المسكرات وأضرارها

بسم الله الرحمن الرحيم

المسكرات وأضرارها

عباد الله، لقد كرم الله ـ عز وجل ـ، بني الإنسان على كثير من مخلوقاته ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ .

كرم الله ـ عز وجل ـ بني آدم بخلال كثيرة، امتاز بها عن غيره من المخلوقات، من جماد وحيوان، ونبات وجان؛ كرمه بالعقل، وزينه بالفهم، فكان العقل من أكبر نعم الله على الإنسان، به يميز بين الخير والشر، والنافع و الضار ، فالعقل جوهرة ثمينة، يحوطها العقلاء بالرعاية والحماية؛ وبالعقل يكون مناط التكليف. وبه يشرف العقلاء، فيستعملون عقولهم فيما خلقت له ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ .

وإذا حفظ المرء عقله وحافظ عليه، وصانه عن كل ما يشينه، سهل عليه القيام بما كلف به، وفهم الخطاب الموجه إليه، وقام به على أكمل وجه، فيحفظ دينه، أما إذا أهمل عقله وضَّيعه، واستعمله فيما لا ينفعه، فإن انحرافه عن جادة الصواب قريب، ووقوعه في مزالق الرذيلة وشيك.

عباد الله، لقد مر علينا في بلادنا هذه زمان، كان الذي يشرب فيه الدخان يُقاطع، ويُهجر ويُرمى بالفسق، ثم أدخل أعداء الله أنواعاً وأشكالاً من المسكرات والخمور، فوقع فيها الغافلون البعيدون عن رب العالمين، فأصبح الناس يحذرون من الخمور، وتساهلوا في الدخان حتى ترك المسلمون الإنكار على شاربيه، والآن تسلط أعداء الله بمختلف أنواع السموم من مخدرات ونحوها، حتى تساهل الناس في الخمر وشُربها.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله آفات الخمر ، ويلحق بها المخدرات من باب أولى، فقال عن آفات الخمر في الدنيا: "إنها تغتال العقل، ويكثر اللغو على شربها، وتستنزف المال، وتصدع الرأس، وهي كريهة المذاق، وهي رجس من عمل الشيطان؛ توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، وتذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة، وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين، وتسلبه أحسن الأسماء والسمات، وتكسوه أقبح الأسماء والصفات، وتسهل قتل النفس، وإفشاء السر، ومؤاخاة الشياطين، في تبذير المال الذي جعله الله قياماً له، وتهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدل على العورات، وتهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم، وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد وثن، كم أهاجت من حرب، وأفقرت من غني، وأذلت من عزيز، ووضعت من شريف، وسلبت من نعمة، وجلبت من نقمة، وفسخت مودة، ونسجت عداوة، وكم فرقت بين رجل وزوجته، فذهبت بقلبه وراحت بلبّه، وكم أورثت من حسرة، أو جرّت من عبرة، وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر، وكم أوقعت في بلية، وعجّلت من منية، وكم أورثت من خزية، وجرت على شاربها من محنة، فهي جماع الإثم، ومفتاح الشر وسلاّبة النعم، وجلابة النقم، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد لكفى بها من مصيبة"أ.هـ

وقد ذكر الشيخ البيحاني أيضاً في آفاتها: "وبالخمر تقع العداوة والبغضاء، وتصور لشاربه خلاف الواقع، ويتوهم وهو سكران القدرة على مصارعة الأُسود، وأنه السيد المطاع، والحاكم المطلق، والبحر الخضم، في الكرم والجود، والحقيقة أنه يكون وقت شربها، أضعف من دجاجة، وأخبث من جمل، وأبلد من حمار، وأديث من خنزير، يصده الشيطان بشرابه الخبث عن ذكر الله وعن الصلاة، ويوقعه في معصية الله وسخطه، يرتكب الكبائر، ويقترف الجرائم، ويقع في الآثام، ويتخبط في الحرام، ويترك ما يجب عليه من الأحكام، فيفعل نُكراً، وينطق كُفراً، يسب ربه وأمه وأباه، ويُطلِّق ويزني ويلوط، ويعبث بالأعراض والكرامات، ويتلف أثاثه، ويوسخ ثيابه على نفسه، ويبكي بلا سبب، ويضحك من غير عجب، فتهزأ به الصبيان، ويسخر به السفهاء، ويمقته العقلاء ويبغضه أهله وجيرانه، ورحم الله عدي بن حاتم، إذ قيل له: مالك لا تشرب الخمر؟ فقال: ما أحب أن أصبح حكيم قومي وسفيههم" أ.هـ.

ويقول الحسن البصري رحمه الله: "لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب كل العجب فيمن يشتري بماله ما يفسده". اللهم ................

الخطبة الثانية:

فكم مزَّقت المخدرات والمسكرات، من صِلات وعلاقات، وفرقت من أُخُوَّةٍ وصداقات، وشتَّتت أسرًا وجماعات، وأشعلت أحقادًا وعداوات ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ .

إن من يلقي بنفسه في سموم المسكرات والمخدرات، يسهل عليه أن يبذل كل غالٍ ونفيس، ويضحي بكل عزيز، من أجل الوصول إليها والحصول عليها، حتى ولو كان ذلك من أضيق المسالك وأخطر الطرق، فقد يسرق أو يختلس، بل ويتخلى عن جميع القيم والأخلاق ، قال عثمان رضي الله عنه : "فاجتنبوها، فإنها أم الخبائث، وإنه ـ والله ـ لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل، إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر" .

وقال صلى الله عليه وسلم «كل مسكر حرام، إن على الله ـ عز وجل ـ عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، أو: عصارة أهل النار» (م) والذي يشرب الخمر في الدنيا يُحرم منها في الآخرة كما في الحديث عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حُرمها في الآخرة» (خ،م)

عندما يشرب المتعاطي كأس خمر، أو جرعة مخدر، أو عند استنشاق مسكر، أو شرب مفتر، يفقد الإنسان عقله، فينسلخ من عالم الإنسانية ويلبس قميص الإجرام والفتك والفاحشة.

لقد قضت هذه المخدرات على أسر زُج بعائليهم في السجون، جزاء لما ارتكبوه، وبقيت أسرهم بلا عائل، ونساؤهم كالأرامل، وأولادهم كاليتامى، وأضاع شبابه وزهرة حياته، وحطم مستقبله بمعول أعدائه، وأصبحت السجون تئن بما أثقلت به.

المتعاطي متحلل من كل فضيلة، متلبس بكل رذيلة، فكم من الجرائم ارتكبت تحت تأثير المخدرات، وكم من الفواحش والآثام اقترفت في غياب عقل الإنسان وإرادته، كم من الأعراض انتهكت، وكم من الأموال سرقت، وكم من حوادث السير وقعت، وكم من بريء وبريئة خطفت، كلها تدخل تحت تأثير المخدرات.

فاحذروا أيها الشباب التقليد والمجاملة لرفقاء السوء، بل على العاقل أن يبتعد عن مجالسهم السيئة، واحذر يا من ابتليت بشيء من هذه السموم، احذر أن تصم أذنيك، وأن تستغشي ثيابك حينما تسمع التوجيه من الموجهين، والنصيحة من الناصحين، بل كن من الذي لهم آذان يسمعون بها وقلوب يعقلون بها، لعلك أن تكون من الراشدين الشاكرين.

وتذكر قول الله ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ .

أتأمن أيها السكران جهلاً *** بأن تفجأك في السكر المنية

فتضحى عِبرة للناس طراً *** وتلقى الله من شر البريـة