خطورة الاستهزاء بالدين

بسم الله الرحمن الرحيم

خطورة الاستهزاء بالدين

الأسبوع الثقافي بكلية اليمامة

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، اسلكوا طريق العارفين، وامتطوا مراكب المتّقين، كونوا على وجل من هجوم الأجل، ولا تُطغِكم الدنيا، ولا يلهكم الأمل. استعدّوا بتقوى الله وصالح العمل، ما أثقلَ رقادَ الغافلين، وما أغلظ قلوبَ المستكبرين، الأيام تمرّ مرّ السحاب، والأعمار آخذة في الذهاب، والأعمال محفوظة في كتاب، والموعد يوم الحساب، فاحذروا حسرة النادمين ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ .

أيّها المسلمون: بكلمةِ الحقّ الصادقة النزيهة، تُبنى العقول، وتُشاد الأوطان، وهي عِماد التربية، إن صلَحت الكلمة صلَح المجتمع كلُّه، والصدقُ يهدي إلى البرّ، وللكلمةِ قوّةُ السيف في البناء والتغييرِ والإصلاح، والعاقل من الناس لا يتكلّم إلا لحقٍّ يبيِّنه، أو باطلٍ يَدحَضه، أو علمٍ ينشره، أو خيرٍ يذكره، أو فضلٍ يشكره، وتركُ الفضول من كمالِ العقول، الكلمةُ تفرِح وتحزِن، وتجمَع وتفرِّق، وتبني وتهدِم، وتُضحك وتُبكي. بالكلمةُ تكون التربية والتعليم، وتنتشِر الدعوة والفضيلة، ولقد كان من دعاء موسى عليه السلام: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ ، وقال الله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ .

عباد الله: هذه هي الكلمةُ، في حقيقتِها وطبيعتها وأثرِها، فكيف تكون حرّيّة الكلمة؟ وكيف تُفهَم حرية التعبير؟ الحرية مسؤوليةٌ، والغاية هي الإصلاحُ والبناء، وليس الهدم والإفساد، والتعاونُ والتفاهم، وليس الشّقَاق والتّصادم، حرّيةُ التعبير، وحرّيَّة الكلمة، قِيَمٌ حضاريّة عالية، لها المكان الأرفَع، والاحتفاء الأَسمى. ومنَ المعلوم لدى العقلاء أن الإنسان يوزَن بكلامه، ويحكَم عليه من لسانه، فالساكتُ مَوضِعَ الكلام محاسَب، والمتكلِّمُ في موضعِ السكوتِ محاسَب، والساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرَس، وكلامُ الزور إثمٌ وفجور، والكذِب يهدي إلى الفجور، وكفَى بالمرء إثما أن يحدِّث بكلّ ما سمِع، وكَم من كلمةٍ قالت لصاحبها: دَعني.

إنَّ مما ينبغي أن يُراعى في ضوابط حريّة التعبير ، الإخلاص والإتباع ، وقصد الحق والتجرّد من نوازِع الهوى وحظوظ النفس

عباد الله: الكلمةُ عنوان المرءِ، تُتَرجِم عن مُستَودعاتِ صَدره، وتبرهِن على مكنوناتِ قَلبِه، وتدَلِّل على أصله وعقلِه، وفَمُ العاقِل ملجَم، إذا همَّ بالكلام أحجَم، وفَم الجاهِلِ مطلَق، كلّما شاء أطلَق، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخرِ فليقل خيرًا أو ليصمُت» متفق عليه ، وشرّ الناس مائِلٌ بمقاله، مميلٌ بلسانِه، مُبطِل بكلامِه.

وكلِمَة أهلِ النّفاق باديةٌ في لحنِ قولهم، وفلتَات ألسِنَتهم، مهما تقنَّعوا بالنُّصح والإصلاح، وتظاهَروا بالصِّدق والإحسان، والله مخرِج ما يكتُمون ومظهِر ما يضمِرون ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾ كلامُهم كلامٌ غَثٌّ، وفِكرُهم فكرٌ رثٌّ، هَذيان ممجوجٌ، ومنطِق محجوج، يدلّ على فسادٍ باطِن، ومَكرٍ كامِن .

أيّها المسلمون: وأما كلِمةُ الفسوق، فهي ميلٌ إلى المعصيةِ، وخُروج عن الاستقامة، واستِرسال في الحوبِ، وإفاضةٌ في الخنا، وإشاعةٌ لكلام الفحشِ ولَهو الحديث، وإذاعةٌ لصوتِ المنكَر، الذي يبعَث على الهوَى والعَبَث والمجون، وعبادُ الرحمن لا يتدنّسون باللّغو الفاجر، ولا يجاهِرون بالمعاصي والمناكِر.

وكلِمَة الإرجافِ والتحريش، إظهارٌ للشّناعةِ على رؤوسِ الأشهاد، وإشاعةٌ لأراجيفِ الأخبار، والتماسٌ للفرقة، وتفوُّه بما يفضِي لانقصام العَصا، وانفصَام العُرى، وإثارَةِ الدهماء والغوغاء، وتحريك القلوبِ بالسوءِ والفتنة، ضدَّ جماعةِ المسلمين وأئمّتهم وعلمائِهم وبلادِهم .

إن ظاهرة الاستهزاء والسخرية بالدين وأهله، قد أذكاها أعداء الله المعاصرون؛ تلقوا بعض أحكام الإسلام بالسخرية، ووصفوا المتمسكين بها بالرجعية. واحتقروا علماء الإسلام وازدروهم، ثم قدموا جهلة منحرفين إلى مراكز الصدارة. فاستهزؤوا بشعائر الإسلام الظاهرة؛ كاللحية وتقصير الثوب والسواك ونحو ذلك. ومن ذلك المسلسلات والمسرحيات، التي تظهر رجل الدين بمظهر المغفل، الذي لا يفقه شيئًا وبأنه يحب الإجرام،ويتصف بالتطرف، لا يقبل إلا رأيه، عاشق للجنس، باحث عن النساء.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ .

الخطبة الثانية:

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "من استهزأ ببعض المستحبات كالسواك والقميص الذي لا يتجاوز نصف الساق والقبض في الصلاة ونحوها مما ثبت من السنن فحكمه أنه يبين له مشروعية ذلك وأن السنة دلت على ذلك، فإذا أصر على الاستهزاء بالسنن الثابتة كفر بذلك" .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وقد أجمع علماء الإسلام في جميع الأعصار والأمصار على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من الدين، وأجمعوا على أن من استهزأ بشيء من ذلك وهو مسلم أنه يكون كافرًا مرتدًا عن الإسلام، يجب قتله لقوله صلى الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه»".

عباد الله: هل عقل هذا المصيرَ، بعضُ أَصحابِ الأقلامِ الصحفيةِ،وكاتبوا النصوص المسرحية، ومنظمو الأسابيع الثقافية، والتي تدّعي الوطنية، وهي تهدمُ الأُسسَ الراسخةَ بالكلية، إنها فتنةٌ اندلعتْ نارُها، وارتفعَ أُوارُها، ما فتئتْ تسخرُ وتتلاعبُ بثوابتِ الدينِ .

إن هؤلاء الذين تأثروا بأفكارَ غريبةٍ ، يزعمونَ أن هذه البلادَ، وما كَانَ عليه ملوكُهَا وعلماؤُها منذ قرونٍ، من تحكيمٍ للشريعةِ في كلِّ الأمورِ، تشددٌ ورجعيةٌ، فلا بدَّ أن تتخلى البلادُ عن مرجعيتِها العلميةِ ، فلا فرقَ في الحوارِ والرأيِ عندَهم بين عالمٍ وجاهلٍ، ولا بينَ فضيلةٍ ورذيلةٍ، بلْ ولاَ بينَ ديانةٍ وزندقةٍ، فيجبُ أن تتخلى البلادُ عن محاكمِها وهيئاتهِا، وحجابِ نسائِها، ليتحققَ الإصلاحُ الذي يريدونَ.

إن حالَ هؤلاء وصفَه العالمُ الربانيُ صالحٌ الفوزان ـ حفظه اللهُ ـ حيث قال "وقد سنحتْ الفرصةُ للمنافقينَ والذينَ في قلوبِهم مرضٌ بترديدِ مقالةِ الكفارِ باتهامِ الإسلامِ بالتطرفِ والإرهابِ، واتهامِ مصادرِه وعلمائِه بذلك، والمناداةِ بحريةِ المرأةِ ومساواتِها بالرجلِ، وخلعِها للحجابِ وتوليِها أعمالَ الرجالِ، ومناداتهم بإزالةِ الفوارقِ بينَ المسلمينَ والكفارِ باسمِ حريةِ الرأي وحريةِ الديانة، وعدم كره الآخرِ، وتركِ بابِ الولاءِ والبراءِ، وحذفِه من الكتبِ والمقرراتِ الدراسيةِ، وعدمِ تكفيرِ من كفرَّه اللهُ ورسولُه ولو ارتكبَ نواقضَ الإسلامِ كلِّها، كلُّ ذلكَ تحتَ مبدأِ التسامحِ وحريةِ الرأيِ، وقبولِ رأيِ الآخرِ. وكلُّ من خالفَ هذه المبادئ الخبيثةَ عندَهم، والتزمَ بالإسلامِ وأصولِه وأحكامِه، فهو متشددٌ ومتطرفٌ وتكفيريٌ، حتى تناولوا بهذه الاتهاماتِ أئمةَ الإسلامِ ومجدديِه كشيخِ الإسلامِابنِ تيميةَ، وشيخِ الإسلامِ محمدِ بنِ عبدِ الوهاب، حتى نادى بعضُهم بإعادةِ النظرِ في كتبِ العقيدةِ، وإخلائِها من كلِ ما يتعارضُ مع مبادئِهم ورغباتِهم. ونقولُ لهؤلاءِ وهؤلاءِ ما قالَه اللهُ لهم ﴿مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ، وسيبقى الإسلامُ وتموتُ المبادئ الهدامةُ وأهلُها ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ أ هـ .

عباد الله، إن هؤلاء الذين يفسدونَ ولا يصلحونَ ويهدمونَ ولا يبنونَ حالُهم كحالِ فرعونَ حينَ قالَ عنْ موسى عليه السلام: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ﴾ .

أما الذين يبطنونَ ما لا يُظهرونَ وحالهُم كما قالَ تعالى: ﴿وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ ، فهم يحرّفونَ دينًا ويفسدونَ عقيدةً ويدمرونَ بلدًا ويغتالونَ أمةً، واللهُ يقول عن أمثالِهم ﴿هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ .