فضائل عشر ذي الحجة وأعمالها

بسم الله الرحمن الرحيم

فضائل عشر ذي الحجة وأعمالها

وفي هذه الأيام ترى جموع الحجيج وقد تذللوا لله خالقهم، وقفوا لمناجاته وسؤاله وقد انطرحوا بين يديه سائلين مستغفرين، فلا ترى إلا الوجوه الخاشعة، والأيدي المرتفعة، والعبرات السائلة، ولا تسمع إلا أنات المنيبين، وزفرات التائبين ،وابتهالات المستعطفين، رفعوا أكفهم لمولاهم، وسألوه بلا واسطة ولا معين، وألحوا في سؤال ربهم من صلاح الدنيا والدين، وطلب عاقبة المتقين.

عباد الله: لئن كنا ممن لم يحظ بالحج وأداء المناسك، فإن الله سبحانه وهو الكريم الرحمن، الحكيم المنان، واسع العطاء ومجزل الإحسان، قد شرع لنا من العبادات والأعمال الصالحة في هذه الأيام ما تقر به أعين المؤمنين، وتسلو به أفئدة المتقين.

نعيش في هذه الأيام، أياماً فاضلة، العمل فيها ليس كالعمل في غيرها. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر». قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».

في هذه الأيام يشرع التكبير، فهو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ يقول البخاري ـ رحمه الله ـ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيراً. وقال أيضاً: كان ابن عمر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

عباد الله: ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، صيام يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من هذا الشهر، فهو يوم عظيم، فيه كمل الدين، وفيه يعتق الله ما شاء من عباده من النار، وفيه يدنو الله جل جلاله يباهي بعباده الملائكة، وصيامه يكفر سنتين، سنة قبله وأخرى مثلها بعده، بذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» مسلم.

وفي هذه الأيام ، سيكون عيد الأضحى، وهو يوم عظيم، قد رأى بعض أهل العلم، أنه أفضل أيام السنة، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر ، فيه تجتمع أهم أعمال الحجيج، ففيه يرمون جمرة العقبة، ويطوفون بالبيت طواف الإفاضة، ويحلقون رؤوسهم ويذبحون هداياهم، ويبقون في منى، أما غير الحجاج فإنهم يصلون العيد ويذبحون أضاحيهم ويكبرون ويحمدون.

عباد الله : يقول الشيخ محمد بن عثيمين: صلاة العيد فرض عين على الرجال على القول الراجح من أقوال أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وواظب عليها حتى أمر النساء العواتق وذوات الخدور والحيض بالخروج إليها وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى.

ويستحب في عيد الأضحى أن لا يأكل إلا بعد صلاة العيد ليأكل من أضحيته، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم ، قال ابن القيم: وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.

ويستحب للمصلي يوم العيد أن يأتي من طريق و يعود من طريق آخر اقتداءاً بالنبي صلى الله عليه وسلم فعن جابر قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق" البخاري.

ويستحب له الخروج ماشياً إن تيسر، ويكثر من التكبير حتى يحضر الإمام.

عباد الله، أيام العيد ليست أيام لهو ولعب وغفلة، بل هي أيام عبادة وشكر، وتكبير وذكر

الخطبة الثانية:

ومن شعائر يوم العيد ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل لقوله سبحانه ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ وذبح الهدايا والأضاحي من شعائر هذا الدين الظاهرة ومن العبادات المشروعة في كل الملل، يقول سبحانه: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ .

قال ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل. ويقول سبحانه: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ .

ولذا كان على المسلم أن يعلم إنه بذبحه الأضاحي يؤدي شعيرة من شعائر الله التي يجب تعظيمها واحترامها لقوله سبحانه ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ﴾ .

قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله- إن بذل الدراهم في الأضاحي أفضل من الصدقة بها، وإن الأضحية سنة مؤكدة لمن يقدر عليها فَضَحُّوا عن أنفسكم وأهليكم من الزوجات والأولاد والوالدين ليحصل الأجر العظيم للجميع وتقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم حيث ضحى عنه وعن أهل بيته. والأضحية من بهيمة الأنعام. إما من الإبل أو البقر أو الضأن أو المعز على اختلاف أصنافها ولا تجزئ إلا بشرطين، الأول: أن تبلغ السن المعتبر شرعا، الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الأجزاء، فأما السن ففي الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن نصف سنة . وأما العيوب التي تمنع من الإجزاء فقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العرجاء البَّين ظلعها، والعوراء البين عورها، المريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى» فكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل.

والأضحية عن الأموات على ثلاثة أقسام: الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء، مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته، وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.

الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم، تنفيذاً لها، وأصل هذا قوله تعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ .

الثالث: أن يضحى عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء، فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت، وينتفع بها قياساً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضح عن عمه حمزة، وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهن ثلاث بنات متزوجات وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة، وهي من أحب نسائه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته. أ.هـ