السفر ونعمة وسائل النقل

بسم الله الرحمن الرحيم

السفر ونعمة وسائل النقل

الحمد لله ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أحمده سبحانه ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ .

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه الله بالحنيفية السمحة، وجعله لهذه الأمة رحمة، وللمؤمنين في الدنيا إماما وأسوة، وفي الآخرة قائدا وشفيعا إلى الجنة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به، وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون. وكانوا يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.

عباد الله: اطيعوا ربكم واخشوه في جميع أموركم، فإنه مطلع عليكم في سائر أحوالكم، فاتقوه في حال سفركم وإقامتكم، فإن تقواه خير الزاد، في الدنيا ويوم المعاد، كما أخبركم وأمركم رب العباد، إذ يقول في محكم الكتاب ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ .

عباد الله: اشكروا ربكم على سابغ نعمه، واسألوه المزيد من جوده وكرمه، واحمدوه على ما يسر لكم في هذا الزمان من وسائل الأسفار، ونواقل الأخبار، وما هيأ للمسافر من أسباب الراحة في غالب الأقطار، حيث أوجد بحكمته، وعظيم قدرته، هذه السيارات الأرضية، وتلك المراكب والاتصالات الفضائية، التي أصبح الإنسان يسابق بها لحظات الليل والنهار، ويطلع على حديث الأخبار، ويعرف الأسعار في بعيد الأقطار، ويتصل بأهله وذويه، وكثير ممن يحتاج إليه، من شتى الجهات آناء الليل وأطراف النهار، فتحقق بعض الموعود، إذ قرب البعيد، ونطق الحديد، وتقارب الزمان، وتجاورت الأوطان، وهذا كله والله من براهين التوحيد، الدالة على عظم حق الله على العبيد، وصدق ما جاءت به الرسل من ذي العرش المجيد، وكم في ذلك من الذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

عباد الله: كم في إيجاد هذه المصنوعات السائرة، وتلك الوسائل الباهرة، من آيات الإيمان المتكاثرة، وكم أسبغ الله بها على العباد من نعمه الباطنة والظاهرة، وكم في سوء استعمالها من أنواع المخاطرة في الدنيا والآخرة، فاشكروا الله تعالى على عظيم نعمته، واستخدموا هذه الأمور في طاعته، تفوزوا برضاه ومحبته، اجعلوها عونا لكم على تبليغ دينه، ونشر رسالته، مع تحصيل ما يسافر المرء من أجله، من شريف بغيته، ومباح حاجته، ولا تجعلوها مجالب لسخطه ونقمته، بأن تستخدموها في معاصيه، أو تتوصلوا بها إلى ما يغضبه ويؤذيه ﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ فما أنتم بها عنه هاربين، ولا بواسطتها من ملكوته نافذين، ولا بغيره منه مستجيرين ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ .

عباد الله: امتطوا هذه المراكب، وامتطوا هذه المواهب، لإقامة ذكره في أرضه، وهداية عباده إلى أداء حقه وفرضه، استووا على ظهورها واذكروا نعمة ربكم حال استوائكم عليها وحال سيرها، وامضوا عليها طلبا للفقه في الدين، وقاصدين بيت ربكم معتمرين، ولمسجد نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم زائرين، امضوا عليها للتجارة، وابتغوا من فضل الله، وادعوا إلى الله، وجاهدوا في سبيل الله، وتفقدوا أحوال عباد الله، اركبوا صهوتها، واغتنموا جدتها، لصلة الأرحام، ولزيارة الأخوة في الإسلام، والعلماء الأعلام، اغذوا السير عليها لإسعاف المنكوبين، وإغاثة الملهوفين، وتذكير الغافلين، وتعليم الجاهلين، والتعاون على كل ما فيه مرضاة رب العالمين، وإغاظة أعداء الدين، وسيروا في الأرض لتروا بديع صنع الله العليم الخلاق، وتشاهدوا آثار أسمائه وصفاته في الأنفس والآفاق.

عباد الله: لعل من حكمة الله في خلق هذه المراكب، وإيجاد هذه الوسائل والمطالب، أنه سبحانه لما قضى فيما مضى أن يتقارب الزمان، وأن تحصل الخلطة بين أجناس السكان، مع تباعد الأوطان، وذلك من علامات قرب نهاية الزمان، فسخر تلك الأمور للناس هذا الأوان، ليستنفذوا أرزاقهم، وليستكملوا آثارهم، ويبلغوا ما كتب لهم من آمالهم وأعمالهم، على قصر أعمارهم، فاختصرت الدنيا لهم اختصارا، وأظهر الله تعالى لأهل هذا الزمان فيما يحتاجون إليه حكما وأسرارا ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.

معشر المسافرين: تذكروا أن وسائل الأسفار التي وفرها الله وسخرها في هذه الأعصار، شاهدة لله تعالى على راكبيها بما يكسبونه من فعل المأمور، أو يكتسبونه من الوقوع في المحظور، ويبارزون به السميع البصير، القوي القدير، من عظائم الأمور، فيا ويلهم مما اقترفوه يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، إن ربهم بهم يومئذ لخبير.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: تذكروا حين تشرعون في إعداد الزاد للرحلة إلى أي قطر من الأقطار، أنكم في حقيقة الأمر في رحلة إلى دار القرار، وأن الآجال قواطع الآمال، فتزودوا بالتقوى وصالح الأعمال، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يبعث كل عبد على ما مات عليه». وقال صلى الله عليه وسلم : «إذا أراد الله أن يقبض روح عبد في أرض جعل له بها حاجة».

فكم من مسافر في ظاهر الحال لحاجته، ثم اتضح أنه مسافر إلى مكان منيته، فلا تسافروا إلا لمقصود شريف، وغرض مباح، واحذروا مواطن الفساد، التي يمتهن الدين فيها ويستباح.

وكم من مسافر للبغايا والخمور، وقدمه توشك أن تزل في القبور.

وكم من متعلق قلبه بمساكن الكفرة، ومخالطة الفجرة، فيا ويحه ما أخسره.

فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا القصد من هذه الأسفار، وسارعوا إلى الخير فيها تكتب لكم الآثار، خذوا من صالح الأعمال قبل حضور الآجال، وانقطاع الأعمال، والوقوف بين يدي الكبير المتعال.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.