عداوة الكفار

بسم الله الرحمن الرحيم

عداوة الكفار

أشرقت شمس الرسالة على أهل الأرض ، فكانت لهم سراجا منيرا ، فأنعم الله بها عليهم نعمة لا يستطيعون لها شكورا، وأهل الكتاب وقتئذ مترقبون ينتظرون ، فلما أشرقت من مكة ببعثة محمد بن عبد الله كفروا بها وجحدوها إلا قليلا منهم. فكان منهم من أسلم فسلم ، وآمن فأمن ،وكتب له الأجر مرتين. فكان الإسلام عليهم نعمة، والمسلمون لهم رحمة. وكان منهم من أخذه الكبر والحسد ، فكفر وجحد.

ومنذ ذلك الحين وهم يكيدون للمسلمين كيدا، ليردوهم عن دين الله فردا فردا، سلكوا في ذلك جميع السبل والوسائل ، ونفذوا من أجله مخططات الأواخر والأوائل، فمرة مكر وخديعة في ثوب الناصح الأمين، ومرة غصب واستعمار، تحت كل ستار، فكل ما يريدونه من الأعمال المنكرة، يسمونه حرية ، ومرة ديمقراطية، وما لا يريدونه، تخلف وهمجية، وإرهاب ورجعية.

عباد الله: عداوة الكفار للمسلمين، قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بينها الله في القران الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم ، فمن لم يقنع ببينة القران ، فليشاهد ما يجري بالعيان.

تذكروا الجرائم الشنيعة، والعظائم الفظيعة ، التي ارتكبها النصارى في الأندلس ، أجبروا المسلمين على التنصر، وحولوا مساجدهم إلى كنائس ، وأتلفوا الكتب والمصاحف.

تذكروا الحروب الصليبية الكبرى التي شنها النصارى على الشرق الإسلامي طيلة قرنين من الزمان، كم ارتكبوا فيها من المذابح . ففي الحملة الأولى فقط أبادوا أهل أنطاكية، وذبحوا في القدس أكثر من سبعين ألفاً ، وخربوا ديار المسلمين.

وتذكروا ما فعل الاستعمار الصليبي في بلاد المسلمين، من قتل وتشريد، وفساد وإفساد، وتخريب ودمار، ونهب للأموال والممتلكات ، وليست مذابح البوسنة والهرسك ، ومجازر كوسوفا منكم ببعيد.

 قلب طرفك في الفلبين حاربوهم وأبادوهم، قتلوهم وشردوهم ، وكذلك فعلوا في أريتريا و في أندونيسيا وتأمل حال المسلمين في كشمير. وتابع أخبار النصارى اليوم في أفغانستان والعراق، والوثنيين في الشيشان، واليهود في فلسطين ولبنان، يرتد إليك طرفك خاسئاً وهو حسير.

إننا لم نعد نفيق من فاجعة، حتى تحل بالمسلمين كوارث وكوارث. قطع لرؤوس الرجال ،وبقر لبطون الحوامل، و افتضاض للأبكار من بنيات المسلمين .

أيها المؤمنون بالله ورسوله، إن قلوب الصليبيين واليهود التي أبغضونا بها لا تزال في صدورهم، وإن أسلحتهم التي حاربونا بها لا تزال في أيديهم، إن الحقد الذي أعماهم يوم جاءونا غزاة مستعمرين، ومحتلين غاصبين، لا تزال تغلي مراجله في صدورهم. إنه يصافحك باليد المتلطخة بدم أخيك المسلم.

إن عداءهم لنا عداء عقيدة متمكن في النفوس ، غائر في الصدور.

 إن المعارك التي يخوضها أعداء الإسلام من النصارى الصليبين ، واليهود الغاصبين، والهندوس الوثنيين، والروس المعتدين، إنها في حقيقتها معركة عقيدة ودين، فليست المعركة هنا أو هناك معركة أرض ، ولا مراكز عسكرية، ولا أعراق مختلفة ، ولا خلافات سياسية، إنهم يزيفون علينا لغرض في نفوسهم دفين، ليخدعونا عن حقيقة المعركة وطبيعتها ، ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا﴾ بينما السذج من المسلمين يحسبون أنها مصالح شخصية ، أو معارك طائفية، لا علاقة لها بالمعركة المشبوبة مع هذا الدين. وإن التاريخ ليشهد بذلك والواقع شهيد عليه، فقل لي بربك من كان يجالد المسلمين بالسيوف يوم بدر، يريد ذلة الاسلام وأهلة ، أليس المشركون ؟ ومن كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق وجنته يوم أحد ،اليس المشركون ؟ ومن حاصر المسلمين في المدينة ، حتى زاغت الأبصار، وبلغة القلوب الحناجر، وزلزلوا زلزالا شديدا، أليس المشركون ؟ ومن صادم المسلمين في القادسية و اليرموك ، ليصدهم عن نشر دين الله، والتمكين له ودعوة الناس إليه ، أليس المشركون ؟

عباد الله: إن عز هذه الأمة ورفعة أهل الحق، لا تتم ولن تكون إلا بالعض بالنواجذ على هذا الدين ،عقيدة وشريعة، صدقا وعدلا ، إحلالا للحلال ، وتحريما للحرام ، ثبات في الموقف ، وقوة في الولاء والبراء ، لا يزعزعه تهديد ولا إغراء.

وإنه لا عجب في أن يُكذِّب اليهود والنصارى بالقران الكريم ، ولكن العجب كل العجب فيمن يقول من الغافلين من المسلمين : إن اليهود والنصارى إخواننا ، ولا يكنون لنا العداوة والبغضاء , والله تعالى يقول ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

والعجب كل العجب فيمن يقول من المخذولين من المسلين : إن اليهود والنصارى يحترمون ديننا ويعظمونه، والله تعالى يقول ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾.

الخطبة الثانية :

عباد الله : لعلنا نتساءل فنقول : فما دوري ودورك، في عالم يموج بالفتن والحروب، وماذا أفعل وقد ادلهمت الخطوب، وعظمت الكروب؟ إن علينا واجباً عظيماً:

أولاً : إحياء عقيدة الولاء والبراء في نفوسنا واستمعوا إلى قول الله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.

ثانياً : التأمل في واقع بيوتنا ومصانعنا وشركاتنا، إنها تعج بالعمالة الكافرة، أليس في ذلك دعم لاقتصادهم، أليس في ذلك عز لهم، أليس فيه ذل للمسلمين، فلماذا التهاون بهذا الأمر ؟ وربما اعتذر بعض السذج من المسلمين، بأنهم أمهر من المسلمين ، وأصدق من المسلمين، ولا يحتاجون إلى صيام أو حج أو عمرة ؛ فيا عبد الله : ألا يكفي أنه عدو لله ؟ ألا يكفي أنه يدين بدين غير دينك ؟ ﴿يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ والله لو تمكنوا منك ، لساموك سوء العذاب ﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً

ثالثاً : الدعاء لإخواننا المسلمين بالنصر والتمكين، والدعاء على عدونا وعدوهم بالخسران المبين. ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ .

رابعاً : المال فندعم إخواننا بالمال. «ألا أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ؟ تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم».

خامساً : تربية الأبناء على عداوة الكفار، وترسيخ الولاء للمؤمنين.