خطر الإعلام

بسم الله الرحمن الرحيم

خطر الإعلام

الحمد لله القائل ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له، وعد الشاكرين بالمزيد، وتوعد الكافرين بالعذابِ الشديد، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله، أنزل اللهُ إليه الكتاب، ليخرج الناس من الظلماتِ إلى النور بإذن ربهم إلى صراطِ العزيز الحميد، صلواتُ الله وسلامه عليه، وعلى آلهِ وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الوعيد . أمَّا بعد :

فلقد اقتضت حكمةُ الله تعالى أن يكون هُناك صراعٌ بين الحق والباطل، حتى يرثَ الله الأرضَ ومن عليها ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ﴾ وأهلَ الباطلِ لا يكفيهم البقاءُ على باطلهم، وإنَّما يسعون لإضعافِ الحقِّ والصدِّ عنهُ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ .

ولقد قضى اللهُ تعالى أنَّ الغلبةَ للحقِ وأهله ولو بعد حين، وأنَّ الاندحارَ والمحقَ للباطلِ وحزبِه، ولو كثرَ وعلا، قال تعالى ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ .

عباد الله : إن المسلمين اليومَ يُواجهونَ تحدياً عالمياً، يستهدفُ عقائِدهم وأخلاقهم، وحضارتَهم وتاريخهم، بل يستهدفُ كيانهم ووجُودَهم بِرمَتهِ ! فما تلك الوصايةُ الثقافية، والهجمةُ الأخلاقية، ضدَّ ثقافةَ الأمةِ وقيمها إلاَّ إجراءً عملياً لتحقيقِ غاياتِ الأعداء، في إذلالِ الأمةِ وإهانتها ! ولذا كان واجباً مُحتماً، بل فرضاً لازماً، أخذَ الأهبةِ والاستعدادِ لمواجهةِ تلك التحدياتِ السافرة، والأخطارِ المُحدقةِ .

ألا وإنَّ من أهمِ الوسائلِ الموجهةِ في هذا العصرِ، هو الإعلام َ الهادف، الذي يقوم على نشر العقيدةِ الإسلاميةِ النقية، من الشوائبِ و الخرافاتِ والبدع، عقيدةً تقومُ على إفرادِ اللهِ وحدهُ بالألوهيةِ والعبودية، وتُعظمُ قدرهُ في نفوسِ البشر، فلا يجترئونَ على مخالفةِ أمره، أو الاستخفافَ بنهيهِ سبحانه ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، كما يقومُ على نشرُ القيمِ الفاضلةِ، والأخلاقِ الكريمة . فالإعلامُ الهادفُ هو الذي يُذكِّي في النفُوسِ جذوةَ القيمِ الفاضلة، ويدعو إليها، وهو الذي يُعظِّم شأنَ الأعراضِ والآداب، ويدعو للمحافظةِ عليها . والإعلامُ الهادفُ هو الذي يُربّي النفوسَ على الشجاعةِ والبطولةِ، والكرمِ والجود، والصدقِ والنزاهة، والعفةِ والطهارةِ، والمروءةِ والشهامة.

والإعلامُ الهادفُ يضعُ ضمن أولوياتهِ محاربة كلَّ خُلقٍ دنس، ورذيلةٍ فاحشة، وممارسةٍ قذرة، فهو حربٌ على النفاقِ والكذبِ، والغدرِ والخيانةِ، والمكرِ والخداعِ، والانتهازيةِ والاستغلال . كما يقوم بدوره في الترفيهُ البريءُ بضوابطهِ الشرعية . بلا أغانٍ صاخبة، أو موسيقى هابطة، أو مناظرَ فاحشة .

هذه بعضُ أهدافِ الإعلامِ النزيهِ النبيل، فهل حقق الإعلاميونَ في عالمنا الإسلامي شيئاً من هذهِ الأهدافِ أو بعضها ؟

والجوابُ المُحزنُ الكئيب، كلاَّ، بل إنَّ الإعلامَ سخَّرَ كلّ إمكاناتهِ في الترفيهِ غير البرئٌ في الغالب، والذي يقومُ على الإباحيةُ والجنس، والعنفُ والجريمة، فأيُّ مصلحةٍ للأمةِ يا تُرى في عرضِ مثلَ هذهِ الأفلامِ القبيحة، التي تُؤججُ الشهواتِ في النفوس، وتدفعُ الأشرارَ إلى الاستخفافِ بالدماء ؟

كما يركز الإعلام بشكل واضح على العروضُ الغنائية، الفرديةِ والجماعية، ولكَ أن تتصورَ حجمَ الإثارةِ، وكبير الأثرِ على شبابِ الأمةِ وعمادها، حين يُصبحون ويُمسون على مشاهدَ فاضحةٍ لمغنياتٍ فاتنات، خليعاتٍ ماجنات، يُغنينَ بألذّ الأصواتِ، وأجرأِ العباراتِ، وأفحشِ الكلمات، فأيُّ مصلحةٍ أيُّها الإعلاميونَ لعرضِ مثلَ هذا ؟

تنوّعت في الإعلام مسالكُ الشبُهات، وتأجَّجت نوازِع الشهوات، وغدَا شبابُنا معرَّضًا لسهامٍ مسمومةٍ، ورماحِ غزوٍ مأفونة، ذاق مرارَتها المجتمَع في غلوٍّ وتكفير وانحلالٍ خُلُقيٍّ مقيت.

ولقد تراجَع دورُ مؤسّسات التربية، أمام هذه الفضائياتِ التي أطلقت أبواقَها، وسخّرت جهودَها، في فتح أبوابِ الانحراف، من تلويثِ العقول، وإفساد القلوبِ، ونزع جلبابِ الحياء، سهَّلت الغزوَ الفكريَّ، ونَقلت ثقافة وأخلاق بلدانٍ لا تمثِّل الإسلامَ ولا تدين به، شجَّعت على الفسقِ والسّفور، جرَّأت على الجريمة والانحراف.

فاتقوا الله أيُّها الناس، وأدّوا الأمانةَ وسخِّروا إعلامكم لخدمةِ دينكم، والحفاظِ على أعرضكم ، وكيانِ أمتكم . واعلموا أنَّكم مسئولون عن أنفسكم، ومن تحتَ أيديكم من نساءٍ وذريَّة، فاحذروا كلَّ وسيلةٍ هدَّامة، وصُونوا بيُوتكم من أسبابِ الفسقِ والرذيلة، والخسَّةِ والعار ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ .

الخطبة الثانية

الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور.

فإنَّ الأمةَ المسلمةُ ذات عقيدةٍ ناصعة، وأخلاقٍ فاضلةٍ، وحضارةٍ باهرة، ورسالةٍ خالدة، وقد شرّفنا الله بالانتماءِ لهذا الدين العظيم، وكلَّفنا إبلاغ هذه التعاليمِ، لأممِ الأرضِ قاطبة . فماذا قدّمنا للبشريةِ الحائرة، والإنسانيةِ البائرة ؟ ماذا قدمنا لمن يعيشونَ في جاهليةٍ جهلاء،ووثنيةٍ عمياءَ صمّاء ؟ هل سخرنا إعلامنا لانتشالِ هؤلاءِ من مستنقعات الكفرِ والوثنية؟ والكفر والإلحاد ؟ هل سخّرنا إعلامنا لعرضِ الإسلامِ النقي البديع، على هؤلاءِ الحيارى المتخبطين في دياجيرِ الظلام ؟ هل سخّرنا إعلامنا لتنقيةِ الإسلامِ ممّا علقَ به من الخرافةِ والبدعةِ لدى كثير من المسلمين ؟

هذه البلاد إنما ترتفع رايتها بشهادة التوحيد .. وتطمئن أركانها بعقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان .. وتنال الريادة والقيادة بفضل الله تعالى ثم بفضل التزامها بالشريعة المطهّرة «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله»

وعندما يساوم شخص على عقيدة هذه البلاد، بدعوى حرية الرأي، ويتيح الفرصة لأعداء الله ورسوله، الذين يلعنون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الشاشات إن ذلك مما يؤجج النفوس، ويثير كوامن القلوب، في وقت نحتاج فيه إلى حفظ الأمن، ودرء المفاسد، وإغلاق أبواب الشر، وسد ذرائع الفتنة، وتأسيس أصول العقيدة الصحيحة السليمة من شوائب الشرك والبدعة والانحراف.

 هذا وإن من طوارق الأسحار , ومزعجات الأخبار , ما لاكته ألسنة أقوام , وسطرته أسنة أقلام , قد اتخذت من حرب الإسلام لها سبيلاً , وجعلت من التستر والنفاق عليها دليلاً , هل ينقمون على علماني قد فصل الدين وعراه , أو على مستشرق قد حرّف مصادر الإسلام وأوهى عراه , أو على منافق يكتب في كل صحيفة وجريده , أو على مشكك يصبحنا و يمسينا بشبهة جديدة , أو على مستغرب ينشر بيننا الكبائر , أو على عدو يتربص بنا الدوائر .

فهؤلاء لاينقمون الأ على من يعلم عباد الله دينهم , وينشر بينهم سنة نبيهم , ويقرر لهم الآداب والفضائل , ويحرر لهم الأحكام والمسائل . جعلوا من علمائنا , نذير خطر على البلاد والعبيد, وصوت تخلف يحجب الأمة عن كل مفيد وجديد .

يتغنون بالوطنية ويدندنون حولها، والوطنية عندهم إخراج المسلمة من بيتها , وجعلها سلعة في أيدي الرجال، الوطنية هي الدعوة لفتح الملاهي والمراقص، والسماح بالسينما والمسارح، الوطنية هي إلغاء الهيئات، وحلقات التحفيظ، والدورات العلمية، الوطنية الانسلاخ من الهوية الإسلامية , واتباع الغرب في الانحراف الخلقي والاجتماعي، الوطنية الاستهزاء بسنن الأنبياء ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾ .