المرأة بين جاهليتين

بسم الله الرحمن الرحيم

المرأة بين جاهليتين

عباد الله: المرأة أم المستقبل، ومربية الأجيال، والحصن المنيع ضد تيارات الفساد والتدمير، بل هي نموذج الصبر والتضحية، وقبس في البيوت مضيء، ولم يكن لأصحاب الرذيلة والانحراف بد من نسف الحياة الطيبة، التي تعيشها المرأة المسلمة في ظل دينها وإسلامها، فأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، توجه المرأة لمخالفة دينها، وغدت المنظمات الدولية، والمؤسسات الحقوقية، تتباكى على حال المرأة المسلمة، زاعمين أن مرادهم إنقاذها، والرفع من مكانتها، والحقيقة هي استغلالها، والنيل من كرامتها، فعزة المرأة المسلمة في التمسك بشريعة ربها.

ولننظر في حالة المرأة قديماً وحديثاً، وكيف أعزها الإسلام بتشريعاته السمحة. لقد كانت المرأة قبل الإسلام في غاية من الذل والاحتقار:

فعند الهنود، لم يكن للمرأة حق الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها، فإذا مات الزوج أحرقت معه وهي حية على موقد واحد.

أما اليهود فكانوا يعتبرون المرأة لعنة؛ لأنها أغوت آدم، وعندما يصيبها الحيض لا يجالسونها، ولا يؤاكلونها، ولا تلمس وعاء حتى لا يتنجس.

أما حال المرأة عند النصارى: فقد دار بينهم نقاش طويل في انتسابها إلى الجنس البشري، إلى أن قرروا أنها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.

أما حالها عند العرب في الجاهلية: فلم تكن تأخذ شيئا من الإرث، بل كانت تعتبر إرثا كبقية الأموال، ومن العادات القبيحة التي ذمها القرآن، عادة وأد البنات، فكانوا يأدون البنات خشية الفقر، أوخشية العار .

يُروي أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مالك تكون محزونا» ، فقال: يا رسول الله إني أذنبت ذنبا في الجاهلية، فأخاف ألا يغفره الله وإن أسلمت، فقال له: أخبرني عن ذنبك، فقال : إني كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لي بنت، فتشفعت لي امرأتي أن أتركها، فتركتها حتى كبرت، وأدركت،  وصارت من أجمل النساء، فخطبوها، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها، أو أتركها في البيت بغير زوج، فقلت للمرأة، إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا في زيارة أقربائي، فابعثيها معي، فسرت بذلك وزينتها بالثياب، والحلي،  فأخذت علي المواثيق بأن لا أخونها، فذهبت إلى رأس البئر فنظرت في البئر، ففطنت البنت أني أريد أن ألقيها، فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول: يا أبت ماذا تريد أن تفعل بي؟ فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت لا تضيع أمانة أمي، فجعلت مرة أنظر في البئر، ومرة أنظر إليها وأرحمها، حتى غلبني الشيطان، فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة وهي تنادي في البئر، يا أبت قتلتني، فمكثت هناك حتى انقطع صوتها،  فرجعت، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بأي ذنب قتلت؟ ﴿وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ هكذاكان حال المرأة قبل الإسلام، تعيش الذل والاضطهاد، والاحتقار والتعذيب، قد ضلوا وما كانوا مهتدين.

عباد الله : أما الحضارة الغربية المعاصرة فقد جاءت ورفعت شعارات براقة، شعار تحرير المرأة، ومساواتها بالرجل، وعدم كبتها أو التحكم فيها، فخرجت المرأة من بيتها، وتحررت من كل شيء لا يوافق هواها، فعاشت شقاءً، واصطلت بنار الحرية المزعومة، فانظروا إلى ما يعانيه الغرب من شيوع الفاحشة، حتى لم يعد لديهم غريباً أن يقع الرجل على محارمه، بل لقد أصبح ذلك شائعا ومألوفا، وأصبحت الخيانة الزوجية ظاهرة عامة، فالمرأة تخون زوجها، والرجل يخون زوجته، مما أدى إلى الطلاق وتفكك الأسر وتبعثرها، أما الاغتصاب والتفكير في الانتحار، في ظل الرفاهية والحرية المزعومة، وحقوق المرأة التي يُنادى بها في الغرب، فحدث ولا حرج، وظهرت بسبب الفاحشة والشذوذ الأمراض والأوبئة، وهذا ما يوضح بجلاء ما آلى إليه وضع المرأة في الحضارة الغربية، الذي لا تقره الأخلاق والآداب عند الإنسان.

فهل هذا يا عباد الله: هو التحرر الذي يريد الغرب ومن لف لفهم، للمجتمعات الإسلامية أن تصل إليه، وتصطلي بناره، كما عاشته شعوبهم؟

وهل يدرك المسلمون، مدى خطورة هذا التحرر المزعوم للمرأة؟

ولكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على .... أما بعد

عباد الله: هكذا تعيش المرأة في ظل الجاهليات، بسبب البعد عن شرع الله، وهذا ما يسعى إليه العلمانيون لتعيش نساؤنا حياة ضنكا كما عاشت المرأة الغربية، وأن تغدو معذبة تفكر في الانتحار، وتعاني صنوف القسوة كل ذلك باسم الحرية، والمساواة والتقدم والانفتاح ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾ إنها الحرية العرجاء التي ينادون بها، ويدعون إليها، يريدون إخراج المرأة من عفافها، من شرفها، من دينها، من مملكتها الأسرية، وجنتها الزوجية، مدعيين أنها في سجن وأن جلبابها هو خيمة سوداء ترتديها وأنها جاهلة ومتخلفة، ولن تعرف العلم حتى تلحق بركاب المرأة الغربية وتحذو حذوها: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً﴾.

عباد الله: إن الإسلام قد أعز المرأة، وأكرمها أيما إكرام سواء كانت أماً ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً﴾ أو كانت بنتاً أو أختاً، عند (حم و ت) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن. وفي لفظ فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة».

أوكانت زوجة، خرج (ت، جه) عن عائشة قالت: قال صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله» فوضع الإسلام ميزان الحق معطياً للمرأة حقوقها، رافعاً عنها ظلم الأهواء والشهوات الذي وقع عليها طوال التاريخ البشري مقرراً المبادئ والمثل التي يجب أن تعامل على ضوئها المرأة، فهي مخاطبة بالتشريعات كالرجل، لها الحق في قبول ورد من تقدم لخطبتها، لها الحق في التملك والتصرف في مالها، فتنفق منه كيف شاءت في الحدود الشرعية، لها الحق في الميراث، أوجب على الرجل النفقة عليها، والقيام بشؤنها، والذود عنها لتبقى عزيزة عفيفة كريمة فاحمدوا الله على نعمة الإسلام، واحفظوا نسائكم مما يكاد لهن من قبل الأعداء.

فاتقوا الله عباد الله: وانظروا في الأمر ما دمتم في وقت الإمكان، واستدركوا التقصير بالإصلاح قبل فوات الأوان، وتفكروا في العواقب واحذروا أن تحل بكم عظيم المصائب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.