التحذير من مخالفات نهاية العام

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من مخالفات نهاية العام

 27/12/1429ه

عباد الله، بعِث الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر بالتوحيد والبراءة من الشرك، ولقد كان من أوائل ما نزل عليه من القرآن قول الله سبحانه ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ قال ابن زيد في تفسير هذه الآية: "الرجز: آلهتهم التي كانوا يعبدون، أمره أن يهجرها، فلا يأتيها ولا يقربها". أمر الله نبيه أن يهجر الشرك وأهله، ذاك أنه لا يمكن أن يجتمع الشرك مع الإيمان، فإذا وقع هذا رفع ذاك، وإذا وقع ذاك رفع هذا، كما أنّ الليل والنهار لا يجتمعان فكذلك الشرك والإيمان.

أيها المسلمون، لقد كان رسولكم صلى الله عليه وسلم يحرصُ كلَّ الحرصِ على أن تخالف أمته اليهود والنصارى ، حتى قال عنه اليهودُ أنفسهم كما يرويه أنسٌ رضي الله عنه عند مسلمٍ: ما يريدُ هذا الرجلُ أن يدعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه.

عباد الله: لقد أكثر أهل العلم في نقل التحذير من أعياد الكفار والمشاركة فيها، يقول سبحانه ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّور﴾ قال جمع من السلف: "أي: لا يحضرون أعياد الكفار". وقال السيوطي : واعلم أنه لم يكن على عهد السلف السابقين من المسلمين من يشاركهم في شيء من ذلك.

وقد صرح الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة باتفاق أهلِ العلمِ على عدم جوازِ حضور المسلمين أعيادَ المشركين، وجاءَ عن عمرَ رضي الله عنه أنه قال: «لا تدخلوا على المشركين في كنائسِهم يومَ عيدهمِ؛ فإن السخطة تنزل عليهم»، وقال أيضًا رضي الله عنه: «اجتنبوا أعداء اللهِ في أعيادهم» أخرجه البيهقي بسند صحيح.

قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: "إذا أردت أن تعرف الإسلام من أهل زمان فلا تنظر إلى ازدحامهم على أبواب المساجد، ولا ارتفاع أصواتهم بـ(لبيك)، لكن انظر إلى موالاتهم لأعداء الشريعة".

وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسمس ؟ وكيف نرد عليهم إذا هنؤونا بها ؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة ؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد ؟ وإنما فعله إما مجاملةً أو حياءً أو إحراجاً أو غير ذلك من الأسباب ؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك ؟

فأجاب فضيلته بقوله : تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق كما نقل ذلك ابن القيم - يرحمه الله - في كتابه " أحكام أهل الذمة " حيث قال : وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول : عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه . وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه . انتهى كلامه - يرحمه الله - . وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر ورضى به لهم وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا . وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى جميع الخلق ، وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها .

وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« من تشبه بقوم فهو منهم » قال شيخ الإسلام ابن تيمية " : مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء . انتهى كلامه - يرحمه الله - ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملةً أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم .

الخطبة الثانية:

يتناقل الناس عبر الجوال مثل هذه الرسالة في مثل هذه الأيام : " ستطوى صحيفة هذا العام ولن تفتح إلا يوم القيامة، فاختم عامك بالتوبة والاستغفار والصيام، وتحلل من الآخرين. ومثل هذه الرسالة كثير في الحث على ختم العام بعمل صالح فهل ورد في ذلك شيء من السنة؟

عباد الله : تخصيص نهاية العام أو بدايته بعبادة: يحتاج إلى دليل شرعي ، ولا دليل على ذلك ، فهي بدعة في الدين، ويسميها أهل العلم: " بدعة إضافية " ؛ لأن العمل إذا كان أصله مشروعاً وكان مطلقاً ؛ كالصوم أو الاستغفار أو الدعاء، ثم قيد بدون دليل ، بسبب أو عدد أو كيفية أو مكان أو زمان؛ كنهاية العام الهجري، أصبح هذا الوصف الزائد بدعة مضافة إلى عمل مشروع، فعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد » متفق عليه

ولقد قد دلت السنة على أن أعمال العباد ترفع للعرض على الله عز وجل أولاً بأول ، في كل يوم مرتين مرة بالليل ومرة بالنهار. ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ»

ودلت السنة على أن أعمال كل أسبوع تعرض ـ أيضا ـ مرتين على الله عز وجل . روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ » ودلت السنة أيضا على أن أعمال كل عام ترفع إلى الله عز وجل جملة واحدة في شهر شعبان ،روى النسائي عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟!! قَالَ : « ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ »

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن التذكير بنهاية العام في نهايته : " لا أصل لذلك ، وتخصيص نهايته بعبادة معينة كصيام بدعة منكرة " انتهى.