فتن المال والولد والنساء

بسم الله الرحمن الرحيم

فتن المال والولد والنساء

الحمد لله الكريم الودود، الملك المعبود، المعروف بالكرم والجود، أحمده سبحانه على ما اتصف به من صفات الجلال والإكرام، وأشكره على ما أسداه من جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبوىء من حققها جنات النعيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأفضل من دعا إلى الدين القويم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم على المنهج السليم.

عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا أمره ولا تعصوه، وعاملوه معاملة من يخافه ويرجوه، واحذروا أسباب سخطه وغضبه، فإنها توجب حلول العقوبات، وزوال النعم ومحق البركات، كما أصاب من قبلكم من الأمم الخاليات، ومن حولكم ممن ظهرت فيهم المعاصي وكثر فيهم الخبث من المجتمعات، واعلموا أنكم بالخير والشر تختبرون، وبالمحاب والشهوات تفتنون، ليتبين المحسن من المسيء، والمصلح من المفسد، والشاكر من الكافر ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فما عملتم من خير وشر فإنكم ملاقوه، وسيجازيكم الله به يوم تلاقوه.

عباد الله: إننا اليوم في معترك فتن عظيمة، كقطع الليل المظلم، يرقق بعضها بعضا، وينسي بعضها بعضا، فالمال فتنة، هلك به كثير من الناس في هذه العصور، والأولاد فتنة، وكم استعصى أمرهم على معظم أولياء الأمور. والكفار فتنة، وكم امتلأت منهم الديار، وعظمت بسببهم الأخطار. والنساء فتنة، وكم جلبن من المصائب على العالمين، وكم يكيد بهن الأعداء لإفساد مجتمع المسلمين، نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونسأله الهدى والسداد والصلاح في الحال والمآل.

عباد الله: المال فتنة لهذه الأمة، وكم هلكت به قبلها من أمة، يقول كما عند (ت حم): «لكل أمة قتنة وفتنة أمتي المال» وقال : «أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم».

المال فتنة من جهة جلبه وتنميته، وفتنة في المكاثرة والمباهاة به، وفتنة من جهة إنفاقه وأداء الحقوق الواجبة منه، فقد قل من الناس الحَذِر من أسباب كسبه المحرمة، والمتورع عن صور جلبه المشتبهة، بل أكثر الناس أصبح المال أكبر همه، وملأ قلبه، وشغل فكره، يخاطر في تحصيله أيما مخاطرة، ويسعى في تنميته مكاثرة ومفاخرة، ولا يبالي بعواقب ذلك في الدنيا والآخرة، يكسبه من وجوه محرمة، وحيل ملتوية آثمة، وطرائق خبيثة باطلة، فهو النهم الذي لا يشبع، والمفتون الذي لا يقلع، وصدق النبي إذ يقول : «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما اكتسب المال، من حرام أم من حلال».

ولهذا تجد هذا الصنف يأخذ المال بالربا، ويستحلون الرشوة، ويأخذون ثمنا لبضائع محرمة، قيما للمصورات، وأنواع للمخدرات، وأفلام المجون والغناء، وبخس المقاس والكيل، والعد والوزن، ناهيك بما فيه إعانة على المنكر، وفتح أبواب الفساد والشر، وفي (خ) قال : «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة» فالحلال عند هذا الصنف ما حل في يده بأي سبب، والحرام ما عجز عن تحصيله مع الجد في الطلب، ولكن إن ربك لبالمرصاد، فهذا ماله وبال وشؤم يعود عليه، فإن أكل منه لم يؤجر عليه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن أمسكه لم يبارك له فيه، وإن دعا وهو في جوفه لم يستجب له، وإن تركه لورثته كان زاده إلى النار، لغيره غنمه وعليه إثم تحصيله وغرمه، وكم تسلط عليه في حياته من أسباب الهلاك والاتلاف، حتى ينفق رياء وتبذيرا وإسرافا، أما الذي يكسب ماله من طرق الحلال، ويتقي في طلب ذي الكرم والجلال، وينفقه فيما يعود عليه بالنفع في الحال والمآل، يتوسل به إلى فعل الخيرات، ونفع ذوي القربات، وإعانة أهل الحاجات، فذاك يبارك له في ماله، ويكون من أسباب صلاح قلبه وأعماله وأحواله، إن أنفق منه أجر عليه، وإن تمتع به بورك له فيه، وإن تصدق به قبل منه، وضوعف له، وإن دعا ربه استجاب له، وإن ترك لوارثه كان خيرا له، فنعم المال الصالح للرجل الصالح ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ فقد ذهب أهل الأموال الصالحون بالدرجات العلى، والنعيم المقيم.

فاتقوا الله عباد الله، وأجملوا في الطلب، اكسبوا المال من وجوه حله، وأنفقوه في محله، واعلموا أن رزق الله لا يجلبه حرص حريص، ولا يدفعه كراهية كاره، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وإن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

 عباد الله: الأولاد فتنة وهي أخطر من فتنة الأموال على كثير من العباد، فإنهم مبخلة مجبنة، وصدق الله ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ ولذلك فتن بهم بعض الناس في هذا الزمان، حتى خشي عليه من التفريط في الإيمان، يوفرهم حتى عن المشي إلى الصلاة، ويسليهم حتى بالمحرم من الشهوات والأصوات، ويغضب لهم حتى يعادي الناصح، ويقرهم على ما هم عليه من القبائح، ويرضيهم حتى بتوفير أسباب هلاكهم، ويحميهم حتى عما يصلح قلوبهم وأعمالهم، وكم من أخوين صالحين متهاجرين، بسبب الأولاد، وكم من جارين متعاديين بسببهم، كل واحد منهما للآخر بالمرصاد، وحبك الشيء يعمي ويصم، ولكن الويل الويل من هول يوم المعاد.

فاتقوا الله معاشر المسلمين في أولادكم ولا تلهوا بهم عن هول يوم معادكم قال الله ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا ...﴾ ووقايتهم من النار إنما تكون بأمرهم بالصلاة، وتربيتهم على أنواع الطاعات، وتأديبهم إذا لم يجد فيهم النصح والإرشاد على ما قد يرتكبونه من المخالفات، والأخذ على أيديهم وأطرهم على الحق أطرا، لصيانتهم من اقتحام المحرمات.

عباد الله: ومن الفتن المخيفة في هذا الزمان، ما عليه بعض النساء من أنواع الطغيان، من التبرج والسفور، وما يرتكبنه من عظائم الأمور، من مخالطة الرجال، والخلوة بغير المحارم في كثير من الأحوال، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تخفى، وشؤم عواقبها في كل لحظة يخشى، وقد حذركم نبيكم من فتنة النساء إذ يقول : «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء». ويقول : «فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» وكم بين المسلمين اليوم من النساء اللاتي تنطبق عليهم أوصاف أحد أصناف أهل النار، كما جاء وصفهن عن النبي بقوله :«نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا». فصونوا نسائكم عن أسباب الردى، وقوموهن على البر والتقوى، واحذروا أن يغلبنكم على أموركم «فلن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة» «وإنما هلكت الرجال حين أطاعت النساء» وفي الحديث «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن» ومن عرف أنهن فتنة حَذِر أن يهلكنه، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، فاتقوهن واحذروهن، وأطعموهن واكسوهن، وعاشروهن بالمعروف، وأحسنوا إليهن، واستوصوا بهن خيرا، فإن خياركم خياركم لنسائهم، ولكن لا تُسلموا لهن القياد، ولا تجعلوهن هدفا لأنظار، ومطامع مرضى القلوب، الساعين في الإفساد، فأنتم لهن راعون، وعليهن قوامون، وعنهن مسئولون، فإنهن عوان عندكم، فحققوا القوامة وأحسنوا الولاية ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ...﴾ .