فضل تربية البنات

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل تربية البنات

﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ .

روي عن الصحابي الجليل واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنه قال: من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، لأن الله تعالى بدأ بالإناث .

وقال التابعي الجليل قتادة رحمه الله: قادر والله ربنا على ذلك، أن يهب الرجل ذكورا ليست معهم أنثى، وأن يهب الرجل ذكرانا وإناثا، فيجمعهم له جميعا، ويجعل من يشاء عقيما.

والله تعالى ذو علم بما يخلق، وقدرة على خلق ما يشاء، لا يعزب عنه علم شيء من خلقه، ولا يعجزه شيء أراد خلقه. وقال ابن عطية الأندلسي: آية اعتبار، دالة على القدرة، والملك المحيط بالجميع، وأن مشيئته تبارك وتعالى نافذة في جميع خلقه، وفي كل أمرهم، فإن الذي يخلق ما يشاء، إنما هو الله تبارك وتعالى، وهو الذي يقسم الخلق، فيهب الإناث لمن يشاء، ويهب الذكور لمن يشاء ، أو ينوعهم مرة يهب ذكرا، ويهب أنثى، والعقيم: الذي لا يولد له، وهذا كله مدبر بالعلم والقدرة. وقال إسحاق بن بشر: نزلت هذه الآية في الأنبياء ثم عمت، فلوط صلى الله عليه وسلم أبو البنات لم يولد له ذكر، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم ضده، ومحمد صلى الله عليه وسلم ولد له الصنفان، ويحيى بن زكريا عقيم.

فجعل الناس أربعة أقسام: منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم: من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا، ومنهم من يمنعه هذا وهذا فيجعله عقيما لا نسل له.

عباد الله : التسخط من الإناث من أخلاق الجاهلية، الذين ذمهم الله سبحانه في قوله: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَداًّ وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ

فقد بلغ الاستياء والبغض لتلك البشرى، أن يدفن تلك الأنثى في التراب، وأنفاسها تتردد في هذه الحياة، تلك حالٌ سوداء مظلِمة، في واقع الجاهلية الأولى

وقد جاء الفضل العظيم في الإسلام، لمن رعى البنات وأحسن تربيتهن، ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه» وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ابتلي من هذه البناتِ بشيء فأحسن إليهن كنَّ له سترًا من النار».

فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أمر البناتِ ابتلاء يبتلى به العبد، فإن أحسن إليهن تربيةً وتعليمًا ونفقة، وستَرَهن وألبسهن لباس التقوى حِسًا ومعنى، فإنَّهن يكن له سِتْرًا يَقِينه دخولَ النَّارِ. و عند أحمد من حديث جابر: «من كان له ثلاث بنات يُؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين» .

فارض بما قسم الله لك، فإنك لا تدري أين الخير، فكم من أب فرح يوم أن بشر بمقدم ولد ذكر، ثم كان وبالاً عليه، وسبباً لتنغيص عيشه، ودوام همه وغمه، وكم من أب ضجر يوم أن بشر بمقدم انثى ، فكانت هذه البنت يداً حانية، وقلباً رحيماً ، وعونا على نوائب الدهر.

دخل عمرو بن العاص رضي الله عنه على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وعنده ابنته عائشة .

فقال عمرو: من هذه يا أمير المؤمنين؟

فقال: هذه تفاحة القلب.

فقال عمرو: انبذها عنك .

فقال معاوية: ولم؟

فقال عمرو: فوالله إنهن ليلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن.

فقال معاوية: لا تقل ذاك يا عمرو، فوالله ما مرّض المرضى ، ولا أعان على الأحزان مثلهن، ولا بر الأحياء كهنّ، وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته، وأبا قد رفعه نسل ابنته .

وقال يعقوب بن بختان رحمه الله: ولد لي سبع بنات، فكنت كلما ولد لي ابنة دخلت على أحمد بن حنبل فيقول لي: يا أبا يوسف الأنبياء آباء بنات فكان يذهب قوله همي.

الخطبة الثانية

عبد الله من الأمانة اللي أوجبها الله عليك، قيامك بواجب التربية الحسنة لأبنائك ، فاجعل بنتك ممتدة البصر ، إلى طيب الأقوال ، ورفيع الخصال ، ولا تكن مفتاح شر لها، فتفتح لها أبواب التقليد الأعمى للكاسيات العاريات والكافرات العاهرات، و بعض الناس يفرط في تدليلهن والتساهل معهن. فتنشأ الابنة مدللة لا هم لها إمضاء الساعات الطويلة أمام الهاتف، أو النزول للأسواق ، مصطحبة معها جوالها ، تتلقي الصور الساقطة، والرسائل الماجنة.

عليك أن تربيها على القيام بحقوق ربها ، واتباع سنة نبيها ، ومعرفة حقوق زوجها. أتت أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "فقالت: با أبي أنت وأمي يا رسول الله. أنا وافدة النساء إليك، إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبايعناك، إنا معشر النساء مجهودات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال، فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وشهود الجنائز والحج بعد الحج، والجهاد في سبيل الله، وإن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً، حفظناكم في أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا أولادكم، أنشارككم في هذا الأجر والخير، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مقالتها في أمر دينها، فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا؟ فالتفت إليها صلى الله عليه وسلم : يا أسماء أبلغي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، يعدل ذلك كله».

إن من حق بنتك عليك إذا بلَّغت سنَّ الزواجِ، وطرق بابك إليها الخطاب، أن تختار لها الكفء الذي ترضى دينه وخلقه، تقول أسماء بنت أبي بكر صلى الله عليه وسلم : «إنما النكاح رق، فلينظر أحدكم أين يرق عتيقته» .

وقال الشعبي رحمه الله: "من زوج ابنته فاسقا فقد قطع رحمه" .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "لا يكرهنّ أحد ابنته على الرجل القبيح، فإنهن يحببن ما تحبون".

ولا تعجب إذا علمت أنَّ من أكبرِ أسبابِ فشل الزواج، وتفريق البيتِ بعد الاجتماعِ، التساهل في أمرِ التزويجِ ، والتقصير في أمر البحث والتدقيقِ، فما أن يعقد القِرانُ ويتمّ النكاحُ إلا وتتبين خفايا عظام، وأمورٌ جسام، فقد يكتشف بعد فترة، أن الزوج تارك للصلاة ،أو مدمن للمخدرات، أو شارب للمسكرات، أو متساهل بالمنكرات، ولا بأس عليك ولا جناح ، في أي تبحث بنفسك لينتك عن الزوج الصالح وتعرضها عيه ، فقد فعل ذلك من هو خير منك ، فقد حكى الله عن صاحب مدين أنه قال لنبي الله موسى صلى الله عليه وسلم: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾ .

وفي صحيح البخاري قال عمر رضي الله عنه: لقيت عثمان بن عفان فقلت له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثتُ ليالي ثمَّ لقيته فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فعرضتُ عليه حفصة، فلم يجب أبو بكر ولم يتكلم، فما هي إلا ليالٍ حتَّى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ تزوجها.