الثبات على الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

الثبات على الدين

اتقوا الله وأطيعوه، واشكروا له ولا تعصوه، وراقبوه تعالى واحذروه، واعلموا أن من أعظم خصال المسلم الحق، وأجل ميزاته، الثبات على دينه، والمحافظة على أخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم ، دون أي تذبذب فيه، أو انحراف عنه، لشبهة عارضة، أو شهوة جامحة، أو فتنة بين الناس شائعة، فإن التذبذب بين الحق والباطل، وترك السنة الثابتة بعد التخلق بها، ليس من شأن أهل الإيمان، بل هو من شأن ذوي النفاق والكفران، الموصوفين في محكم القرآن، بالتناقض بين الأقوال والأعمال، والتقلب في المسلك في سائر الأحوال ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ﴾ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ...﴾ أما المؤمن الحق فإنه يكون مغتبطا بإيمانه بالله، محققا لعبوديته لله، متشرفا بالانتساب لدينه، والاتباع لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فيظل على الدوام معتدا بإيمانه وعقيدته، معتزا بشخصيته ورأيه، لا ينقاد لهوى باطل من قبل نفسه، ولا يتابع غيره على ما لا يستمد من كتاب الله تعالى، وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ، لعلمه أن للناس أهواء وغايات، وللبشر أخطاء ونزوات، وليس لذي لب سليم أن يتابع الناس على أخطائهم، أو يجاريهم على أهوائهم، بل لا بد من طلب البينة على الدعوى، والحجة على المذهب ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي على صدق دعواكم أنه لن يدخل الجنة سواكم، ويقول سبحانه فيمن حرموا ما أحل الله ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.

عباد الله: جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود: لا يكون أحدكم إمعة. قالوا: وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن؟ قال: يقول إنما أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن كفر الناس أن لا تكفروا.  فالمؤمن ينبغي أن يكون صلبا في دينه، معتزا بنفسه، مستقلا برأيه، ويكون في ذلك كله على هدى من كتاب ربه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، حتى لا يقع في شطط أو جور، أو يرتدي برداء العظمة والزور، فيصبح من الهالكين الخاسرين، بل يكون في سائر أحواله مؤمنا قويا، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، وإنما تتحقق القوة في اتباع الحق، والثبات عليه ولو جانبه سائر الخلق، فلا يقبل الذلة في دينه، ولا المداهنة في عقيدته، ولا المساومة على أخلاقه وقيمه، بل يلازم الحق في كل حال، ويحارب الباطل وأهل الضلال، ويرد الباطل على من جاء به من الناس كائنا من كان.

عباد الله: المؤمن الحق هو الذي يدعو الناس إلى الخير، ويسبقهم إليه، ويأمرهم بالمعروف، ويكون أشد التزاما به، وينهاهم عن المنكر، ويكون أعظمهم بعدا عنه، ويحب للناس من الخير ما يحبه لنفسه، فيتفق قوله وفعله على الخير، ويشهد ظاهره لباطنه على الاستقامة، فيجمع بين صلاح السريرة وجمال السيرة، والناس: شهداء الله في أرضه، من أثنوا عليه بخير وجبت له الجنة، ومن أثنوا عليه بشر وجبت له النار، وإنما يتحقق النبأ، ويصدق الثناء، يوم الممات، فيوم الجنائز هو يوم الشهادة الصادقة في الدنيا للشخص أو عليه، ويوم القيامة، هو يوم الجوائز ففريق تسره وترضيه، وآخر تسوؤه وتخزيه، فرقت بينهم الأقوال، وتباينوا في الفعال والأحوال، وعلى قدر نياتهم وسعيهم النوال، ولهذا أمر الله سبحانه بملازمة الإيمان والتقوى، واستمرار الاستمساك بالعروة الوثقى، وأخبر صلى الله عليه وسلم : «أن من مات على شيء بعث عليه» فليلازم السعيد الإيمان، وليتصف بصفات عباد الرحمن، وليحذر الكفر والفسوق والعصيان، وليجانب أهل النفاق والكذب والبهتان.

فاتقوا الله عباد الله: وأنيبوا إليه واثبتوا على الإيمان، وكونوا أقوياء فيه، وتخلقوا بأوصاف أهل التقوى والإحسان، وما أكثرها في القرآن، وحافظوا على سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، فإنها نجاة لكم من الضلالة والهلكة وفتنة كل فتان، وليكن لكم من انقضاء الأيام، وتصرم الأعوام، حافزا لملازمة الحق والعض عليها بالنواجذ، ونذيرا لتدارك الخطأ واستصلاح الفاسد، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل ﴿وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

الخطبة الثانية

عباد الله: اعلموا أن من الدين والنهج، الذي ينبغي أن يكون عليه العبد، البعد عن المعاصي، والتعاون على محاربة الفساد وقمع المفسدين، والقضاء على كل داعية إلى ضلال، أو متزعم لفتنة، أو مبتغ في الإسلام سنة جاهلية، ليحقق الله تعالى للمسلمين وعده الكريم، بالنصر والتمكين، بقوله المبين ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

وإن الفرص يا عباد الله: ما برحت مواتية، فإن النكبات التي جرعت المسلمين الغصص، وألبستهم ثوب العار، إنما كانت لإعراضهم عن شرع ربهم، وجرأتهم على معصيته وارتكاب محارمه، وهذا مما يضاعف المسئولية، ويحتم الواجب، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، فعلى الجميع التعاون على البر والتقوى، ونبذ الهوى، واتباع الهدى، والعاقبة للمتقين.

واعلموا أننا في زمن جرت فيه أمور وحدثت فيه حوادث، أقضت المضاجع، ينبغي أن يأخذ منها المسلمون العبرة، وأن يعوا الدرس قبل أن يصابوا بشديد النوازل، وعظيم المصائب، فعلى اللبيب الفطن أن يحاسب نفسه على ما سلف من عمله، ويستزيد من الخير ويجدد التوبة، ويلازم الاستغفار، ويسعى في استصلاح الحال والمآل، فإن تلك من أسباب دفع البلاء، وصرف العذاب، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، والمجتمع الرشيد هو الذي تتضافر جهود أفراده، وكم في المجتمع اليوم من مظاهر التفريط، وبراهين التقصير. فمن رأى منكرا أو سمعه، سواء قولا أو فعلا، وجب عليه إنكاره وإزالته، لا يمنعه من ذلك أو يصده خوف ضرر يلحقه، أو تخويف شيطان وإرجافه، وهو بذلك ممتثل أمر الله، وقائم بحق إخوانه المسلمين، من النصح لهم، والشفقة عليهم وإرشادهم، ومساهم في إصلاح أمته، وتطهيرها من الرذائل.

عباد الله: لنكن دعاة إلى الخير، وليقم كل فرد منا بواجبه، حتى يختفي الشر وينقطع الفساد، ويعم الخير وتكثر البركات، وبذلك يستقيم لنا ديننا, وتصلح أمتنا, وينشأ شبابنا في مجتمع صالح.

فأقبل يا عبد الله على نفسك بتهذيبها وإصلاحها، وزكها بتخليصها من عيوبها ودنسها، فقد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، واجتهد أن لا تؤذين أحدا بسوء، فإنه من يعمل سوءا يجز به، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. وإياك أن تكون من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فأولئك سوف تهتك أستارهم، ولا يغفر عوارهم، جزاء من جنس العمل، سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا.