التفحيط وأضراره

بسم الله الرحمن الرحيم

التفحيط وأضراره

الأولاد أمانة في أعناق الوالدين، والوالدان مسئولان عن تلك الأمانة، والتقصير في تربية الأولاد خلل واضح، وخطأ فاضح، وخيانة للأمانة، ونقص في الديانة، وشرخ يحدث في بناء الأمة. فالبيت هو المدرسة الأولى، واللبنة التي يتكون من أمثالها بناء المجتمع. قال صلى الله عليه وسلم «والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته».

أيها المسلمون: ها هم أبناؤنا يعيشون أيام الاختبارات، التي تكثر فيها التجمعات الطلابية خارج المدارس، وتزداد جلسات الأنس على الأرصفة وفي المطاعم، فيا أيها الآباء والأمهات : عَلّقوا قلوب الأبناء بالله جل وعلا، واحموهم من النار الكبرى، وحَذّروهم من التجمعات الشبابية في الأحياء، ففيها يختلط الكبار والصغار، وقد يتأخرون عن الصلوات، ولربما تعلّموا سيء العبارات، وتدرّبوا على قبيح الصفات، وشجعوا المفحطين بالسيارات، وقد يألفون شرب الدخان، وفعلَ الفواحش والموبقات، والخوف عليهم واردٌ من الركوب إلى الفساد والاستراحات، وحذّروهم من الجلوس في الطرقات، فقد حَذّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

عباد الله: وحش كاسر، وداء فتاك، وسم زعاف،يخرج في شوارعنا لينشر الرعب في أبشع صوره، وأدق تفاصيله، يتزين بزينة مخملية، يغرر بها مراهقينا ليتبعوه، ثم يكشف لهم عن ناب لحظات، يحيل أفراحهم فيها إلى أتراح، وأشلاء ودماء، يأكل صاحبه القريب إن لم يجد ما يأكله، فخ لمجرمي الشذوذ والخطف والمسكرات، والاغتصاب والمخدرات، يتحين أوقاتا من العام، ليكشف بها عن نفسه، يخرج عليكم في أيام الامتحانات، بأبشع صوره، إنه التفحيط.

السيارة نعمة من نعم الله، فكيف يحوّل بعض شبابنا هذه النعمة إلى نقمة، رأيناهم بالموت يلعبون، وبالأرواح يغامرون، وبالأبرياء يضحون، وللأموال يبددون هل تصدقون أنه بسبب الحوادث المرورية، أربعة آلف ومائتي إنسان يموتون ، وأكثر من واحد وثلاثين ألف جريح، في عام واحد في هذه البلاد، وخلال ثلاث وعشرين سنة بلغ عدد المصابين في حوادث المرور بالمملكة أكثرَ من نصف مليون مصاب، توفي منهم ستون ألفَ إنسان، وهل تعلمون أن ثُلث أَسِرّة المستشفيات، يرقد عليها ضحايا السيارات، إنها أرقام مخيفة، تقف وراءها ظواهر سيئة كالسرعة و التفحيط وغيرها.

ظاهرة التفحيط، ظاهرة مرعبة، لكنها عند بعض شبابنا مجرد لعبة . إنها لعبة الموت، شاب متهور، يقوم بحركات قاتلة، يصوب سيارته إلى مجموعة من الجماهير، التي اصطفت يميناً وشمالاً، في الطرقات وبعد المباريات، وعند المدارس والساحات، يشجعون ويضحكون، ولكن سرعان ما يندمون ويبكون .

للتفحيط أضرار لا تحصى، وأخطار لا تستقصى، فمن ذلك

 قتل النفس: فالمفحط وهو يقوم بهذه اللعبة، يغامر بروحِه التي يحيا بها، وحواسِّه التي يشعر بها،وأطرافِه التي يتحرك بها، لعبة الموت؛ كم أزهقت من روح، وكم فجرت من جروح، فكيف يرضى العاقل أن يقتل نفسه، أو يَشُلَّ جسده، زوروا مستشفى النقاهة، لتروا بأم أعينكم، شابا أمضى بعد الحادث أحد عشر عاماً على السرير، قد انثنت أطرافه، وانحرفت رقبته، وشلت حركته، فلم يبق منه سوى نظرةٍ بالعين، والتفاتةٍ يسيرة بالعنق . ومن مفاسد التفحيط: التعدي على الآخرين، بإتلاف أرواحهم، وتحطيم أبدانهم، وترويعهم في طرقاتهم، كم من رجال ونساء، وأطفال أبرياء، تحولوا إلى أشلاء بسبب تهور المفحطين.

كما أن التفحيط مفتاح لجرائم متعددة، من سرقات وأخلاقيات، ومسكرات ومخدرات. ومن أضرار التفحيط أيضا : ما يسببه من تجمعات الشباب التي تكون سبباً في الفوضى، والتعدي على الناس والممتلكات، وقد قال صلى الله عليه وسلم «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» .

للتفحيط أسباب منها : ضعف الخوف من الله، وحب الظهور والشهرة، والفراغ ومحاولة تقليد رفقة السوء، وضعف رقابة الأسرة، ومن أسباب التفحيط بعض ما يعرض في وسائل الإعلام، والألعاب الإلكترونية ؛ يتأثر كثير من الشباب بأفلام المطاردات والعنف، التي تعرض في بعض القنوات، فيحاول الشاب تقليد الحركات التي يشاهدها،وهذه الأفلام، قد يشاهدها الشاب في بادئ الأمر لمجرد التسلية،لكنها سرعان ما تثير في نفسه الرغبة في التفحيط فاليوم يفحطون عبر الشاشات، وغداً يفحطون في الساحات. ومن أعظم أسباب التفحيط البحث عن العلاقات الشاذة،ومحاولة اجتذاب الأحداث والمردان، واستدراجَهم لفعل الفاحشة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأمات وأحيا، وأغنى وأقنى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، ورسوله المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أما بعد

أيها المفحط: إلى متى وأنت تغامر بروحك وأرواح الآخرين، ألم تر أو تسمع ببعض المفحطين الذين فقدوا حياتهم، وأفضوا إلى ربهم بسبب هذا الفعل ؟ ألم تسمع نداء ربك، وهو ينهاك عن قتل نفسك ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ أيسرك أن تلقى الله وقد قتلت نفسك بهذا الفعل، قال عليه الصلاة والسلام في المتفق عليه عن أبي هريرة «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً» .

أيها المفحط: إن دماءَ المسلمين غاليةٌ عند الله، فكيف تكون رخيصةً عندك،ألم تسمع قول المصطفى عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجه بسند صحيح «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق» . كم من نفس قتلتها، وكم من أسرة حصدتها، وكم من امرأة أرملتها، وكم من طفلة يتمتها،هل غرك حلم الله عليك، أم استخففت بنظره إليك، أهذا شكر نعمته عليك ؟

وأنتم يا جماهير التفحيط وعاشقوه: أما تخشون على نفسكم من الهلاك، أما لكم فيمن قتله التفحيط معتبر، أذكركم بقول الله ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ .

أخي الشاب: يا من خلقك ربك فسواك، ورزقك وكساك، وأطعمك وسقاك، ومن كل خير سألته أعطاك، ومع ذلك عصيت وما شكرت،وأذنبت وما استغفرت، تنتقل من معصية إلى معصية، كأنك ستخلد في هذه الدنيا الفانية، تبارز الله بالمعاصي والذنوب،غافلا ساهيا عن علام الغيوب،ليت شعري متى تتوب؟

 أيها الشباب إنني أناديكم من على هذا المنبر يا أسس المجد والشرف ويا خير خلف لخير سلف، لا يجرفنكم سيل المدنيّة الخبيثة فيمن جرف، ولا تشتغلوا عن الواجبات بأسباب الراحة والترف، ولا يصرفنكم الشيطان عن صفات الرجولة فيمن صرف، فيذهب حينئذ عزكم ويحل بكم الدمار والتلف.

وسوف تسأل أيها الشاب عن أوقاتك في أي شيء قضيتها؟ فإن قضيتها في طاعة الله كانت لك مكسبا وإن قضيتها في معصية الله كانت عليك وبالا وخسرانا وإن قضيتها في غفلة تحسّرت عليها في قبرك ويوم حشرك.

وسوف تسأل عن حركاتك وسكناتك، وأقوالك وأفعالك، وسوف يشهد عليك لسانك وسمعك، وبصرك ويدك ورجلك ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ