أو أحقاد، فإنها في العيد تُسلُّ فتزول، وإن كان في الوجوه العبوسُ، فإنَّ العيدَ يدخل البهجةَ إلى الأرواح، والبسمةَ إلى الوجوه والشِّفاه، كأنَّما العيد فرصةٌ لكلّ مسلمٍ، ليتطهَّر من درن الأخطاء، فلا يبقى في قلبِه إلا بياضُ الألفة، ونور الإيمان، لتشرق الدنيا من حوله، في اقترابٍ من إخوانه ومحبِّيه، ومعارفِه وأقاربِه وجيرانه.