جتياح غزة

بسم الله الرحمن الرحيم

اجتياح غزة

عباد الله: إننا في زمن تعاقدت فيه قوى الباطل ، وتكالبت فيه عناصر الشر ، واتفقت على إزهاق الحق ، وشن الغارة على أهله ، بغزو ديار الإسلام وهدم حصونه ، الواحد تلو الآخر ، ليعطلوا عبادة الله ، ويصدوا الناس عن سبيل الله ، ويقيموا فيها للكفر منارا ، ويرفعوا فيها للباطل شعارا ، لو تم لهم ما يتمنون ، فكان من نتائج هذا المكر المبيَّت ، والكيد المنظم ، هذا العدوان الغاشم ، وما ارتكب فيه من فضيع الجرائم ، في أناس لنا مجاورين ، وإخوان لنا في الدين.

عباد الله: لا يدري المسلم ما يقول ، وبماذا يبدأ ، والمجازر الدموية على أرض فلسطين ، قد تعدت الشيوخ والنساء والآمنين ، حتى وصلت الأطفال الصغار ، يتعرضون للقتل بوحشية وهمجية من اليهود المعتدين ، والعالم كله شرقاً وغرباً ، في موقف المتفرج الذي لا يلوم المعتدي ، ولا يجرؤ أن يعاتب المجرم ، فضلاً أن يوقفه عند حده ، ولا شك أن الأمة الإسلامية ، تجني اليوم ثماراً سيئة ، يوم أن تخلت عن عزتها وكرامتها ، يوم أن جلست على موائد المفاوضات ، لاهثة وراء سلام مزعوم ، لا يمكن أن يتحقق أبداً؛ لأنه مع أناس لا عهد لهم ولا ميثاق ، ومن أصدق من الله قيلاً ، وهو سبحانه القائل عنهم ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ ولا تزال الأمة تبتلى بأحداث وقضايا ، حتى يُنسي آخرها أولها ، ويغطي حديثها قديمها.

هذه فلسطين يا عباد الله ، ما أحببناها لترابها ، ولا لجبالها ، ولكن لبركتها ، ولما لها ولمسجدها الأقصى من مكانة في ديننا.

فمن أجل فلسطين: شد الأبطال عزائمهم ، وأراق الشهداء دماءهم ، وبذلوا أرواحهم ، من أجل فلسطين ، تتابعت التضحيات ، وعظم البذل ، كم سجل التاريخ من مواقف عظيمة ، لأبطال عظماء ، هبوا دفاعا عن فلسطين ، وما بخلوا عليها بغال ولا نفيس ، لقد سار إليها عمر بن الخطاب على بعير ، يركبه تارة وغلامه أخرى ، حتى إذ اعترضه ماء نزل من بعيره ، ونزع حذاءه ، وخاض في الماء ، وثوبه قد رقِع بعدة رقع ، فيفتح بيت المقدس و يكتب لأهلها العهدة العمرية ، ثم يصلي بالناس في الأقصى بسورة الإسراء.

ومن أجل فلسطين: امتنع الملك البطل نور الدين محمود عن التبسم وقال: أستحي من الله ، أن أتبسم وبيت المقدس في الأسر! ومن أجلها وقف هذا الملك ، ودعا ربه: اللهم انصر دينك ، ولا تنصر محمودا.

ومن أجل فلسطين: شمخ صلاح الدين برأسه ، وشحذ سيفه ، وأعد عدته ، ليخرج الصليبيين من أرض الأقصى.

ومن أجل فلسطين: جرد مظفر الدين قطز سلاحه ، ووقف على عين جالوت ، ليصد عن فلسطين ومصر طوفان التتار ، لما قرأ رسالة ملك التتار وفيها: اتعظوا بغيركم ، فنحن لا نرحم من بكى ، ولا نرق لمن شكا ، أي أرض تؤويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا من خلاص ، ومن مهابتنا مناص ، الحصون عندنا لا تَمنع ، والعساكر لقتالنا لا تنفع ، ودعاؤكم علينا لا يسمع! قرأ قطز هذه الرسالة ثم ألقى ببصره ناحية القدس وصاح (وا إسلاماه) فانتفض الجند المسلم ، ونصر الله المسلمين ، وترجل قطز عن فرسه ، ومرغ وجهه في التراب شكرا لله.

ومن أجل فلسطين: ضحى السلطان عبد الحميد بملكه ، وقال كلماته المدوية: لا أقدر أن أبيع ولو قدما واحد من فلسطين؛ ليحتفظ اليهود ببلايينهم ، إنما لن تقسَّم فلسطين إلا على جثثنا؟

عباد الله: إن ذكرى بطولاتنا وأمجادنا ، لا بد أن تحرك عزائمنا لنصرة ديننا ، ولعلكم تقولون ماذا نفعل؟ والجواب : ليكن كل منا صلاح الدين ، وما يمنع ؟ ليرجع كل إلى نفسه ابتداء فيصلحها ، ويقوِّم عوجها ، ثم ليلتفت إلى أقرب الناس إليه ، فيفعل مثل ذلك ، وهكذا تصلح الأمة كلها ، وتتحقق فيها الخيرية التي تؤهلها لنصر الله لها ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ .

وإذا كان اليهود قد تسلطوا عليها وطردوا أهلها ، وسفكوا الدماء بها ، ولا زالوا منذ خمسين سنة يرتكبون فيها المظالم ، والتصرفات الوحشية ، تحت حماية الدولة الأمريكية ، فما كان للمسلمين أن يعترفوا باغتصاب عدو فاجر خبيث ، ولا أن ينساقوا تحت أي ضغط لما يسمى بعملية السلام ، لقد كان على المسلمين أن يحاسبوا أنفسهم ، وأن يصلحوا أحوالهم ، كما فعل أجدادهم ، عندما واجهوا الاحتلال الصليبي لفلسطين ، مدة تزيد عن تسعين سنة ، ومع ذلك لم يستسلموا ، بل نصروا الله بتحكيم شرعه ، فنصرهم الله القائل: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ أما آن للأمة أن تفيق من غفلتها ، وتستيقظ من نومتها ، وتنفض عن نفسها لباس الذل ، وتعود إلى سر عزتها ، وعنوان مجدها ، وتنتصر لدينها ، وتقف مع إخوانها ، وإذا تعذر النصر بالمال والنفس؛ فلا أقل من المؤازرة والنصرة بالكلمة والدعاء.

والله المسؤول أن يرينا في اليهود عجائب قدرته ، وأن يهلك الظالمين ، وينصر المسلمين ، ويعلي كلمة الدين ، إنه قريب سميع مجيب.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: من أجل أسير واحد ، تقوم الدنيا ولا تقعد ، تحلق الطائرات ، وتحشد المدرعات والدبابات ، وتطلق الصواريخ ، وسجون اليهود ، مليئة بمئات بل بآلاف الأسارى والمعتقلين ، وكأن شيئا لم يكن.

عباد الله: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «لأن تهدم الكعبة حجراً حجرا ، أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم» ، وفي رواية: «لزوال الدنيا ، أهون على الله من قتل رجل مسلم» ، وبالرغم من غلاء دم المسلم ، فإن المجازر باتت تقام للمسلمين في كل مكان ، وأصبح الدم المسلم رخيصا لا يقام لإراقته وزن ، وإن العالم كله من أقصاه إلى أقصاه ، لا يكاد يغمض عينيه حتى يفتحها ، على هول المأساة التي يعيشها المسلمون على أرض فلسطين ، لقد كان من المتوقع ، أن الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب الكافر ، مثل حقوق الإنسان ، والشرعية الدولية ، والديمقراطية ، والنظام العالمي الجديد ، سيكون الغرب جادا في عدم تجاوز حدودها ، لكن أحداث غزة الحالية ، والمذابح المرتكبة هناك ، كشفت عورة الدول الغربية ، وأبانت زيف وعنصرية شعار حقوق الإنسان ، وعُرف من هو الإنسان الذي تحفظ حقوقه ، إنه كل أحد ما عدا المسلم ، إن حق تقرير المصير للشعوب ، داسته رصاصات اليهود ، ومزقته طائراتهم ، واستخدموا المدرعات في مواجهة شعب أعزل ، ومع هذا تجد الصمت العجيب للمجتمع الدولي ، على الغطرسة والعربدة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

عباد الله: إن إزالة أسباب الخذلان والهوان ، أهم وأولى من إزالة آثار العدوان ، وهذا الطغيان ، لن يوقفه إلا الإسلام ، فالحل بيّن ، والحق واضح ، إنه صراع عقدي ، ومعركة مع من كفر بالله ، واتخذ له صاحبة وولدا ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، إنه حكم قرآني لا تشوبه شهوات ولا شبهات ، حقائق اليقين من رب العالمين ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

ولقد أكدت الأحداث ، أن جرائم اليهود لن يوقفها إلا الجهاد ، فمقدسات المسلمين وديارهم ، لا يعيدها إلا جهاد صادق في سبيل الله ، وإلا فلا نصر ولا عزة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» .

ويقول المولى جل شأنه: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾.

وإن كل ما نراه من مصاعب تحل بعالمنا الإسلامي ، إنما هي بإذن الله إرهاصات لنمو إسلامي متكامل ، يشمل الحياة كلها ، فلا يدخل اليأس في قلوبنا ، فوعد الله عز وجل بالنصر والتمكين متحقق بإذن الله ، بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله ، وذلا يذل الله به الشرك وأهله ، نسأل الله جل وعلا أن يعجل بالنصر لإخواننا المسلمين في فلسطين ، وفي كل مكان ، وأن يقر عيوننا بنصر الإسلام ، وعز المسلمين ، وتدمير اليهود والمشركين إنه سميع مجيب.