عاقبة الظالمين

بسم الله الرحمن الرحيم

عاقبة الظالمين

17/ 2/ 1432هـ(غ)

فإن المؤمن مهما تفاقم الشرّ، وتراقى الخطر والضرّ، فإنه يعلم أن ما قُضِي كائن، وما قُدِّر واجب، وما سُطِّر منتظَر، ومهما يشأِ الله يكن، وما يحكم به الله يحقّ، لا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وما شاء ربُّنا صنع، فلا جزع ولا هلع ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ

أيها المسلمون: الظلم لا يدوم ولا يطول، وسيَضمحلّ ويزول، والدهر ذو صرفٍ يدور، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور، أين الذين التحفوا بالأمن والدَّعَة، واستمتعوا بالثروة والسَّعة، لقد نزلت بهم الفواجع، وحلّت بهم الصواعق والقوارع، فهل تعي لهم حِسًّا، أو تسمَعُ لهم ركزاً؟! فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته»، وقرأ صلى الله عليه وسلم : ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ

عباد الله: أنفذ السهام دعوة المظلوم، يرفعها الحيّ القيوم، فوق الغيوم، يقول صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين» أخرجه أحمد ، وقد سئل احد شيوخ الأمويين بعد سقوط دولتهم : ما كان سبب زوال ملككم ؟ فأجاب : " إنّا شُغلنا بلذاتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا ، ظلمنا رعيتنا ، فيئسوا من إنصافنا وتمنوا الراحة منا ، وتحومل على أهل خراجنا فتخلّوا عنا ، وخربت ضياعنا ، فخلت بيوت أموالنا ، ووثقنا بوزرائنا ، فآثروا منافعهم على منافعنا ، وأمضوا أمورا دوننا، أخفوا علمها عنا ، وتأخر عطاء جندنا ، فزالت طاعتهم لنا ، واستدعاهم أعادينا فتعاهدوا معهم على حربنا ، وطلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا " فسبحان من سمع أنينَ المضطهدِ المهموم، ونداءَ المكروب المغموم، فرفع للمظلوم مكاناً، ودمَغ الظالم فعاد بعد العزّ مهاناً. وبعد الشجاعة جبانا ، وبعد القصور والدور ، والخدم والحبور ، أصبح طريدا شريدا ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ

أيها الناس: إنه ليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والعدوان، ولا يكون العمران حيث يظهر الطغيان، لأنَّ الظلم جالبُ الإحن، ومسبِّب المحن، والجَور مسلبةٌ للنعم، مجلبة للنقم، وقد قيل: الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش. ومن سخط الله على الظالم أنه سبحانه يخذل الظالم، وينصر المظلوم ولو بعد حين، فكم هلكت دول، وزالت أمم، وتهاوت عروش،وهزمت جيوش، بسبب دعوة مظلوم ، قال الذهبي - رحمه الله – : لما حبس خالد بن برمك وولده قال : يا أبتي بعد العز صرنا في القيد والحبس. فقال : يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها . وأنشأ يقول :

رب قوم قد غَدَوا في نعمةٍ *** زمناً والدهرُ ريانُ غَدَق

سَكَتَ الدهرُ زمانا عنهمُ *** ثم أبكاهم دماً حين نَطَق

وكان يزيد بن حكيم يقول : ما هبت أحدًا قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، يقول لي : حسبي الله : الله بيني و بينك

 عباد الله : علمتنا تجارب الحاضر أن الكفار لا صديق لهم، ولا عزيز عليهم إلا من يخدم أهدافهم ، ويحقق أغراضهم ، فإذا انتهى دوره ، رموه ولا كرامة ﴿هَاأَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

أيها المسلمون :البعد عن شرع الله وتنحيته عن شؤون الحياة ، مجلبة للنقم ، وقد تفاوتت العقوبات التي أصابت الأمم بتفاوت جرائمهم وعصيانهم لله عز وجل، فكل من ولي ولاية فهو مأمور أن يقيم في الرعية شرع الله والعدل كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ وبيَّن سبحانه أن أعظم أسباب صلاح الحال الديني والدنيوي تمسك الحاكم والمحكوم والراعي والرعية بدين الله قال تعالى ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً

الخطبة الثانية

الحمد لله

إننا بحمد الله نعيش في قوّة وصحة وأمن، توجب الشكرَ لله ذي المنّ، وإنَّ من حقّ الله علينا أن نكون أوفياءَ للإسلام ، وأن نتطهّر من المذامّ، وخبيث البثّ والإعلام، وأن نقومَ على أجيالنا أصدقَ قيام، بالتربية والتأديب، والتقويم والتهذيب فلن تُصان حمى الأوطان بمثل طاعة الرحمن، هذا طريق الخروج من الهوان، هذا سبيل النصر بان، هذا وقتُ التصحيح حان، فاستديموا بالطاعة النعم، واسترشدوا بالعلماء الربانيين الذين هم أرفع الناس قدراً، وأسلمُهم فكراً، وأمكنُهم نظراً.

سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمه الله- هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام المعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير ، فما رأي سماحتكم ؟ فقال رحمه الله : قال الله عز وجل ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر وهم الأمراء والعلماء وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة , وهي فريضة في المعروف . والنصوص من السنة تبين المعنى , وتفيد بأن المراد : طاعتهم بالمعروف , فيجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي , فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية , لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها لقوله صلى الله عليه وسلم : «ألا من ولي عليه والٍ , فرآه يأتي شيئا من معصية الله ليكره ما يأتي من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة» وقال صلى الله عليه وسلم : «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره , إلا أن يؤمر بمعصية , فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» .

وقال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا , وعسرنا يسرنا , وأثرَة علينا , وأن لا ننازع الأمر أهله " , وقال : "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان" .

فهذا يدل على أنهم لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان , وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا , وشرا عظيما , يختل به الأمن , وتضيع الحقوق , ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم , وتختل السبل ولا تأمن , فيترتب على الخروج على ولاة الأمر فساد عظيم وشر كبير , إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان , فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة , أما إذا لم يكن عندهم قدرة , فلا يخرجوا , أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج , رعاية للمصالح العامة , والقاعدة الشرعية المجمع عليها "أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه , بل يجب درء الشر بما يزيله ويخففه" .

وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين , فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا وعندهم قدرة تزيله بها , وتضع إماما صالحا طيبا , من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس . أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحق الإغتيال , الى غير هذا من الفساد العظيم , فهذا لا يجوز , بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير , والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير , هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك ،نسأل الله للجميع التوفيق والهداية . فاللهم ......