صلاة الفجر

بسم الله الرحمن الرحيم

صلاة الفجر

عباد الله: فئة موفقة، وجوههم مسفرة، وجباههم مشرقة، وأوقاتهم مباركة، فإن كنتم منهم فاحمدوا الله على فضله، وإن لم تكونوا من جملتهم فالله الله أن تلحقوا بركبهم، أتدرون من هم؟ إنهم أهل الفجر: قوم يحرصون على أداء هذه الفريضة، ويعتنون بهذه الشعيرة، يستقبل بها أحدهم يومه، ويستفتح بها نهاره، والقائمون بها تشهد لهم الملائكة، ومن أداها مع الجماعة فكأنما قام الليل كله، إنها صلاة الفجر التي سماها الله قرآنا فقال سبحانه ﴿وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾. المحافظة عليها من أسباب دخول الجنة، والوضوء لها كم فيه من درجة، والمشي إليها كم فيه من حسنة، والوقت بعدها تنزل فيه البركة، خرج (حم د ت جه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «اللهم بارك لأمتي في بكورها».

أهل الفجر: الذين أجابوا داعي الله وهو ينادي : حي على الصلاة، حي على الفلاح، فسلام على هؤلاء القوم، حين استلهموا "الصلاة خير من النوم" واستشعروا معاني العبودية، فاستقبلتهم سعادة الأيام تبشرهم وتثبتهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند (د ت) : «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة». لقد فازوا بعظيم الأجر، فلا يغبطوا أهل الشهوات والحظوظ العاجلة فما عندهم والله يُغبطون عليه، بل بفضل الله وبرحمته فاغتبطوا، وإياه على إعانتكم فاشكروا، وإليه فتوجهوا، عند (م) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله».

يا أهل الفجر: هنيئا لكم أن تتمتعوا بالنظر إلى وجه الله الكريم في الجنة في ( خ م) أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني العصر والفجر ثم قرأ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ﴾.

يا أهل الفجر: أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال والزوجات، وترجعون أنتم بالبركة في الأوقات، والنشاط وطيب النفس وأنواع الهِدايات،ونزول الرحمات ودخول الجنات ، يقول صلى الله عليه وسلم كما عند ( خ م ): «من صلى البردين دخل الجنة» ويقول كما عند (م): «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها». يعني: صلاة الفجر وصلاة العصر.

يا أهل الفجر: اعلموا أنكم محفوظون بحفظ الله، أنفسكم طيبة، وأجسادكم نشيطة، روى (م) أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله» ويقول كما في (خ م): «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، ويضرب على مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان».

يا أهل الفجر: يكفيكم شرفا شهادة ملائكة الرحمن يقول صلى الله عليه وسلم كما في (خ م): «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يَعرُج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون».

يا أهل الفجر: خاصة، ويامن تحافظون على صلاة الجماعة عامة، أبشروا، فوضوؤكم درجات، وممشاكم إلى المساجد حسنات، وجلوسكم فيها رحمات من ربكم وصلوات «من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح». «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد، كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه».

فسلام على المحافظين على صلاة الفجر، حين تركوا السهر، وودعوا السمر، وفازوا بعظيم الأجر، ترى الواحد منهم يستعد لها من الليل، فلله درهم حين داوموا عليها، وفازوا بأحب الأعمال إلى الله عز وجل، يقول عبد الله بن مسعود: سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها».

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: خرج (م) عن عبد الله بن مسعود قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" وفي رواية: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة". فكيف يستبيح كثير من الناس اليوم التخلف عن الصلاة في الجماعة في مساجدهم، وقد عافاهم الله في أبدانهم، وآمنهم في أوطانهم، ووسع عليهم في أرزاقهم.

عباد الله: أما من ضيعوا الصلاة وتهاونوا بها وأخروها عن وقتها، فيا ليت شعري لو يعلمون ماذا تحملوا من الوزر؟ ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ وماذا فاتهم من الأجر؟ يقول صلى الله عليه وسلم كما عند (ت): «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر».

أيها المضيع لصلاة الجماعة ولا سيما صلاة الفجر، أفما لك همة ترتفع بها لتكون مع من سبق الثناء عليهم والإشادة بهم، لماذا تجعل للشيطان عليك سبيلا؟ ولماذا ترضى أن يبول في أذنيك؟ ففي (خ م) ذكر رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم نام ليلة حتى أصبح فقال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه».

عبد الله: تذكر وأنت تتنعم بلذيذ المنام، ما يعقب ذلك من حسرة وألم، خرج (خ) أن الرجل الذي يتلذذ بالنوم عن الصلاة، يجازى بأن يرض رأسه بالحجارة، والجزاء من جنس العمل، قال صلى الله عليه وسلم : «وأما الرجل الذي يثلغ رأسه بالحجر، فإنه يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة».

ألا فالحق بأهل الفجر: لكي تكون في ذمة الله، ولتكتب في ديوان الأبرار، وتحصل لك السعادة والنور، يقول صلى الله عليه وسلم كما في (خ م) : «ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا».

عبد الله: حاسب نفسك، واصدق مع ربك، واستفتح يومك بتوبة تمحو ما سلف منك، وتذكر نعم الله عليك، واسأل الله دائما أن يعينك، واحذر السهر، وابتعد عن المعاصي والذنوب، ولا سيما النظر المحرم، فإن المعصية سبب لحرمان الطاعة، وكن ذا عزيمة قوية، وتذكر ثواب المسارعين إلى المساجد، الذين تعلقت قلوبهم بها، وأكثروا من التردد عليها، فهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهم الموفقون في الدنيا، وأهل الجنة في الآخرة.