وجوب تغطية وجه المرأة

بسم الله الرحمن الرحيم

وجوب تغطية وجه المرأة

إن من أعظم مقاصد هذا الدين؛ إقامة مجتمع طاهر، الخلق سياجه، والعفة طابعه، والحشمة شعاره، والوقار دثاره، مجتمع لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه عوامل الفتنة، تضيق فيه فرص الغواية، وتقطع فيه أسباب التهييج والإثارة. ولقد خُصَّت المؤمنات بتوجيهات في هذا ظاهرة، ووصايا نافعة. فعفة المؤمنة نابعة من دينها، ظاهرة في سلوكها، فشرع الحجاب ليحفظ هذه العفة، وليصونها من أن تخدشها أبصار الذين في قلوبهم مرض. وأحكام الحجاب في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم صريحة في دعوتها، واضحة في دلالتها، ليست مقصورة على عصر دون عصر، ولا مخصوصة بفئة دون فئة.

عباد الله: لقد كان دعاة التغريب ، يتنكرون للشريعة والدين، لكنَّ هذه الطريقة منيت بفشل كبير، فليس من السهولة، مصادمةُ المسلمين في دينهم وعرضهم، بهذه الوقاحة والصراحة، فلم يكن بدّ من تغيير أسلوب التغريب وطريقته، فكانت الوسيلة الجديدة، هي تغريب المجتمع، من خلال أحكام الشريعة نفسها، من تتبُّع المتشابه من الآيات، بقصد تحريفها، والاستشهاد بها في غير مواضعها، وقد اغترّ بقولهم البعض، حتى صار يردّد نفسَ ما يقولون، وهنا الخطر؛ فإن مثل هذه الدعاوى إن أتت من أهل التغريب فلا يزال الناس في شك منها، لكنها إن أتت من منتسب إلى العلم والدعوة كانت لكثير من الناس فتنة.

عباد الله: إن تغطية وجه المرأة عبادةٌ لله، وشريعةٌ ماضية، وليست سنةً حادثةً قائمة على التقاليد، فكلُّ ما دلت عليه النصوص الشرعية، هو من دين الله جل وعلا، وليس تقليدًا ولا عادة، وعمل الناس به لا يخرجه عن كونه دينًا.

وإليكم بعض الأدلة على وجوب تغطية وجه المرأة:

 قال تعالى ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ وإذا كان أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن قد أمرن بالحجاب، مع براءتهن وانتفاء الرّيب عنهن، فسواهن من باب أولى. والحكمة ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ

وقال تعالى ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ﴾ وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية بقوله: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطّين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة.

وقال تعالى ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ قال ابن مسعود في تفسير قوله ﴿إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ﴾ (الثياب)، أي: العباءة أو الجلباب، فلا يمكن ستره، فمعفو عنه، وكذا إذا ما حرّكت الريح العباءة فظهر منها شيء دون قصد.

وقال تعالى ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾ قال الجصاص "أباح لها كشف وجهها ويدها لأنها لا تشتهى"، أما غير القواعد فمحرّم.

ولما أنزل الله ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ قالت عائشة رضي الله عنها: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول، شققن مروطهن فاختمرن بها" (خ) قال ابن حجر: "قولها: (فاختمرن) أي: غطّين وجوههن".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها، فإذا جاوزونا كشفناه ، وهذا دليل على وجوب ستر الوجه حتى في الإحرام عند وجود الرجال.

ثم يأتي دليل آخر من عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك، عن صفوان بن المعطل قالت : فعرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه، فخمرتُ وجهي بجلبابي . فقولها رضي الله عنها قبل أن يفرض علينا الحجاب وتخميرها لوجهها بجلبابها دليل على وجوب تغطية الوجه.

أيها المسلمون: ولقد كان الحجاب المغطي لوجه المرأة هو السائد في عصور المسلمين، وعليه مضى الناس قرنا بعد قرن، قال أبو حامد الغزالي وقد عاش في القرن الخامس: "لم يزل الرجال على ممرّ الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات"، وحكى الإمام النووي وقد عاش في القرن السابع اتفاقَ المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات .

وقال ابن حجر وقد عاش في القرن التاسع: "العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقّبات لئلا يراهُنّ الرجال"، وعلى ذلك كان النساء ثلاثة عشر قرنًا .

ولا زلنا في هذه البلاد، نتفيؤ ظلال هذه النعمة، زادنا الله من فضله، وحمانا من زلات المجتهدين، وكيد الحاقدين .

الخطبة الثانية:

عباد الله : ولقد ذكر العلماء للحجاب شروطا منها : أن يستوعب جميعَ البدن حتى الوجه. وأن لا يكون زينة في نفسه. وأن يكون صفيقًا لا يشفّ عما تحته. وأن يكون فضفاضًا غير ضيق ولا مجسّد للبدن. وأن لا يكون مطيّبًا ولا مبخّرًا. وأن لا يشبه لباس الرجل. وأن لا يشبه لباس الكافرات. وأن لا يكون لباس شهرة.

عباد الله : تأملوا هذه الأدلة، بنظر العالم بمقاصد الشريعة،الباحث عن الحق ، الذي لا يتتبع زلات العلماء، الغيور على محارمه

قال تعالى ﴿وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ وهو ما يتحلى به في الأرجل من خلخال وغيره، فإذا كان صوت الخلخال بريداً إلى الفتنة، فكيف بالوجه الذي يحكي الجمال والشباب والنضارة.

وقال صلى الله عليه وسلم : «إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية» فإذا كان هذا جزاء من أظهرت رائحتها ، فكيف بمن أخرجت وجهها.

وحينما قال صلى الله عليه وسلم : «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» قالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف يصنع الناس بذيولهن؟ - أي: الأطراف السفلى من الجلباب والرداء- قال «يرخين شبراً» قالت: إذن تنكشف أقدامــهن. قال «فيرخينه ذراعاً، ولا يزدن عليه» وهذا دليل على وجوب ستر قدم المرأة، فهل يعقل يا عباد الله أن تؤمر المرأة بتغطية قدمها ، ويسمح لها بإظهار وجهها.

ومهما قيل في الحجاب، في كيفيته وصفته، فما كان يوماً عثرة تمنع من واجب، أو تحول دون الوصول إلى حق، بل كان ولا يزال سبيلاً قويماً، يمكِّن المرأة من أداء وظيفتها، بعفةٍ وحشمةٍ وطهرٍ ونزاهةٍ، على خير وجهٍ وأتم حال. ولكم في أمهاتنا وجداتنا أسوة ، فقد كن في الماضي ولا زلن، يغطين وجوههن ، ويخرجن في أسواق غير مضاءة ، وطرق غير معبدة ، ولم يقعن يوما في مأزق ، ولم يمنعهن الحجاب من قضاء حاجة.

عباد الله : إن تغطية وجه المرأة، وسامُ عزتها، وعنوان عفتها، ومظهر لصلاحها،يريد أعداؤنا هدم صروح الفضيلة، يريدون هدم المعاني الجميلة، إنهم دعاة الهوة والرذيلة. ولقد جرب الغرب ما يدعون، فهاهم لما زرعوا يحصدون، ترى البنت تخرج من بيتها، قبيل البلوغ، فترجع تحمل في بطنها نتاج اللقاح، أهذي الحقوق كما تزعمون؟ فأُفٍّ لكم ولما تدعون.