الصارم المسلول على شاتم الرسول (3)

بسم الله الرحمن الرحيم

الصارم المسلول على شاتم الرسول (3)

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من بريته، وحجته على خلقه، أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أرسله على حين فترة من الرسل، وليل الكفر مدلهمٌ ظلامه، شديد قتامه، ففلق الله بمحمد صلى الله عليه وسلم صبح الإيمان، فأضاء حتى ملأ الآفاق نوراً، وأطلع به شمس الرسالة، وجعله سراجاً منيراً، فهدى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وبصر به من العمى، وأرشد به بعد الغي، وكثَّر به من القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، واستنقذ به من الهلكة، وفتح الله به أعيناً عمياً، وآذناً صماً، وقلوباً غلفاً، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه حتى أتاه اليقين، شرح الله له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.

قال عليه الصلاة والسلام: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد» . رواه البخاري ومسلم .

أوفر الناس عقلاً، وأسدهم رأياً، وأصحهم فكرة، وأسخاهم يداً، وأنداهم راحة، وأجودهم نفساً، أرحب الناس صدراً، وأوسعهم حلماً، لا يزيده جهل الجاهلين عليه إلا عفواً، أعظم الناس تواضعاً ، وألينهم عريكة، وأسهلهم طبعاً، أشجع الناس قلباً، وأقواهم إرادة، وأعفهم لساناً، وأوضحهم بياناً، يسوق الألفاظ مفصلة كالدرر مشرقة، كالنور هو طاهر كالفضيلة، إنه صاحب العفة يقيم الحدود، ويقسم بالعدل بين الناس، هو أسمح الخليقة روحاً، وأعلاها نفساً، أشد الناس في أمر الله، أخشى الناس لله، يؤتي كل ذي حق حقه، أرفق الناس بالضعفاء، وأعظمهم رحمة بالمساكين، إنه أمين الله على وحيه، ومصطفاه من خلقه، أختاره الله وبعثه رحمة للعالمين.

أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، تركنا على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، علمنا فأحسن تعليمنا، وأدبنا فأحسن تأديبنا عليه الصلاة والسلام

عباد الله : إن من أعظم ما يغيظ المسلم الإساءة للحبيب عليه الصلاة والسلام ، ومما يقرّح العين ، ويدمي الكبد الطعن في النبي المختار ، ولكن وكما هو معلوم من أنَّ المحن تأتي بالمنح، والألم يفتح آفاق الأمل ، فمن كان يتخيل أن تقوم امة محمد صلى الله عليه وسلم في أوج تخلفها وتمزقها ، واختلافها وتفرقها ، فتستدبر خلافاتها ، وتقف صفاً واحداً غيرة على الدين ، وانتصارا لرسول رب العالمين ، بأبلغ الأقوال ، وأصدق الأفعال.

أيها المسلمون : لنا فيما حدث دروس وعظات، وعبر وفوائد فمن ذلك : درسُ العصمةِ للدين، و للنبيِّ الكريم، إن الدينَ دينُ اللهِ، ومحمّدٌ رسولُ اللهِ، وهو ناصرُهُ ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ .

تعلمنا من الحدث أن أعداء الإسلام ، ينصر بعضهم بعضا فنرى بعض صحف الدول الأوربية تتسابق إلى تكرار التجربة إمعاناً في العداء ، ومحاولة لتشتيت جهود المسلمين.

وحرك المستهزؤون في قلوب المسلمين حب النبي صلى الله عليه وسلم  فثارت الأشواق ، وهاجت الذكريات ، فالأخبار والمقالات والقصائد، وأحاديث المجالس ورسائل الجوال والانترنت ، والبرامج المسموعة والمقروءة والمرئية كلها عن محمد صلى الله عليه وسلم  . لقد شاعت سيرته عليه الصلاة والسلام في أنحاء العالمين ، وتعددت مشاريع طباعة الكتب ، وإقامة المؤتمرات والندوات .

لقد كانت ردة الفعل التي واجه المسلمون بها حادثة الاعتداء على النبي الأكرم مؤشر خير على أن الأمة لا تزال بخير ، يحمل في طياته الحب العظيم للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ، ويحمل في طياته كره ما سوى شريعته من زبالات أفكار البشرية ، ويحمل في طياته صعوبة الفصل بين الأمة ونبيها، والأمة وتاريخها. ويحمل في طياته استعداد الأمة للتضحية في سبيل نصرة دينها ، حتى وان تساهل الكثير من المسلمين ببعض الشرائع ، واتبعوا الشهوات ، فجذوة الإيمان باقية ، والخير فيهم كثير .

ألا قاتل الله الديمقراطية ، التي تبيح الكفر والفسوق وانتهاك حرمات الله، وشتم أنبيائه، والاستهزاء بهم بدعوى حرية التعبير، والرأي والرأي الآخر.

ومن ذلك :أهمية توظيف القدرة الاقتصادية للدفاع عن الأمة، وتحقيق مصالحها. و وضوح الأثر الإيجابي لوسائل الإعلام عند استخدامها في المجالات المهمة والقضايا الجوهرية في حياة الأمة.

لقد كانت النصرة شاهداً على محبة حقيقية لا زائفة، وغيرة صادقة لا كاذبة، وحركة عملية لا دعائية، وإيجابية جماعية لا فردية، توافقت مع موقف ولاة الأمر وفقهم الله .

الخطبة الثانية

استهزأ قوم بنبينا صلى الله عليه وسلم فثارت ثائرتنا، واحمرت أحداقنا، وانتفخت أوداجنا، وعلت أصواتنا، وقاطعنا أعداءنا، غيرة لرسول الله  ومحبة له ، وهذا أمر محمود، وفعل مشكور، ودليل ظاهر ، وحجة دامغة، تثبت للقاصي والداني ، مكانة سيد الخلق في نفوس أتباعه، ما أجملها من مظاهر ، وما أروعها من مناظر، تلك التي تضعف الأعداء ، وتفرح الأصدقاء، وتعلي الهامة، وترفع القامة، حينما تهب الأمة انتصارا لرسولها وقائدها وقدوتها صلى الله عليه وسلم . على نور من سنته، واتباعا لصحابته، واعتدالا ووسطية، وسكينة وروية، لا تفجير ولا تدمير، ولا تخريب ولا تكسير ، سعيا لأعلى المصالح، ودرءً للمفاسد.

عباد الله : حري بنا ونحن نتقلب في أيام تذكر الأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم ، أن نحيي في الأمة الغيرة لسنته، ومقاطعة كل ما يصد عنها، حري بنا أن نعود على أنفسنا، فنرى موقفها من اتباعه صلى الله عليه وسلم ، هل انصاعت له وانقادت، هل سلمت له وذلت ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ .

قاطعنا بضائع أعدائنا يوم أن سبوا نبينا ، فهل قاطعنا أهواءنا وشهواتنا يوم أن صدتنا عن سنته صلى الله عليه وسلم . هل قاطعنا شياطين الإنس والجن، يوم سعوا لإغوائنا، هل قاطعنا قنوات العهر والرذيلة، يوم أن أصبح شغلها الشاغل، وعملها الدؤوب، إضلال الشباب، والسعي في الخراب، هل قاطعنا صحفا تسيء لعقيدتنا، وتشكك في ثوابتنا، وتستهزئ بالعلماء ، وتنتقص من الأخيار

عبد الله : يا من استغنيت عن الأجبان والألبان، التي يصدرها لك أعداء نبيك، محبة له وإجلالا ، هلا استغنيت عن السهر وتضييع صلاة الفجر، اتباعا لسنة نبيك وإكبارا. هل ابتعدت عن الشبهات ، وترفعت عن الشهوات ، تعظيما لنبيك وتعظيما، هل أطبت مطعمك، وحفظت سمعك وبصرك، هل اتقيت الله فيما تأتي وما تذر، لنراجع أنفستا، ولنأطرها بإطار الحق، ونزمها بزمام الشرع، فهذا دليل صجة المحبة ، وصدق الاتباع. فالتبعية هي للنبي الأمي ، إيمانا بشريعته ، واتباعا لأمره، وانتهاء عن نهيه ، امتثالا لقول الله تعالى ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ هذا برهان محبة أهل السنة، لا حب الصوفية والمبتدعة، المتمثل في هز الرؤوس، وابتداع الطقوس، وليس حب الرافضة المتمثل في شق الجيوب ، وضرب الخدود، وإراقة الدماء ، واستثارة الدهماء.