عيد الفطر 1426هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

عيد الفطر 1426هـ

أيها المسلمون: إنكم في يوم عيد، جعل الله لكم فيه فسحة، لإظهار الفرح والسرور، والاغتباط والحبور،  فلا تفسدوا فرحته، ولا تشوهوا صورته، بأنواع المعاصي والمنكرات،  في المأكل والمشارب والملابس.  

عباد الله : أوصيكم ونفسي بالتقوى، فإنها هي الوصيةُ العظمى، تمسكوا بكتاب ربكم تفلحوا، واعملوا بسنة نبيكم تهتدوا،  واحذروا الذنوب، ولا تجترئوا على علام الغيوب، اجعلوا العقيدةَ رأسَ الأمرِ وسنامَه،فالأمة اليوم قد كثرت عليها المغريات والمتغيِّرات، وعظمت عليها الهجماتُ والتحدِّيات، واشتدَّت بها الكروب والأزمات، فلا بد أن تتسلّح بالثوابت الإيمانية، وتتدرّع بالحقائق العقدية، حافظوا على الصلاة فإنها عماد الدين، أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، وعليكم ببر الوالدين، فإنه من أعظم الحقوق، وتعاهدوا الأرحام، وأحسنوا إلى الفقراء والأيتام، واجتنبوا الربا، واحذروا من بخس المكيال والميزان، ووقروا اليمين بالله في الخصومات، واحذروا من الكبر والخيلاء، والفخر والازدراء، وعليكم بالتواضع وخفض الجناح، واستحيوا من الله حق الحياء، فاحفظوا الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، واذكروا الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا  ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ .

عباد الله : لقد أنعم الله علينا بشريعة كاملة، ظلٍ ظليل، من استظل به أمن من الحرور، وحصن حصين، من دخله نجا من الشرور، شريعةٌ مؤتلفة النظام، متعادلةُ الأقسام، مبرأةٌ من كل نقص، مُطهَّرةٌ من كل دنس، متممةٌ لاشية فيها، مؤسسةٌ على العدل والحكمة، والمصلحةِ والرحمة، لا أمت فيها ولا عوج، ولا ضيق فيها ولا حرج.

أيها المسلمون : لقد كنا في هذه البلاد إلى وقت قريب، ننعم في ظلال وارفة، من الألفة والأمان، والمحبة والاطمئنان، للعلماء مكانتهم الرفيعة، وللشرع حكمه الظاهر، وللولاة حقهم المحفوظ، قول العلماء غالبا في المسألة واحد، وفتواهم متقاربة، والناس لهم مطيعون، وبأقوالهم آخذون، وعلى طريقتهم سائرون، فعشنا في رغد من العيش، وألفةٍ في العلاقات، ووحدةٍ في الصف، وقوةٍ في التمسك، وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، حتى أصبحت هذه البلادُ وأهلُها مضربَ المثل في التمسكِ بعقيدة التوحيد، ورفعِ راية السلفية التي تتبع آثار نبيها، وتقتفي آثار سلفها، حتى انفتحت علينا القنواتُ الفضائية، والشاشاتُ العنكبوتية، والتوجهاتُ الحزبية، فأصبح الناس يسمعون في المسألة الواحدة أقوالا متباينة، وكل قائل يستدل على قوله بدليل، آتاه الله فصاحة في اللسان، يُجادِلُ بالقرآن، ويذكر على كل نازلة  برهان، .يأخذ بالمتشابه، يتلقط زلاتِ العلماء، وهفواتِ الفضلاء، وزيغَ أهلِ الأهواء، فهرع بعض الناس، يتلقفون فتوى هذا وقولَ ذلك، دافعهم الهوى، والرغبةُ في التسهيل، وميلُ النفس وكيدُ الشيطان، وترسخ في أذهانهم أن الأخذ بأي من الأقوال جائز، طالما قال به قائل، وكل خلاف في المسألة معتبر، ولو لم يكن له حظ من النظر، ولا تنكر على من خالفك، فعنده دليل كما عندك، ولديه حجة كما لديك، فخذ بما ترى وليأخذ بما يرى، ولا تنكر على أحد في مسألة خلافية، يذكرون الخلاف في الربا و الغناء وفي كشف وجه المرأة ، وفي الخلوة بها، ويعتبرون ذلك مسوغا للأخذ بما يشتهون، بل و جعلوا في لا إله إلا الله خلافا، فجعلوا إبليس موحدا، لأنه قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، سموا النصارى واليهودَ إخوانا، وأجازوا اعتناق أي من الديانات، فكلها كما يزعمون من عند الله.

 ولقد أراد بعض القائمين على الدعوة، أن يقدموا منهجا شرعيا جديدا، بزعمهم أنه لا بد من إسلام يناسب اليوم، الذي يتوافق مع متطلبات المرحلة، فمعظم أدوات العصر من إعلام واقتصاد، هو بيد الغرب الذي لا يريد إسلام الأمس، فلا بد أن يكون هناك خطاب ديني جديد، يُرضي أهواء الناس، ولا يوصف المتلبس به بالتشدد، ويعتمد على جمع أكبر عدد من الأتباع.

فارتفعت رؤوس بني علمان، وأربابُ الحداثة، ومدعو الإصلاح، الذين يظهرون ما لا يبطنون، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، طعنوا فيما سموه زورا بالوهابية، وجعلوها سببا في الإرهاب، ومنبعا للتكفير، وأجروا أحكامهم على ثوابتها ومشايخها، لم يسلم منهم الإمامُ محمدُ بنُ عبدِالوهاب، ولا شيخُ الإسلام وتلميذه، ولا إمامُ أهل السنة أحمد، ولا مشايخُه وتلاميذه، بل واصلوا نقدهم للتابعين وتابعيهم، وأناخت رحالُهم عند الصحابة رضوان الله عليهم، وقالوا: هم رجال ونحن رجال، و ذاك زمان وهذا زمان، ،فنحن في زمان الانتخابات والديموقراطية، والعولمة والحرية، يريدون شريعة تحقق رغباتهم، ودينا يتماشى مع أهوائهم، وترددت مقولة الرأي والرأي الآخر، وأشيعت مصطلحات الإقصائية والأحادية، كل ذلك لينفردوا بالتوجيه، وليخل لهم المجال للتأثير، رد الله كيدهم في نحورهم.

فعودة حميدة لسابق عهدكم، والتفاتة متأنية لمكائد أعدائكم، ورؤية فاحصة لما يراد بكم، ورجعة مباركة للعلماء الربانيين، الذين تدور على فتياهم الأنام، لاختصاصهم باستنباط الأحكام، ودرايتهم بقواعد الحلال والحرام ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ

واتعظوا بمن مضى من القرون، واعتبروا بمن حولكم أيها السامعون، وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون. أحلنا الله وإياكم دار الأمن والسلامة، وجنبنا وإياكم ما يوجب غضبه وانتقامه.

الخطبة الثانية :

يا نساء المسلمين: اتقين الله عز وجل في أنفسكن، فأنتن المربيات، أنتن القدوات الصالحات، صلاحكن صلاح للبيوت والأولاد، بل صلاح للأسر وللمجتمعات، فاحذرن دعاة السوء والفجور، دعاة التبرج والسفور، أصحاب الأقلام المسمومة، والألسن المزعومة، والأفكار المجذومة، لا يرقبون في العفة والحياء إلاًّ ولا ذمة، لا همّ لهم إلا أن ينزع الجلباب، ويرمى الحجاب، ويخدش الحياء والحشمة، يزعمون أن المرأة مظلومة، وأن حقوقها في شرع الله مهضومة والله يقول ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ .

معشر النساء: اتقين الله أقمن الصلاة، آتين الزكاة، أطعن الله ورسوله، أطعن أزواجكن بالمعروف، واستمعن إلى قول الله ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ إن تغطية وجه المرأة، وسامُ عزتها، وعنوان عفتها، ومظهر لصلاحها،لكن دعاة الباطل، يريدون هدم صروح الفضيلة، يسعون لردم المعاني الجميلة،  إنهم دعاة الهوة والرذيلة.

 ولقد جرب الغرب ما يدعون، فهاهم لما زرعوا يحصدون، ترى البنت تخرج من بيتها قبيل البلوغ، فترجع تحمل في بطنها نتاج اللقاح، أهذي الحقوق كما تزعمون؟ فأُفٍّ لكم ولما تدعون.

عباد الله : صلوا العبادة بالعبادة، واستدركوا فضل صيام الدهر بإضافة صيام ستة أيام من شوال، فقد قال صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر» .