بركة الرزق

بسم الله الرحمن الرحيم

بركة الرزق

عباد الله: دخل صلى الله عليه وسلم يومًا إلى مسجده فنظر إلى أحد أصحابه، ووجده وحيدًا، نظر إلى وجه فرأى فيه علامات الهم والغم، رآه جالسًا في مسجده، في ساعة ليست بساعة صلاة، فدنى منه الحليم الرحيم صلوات الله وسلامه عليه ـ وكان لأصحابه أبر وأكرم من الأب لأبنائه ـ وقف عليه رسول الهدى فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أمامة، ما الذي أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟» قال: يا رسول الله، هموم أصابتني، وديون غلبتني، فقال صلى الله عليه وسلم : «ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك، وقضى دينك» -اسمع يا من تريد أن يذهب الله همك، ويقضي دينك- قال: بلى يا رسول الله، قال: «قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال» قال رضي الله عنه : فقلتهن فأذهب الله همي وقضى ديني .

 عباد الله: إن الله أنعم علينا بنعم عظيمة، ومنن جليلة، نعم لا تعد ولا تحصى، ومنن لا تكافأ ولا تجزى، فما من طرفة عين إلا والعبد ينعم فيها بنعم لا يعلم قدرها إلا هو سبحانه، خلق الخلق فأحصاهم عددًا، وقسم أرزاقهم فلم يظلم منهم أحدًا، سبحان من رزق الطير في الهواء، والسمك في ظلمات الماء، سبحان من رزق الحية في العراء، والدود في الصخرة الصماء، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي، كتب الأرزاق والآجال، سبحان ذي العزة والجلال، مصرف الشؤون والأحوال.

وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه، وكتب له الخير فيما أولاه من نعمه,البركة في الأموال والعيال، والبركة في الشؤون والأحوال، نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال,الله وحده، منه البركة ومنه الخيرات،فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه.

بالبركة يصير القليل كثيرًا، وحال العبد إلى زيادة وخير، فالعبرة كل العبرة بالبركة,فكم من قليل كثره الله، وكم من صغير كبره الله, وإذا أراد الله أن يبارك للعبد في ماله، هيأ له الأسباب، وفتح في وجهه الأبواب.

ومن أعظم الأسباب التي تفتح بها أبواب والبركات: تقوى الله جل جلاله ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ الخير كل الخير في تقوى الله جل وعلا، ومن اتقى الله، جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فلن تضيق أرض الله على عبد يتقي الله، ولن يضيق العيش والرزق على من خاف الله واتقاه.

عباد الله: ومن الأمور التي يفتح الله بها أبواب البركات على العباد: الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه، فهو الملاذ وهو المعاذ, فإن ضاق رزقك، وعظم همك، وكثر دينك، فاقرع باب الله الذي لا يخيب قارعه، واسأل الله جل جلاله، فهو الكريم الجواد، وما وقف أحد ببابه فنحّاه، ولا رجاه عبد فخيبه في رجاه، فالدعاء حبل متين، وعصمة بالله رب العالمين، فإذا أراد الله أن يرحم المهموم، ألهمه الدعاء، وشرح صدره لسؤال من بيده خزائن الأرض والسماء.

ومن الأسباب التي يوسَّع بها على العباد: صلة الرحم، قال صلى الله عليه وسلم «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، وأن يزاد له في عمره، فليصل رحمه» صِلُوا أرحامكم؛ فإن صلتها نعمة من الله ورحمة، أدخلوا السرور على الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وسائر الأرحام والقرابات. فمن وصلهم وصله الله، وبارك له في رزقه، ووسع له في عيشه.

ومن أسباب البركات: النفقات والصدقات، فمن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن فرج كربة المكروب فرج الله كربته في الدنيا والآخرة، فارحموا عباد الله يرحمكم من في السماء، والله يرحم من عباده الرحماء، وما من يوم تصبح فيه، إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا

يا ابن آدم أنفق ينفق الله عليك، وارحم الضعفاء يرحمك من في السماء، فرجوا الكربات، وأغدقوا على الأرامل والمحتاجين، فإن الله يرحم برحمته عباده الراحمين، قال صلى الله عليه وسلم: «يا أسماء أنفقي يُنفِق الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك» فمن أنفق لوجه الله ضاعف الله له الأجر؛ وله الخلف من الله، فما نقصت صدقة من مال.

عباد الله: كان الناس إلى عهد قريب، يعيشون حياة شديدة صعبة، ومع ذلك فرج الله همومهم، ونفس الله غمومهم، ثم بما كان بينهم من الرحمات، كانوا متراحمين متواصلين متعاطفين، فجعل الله القليل لهم كثيرًا

 الخطبة الثانية:

الحمد لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأبرار، ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم ما أظلم الليل وأضاء النهار ... أما بعد:

عباد الله: ومن الأسباب التي يبارك الله بها في الأرزاق، العمل والكسب الطيب، فالإسلام يحث على الكسب الطيب ليُعِف المسلم به نفسه عن سؤال الناس، فمن سأل الناس تكثرًا، جاء يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم، فخذ بأسباب الرزق، وامش في مناكب الأرض ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ بسط الله الأرض وأخرج منها البركات، وجعل الخير في العمل، والشر في الكسل، فليست الأرزاق أن يجلس الإنسان في بيته، فإن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، ولكن اطلب الرزق الحلال من أبوابه، يفتح الله لك من رحمته، وينشر لك من بركاته.

عباد الله: الرجل المبارك يسعى على نفسه وأهله وولده، فيكتب الله له أجر العمل، وليس العمل بعار، فقد عمل أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، كان نبي الله داود عليه السلام يأكل من كسب يده، يعمل صنعة لبوس، كان يعمل في الحدادة، وفي (خ) أن زكريا عليه السلام كان نجارا يأكل من عمل يده في النجارة، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «وما من نبي إلا رعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم وأنا، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» فليس بعار أن يكون المسلم حدادًا أو نجارًا، وفي (خ) عن المقدام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده» ولكن العار في معصية الله تعالى، وفي الخمول والكسل، حين يعيش الإنسان على فتات غيره، مع أنه صحيح البدن، قوي الجسد، لن يضيق الرزق بإذن الله على من اكتسب, قال صلى الله عليه وسلم «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا»، فمن ذهب للرزق، يسر الله أمره، ورزقه من فضله.